سفر: الفاسدين
في القطار الفاخر ورحلتى نحو القاهرة لاحضر مولد الترابى أشعر بأنفاسه معي وأنه ذاهب خلفي كعادته، يتتبعني، إلى أيّ مكان، لا أدري ماذا يريد مني، أنا لا أريد شيئًا من أحد، فقط أريد أن يتركني، الحقيقة أنني مللت، منذ شهور قررت أن أذهب إلى طبيب نفسي لكني خشيت من أدويتهم، خشيت أن يقول لي...
الوحيد الذي كنت أشعر أنه ينتمي لمسجد القرية عمي محمود رغم أن له لحية لكنها لا تخيفني بل أرى منها نورًا تمامًا كالذي يشع من عينيه وحديثه المملوء برفق وحنان يكفي لتطييب خواطر الدنيا كلها، عمي محمود محطة من محطات الصمود، عمي محمود بائع الفول الذي استوطن أمام شركة الغاز بجوار المسجد يحضر صلاة الفجر...
يقولون «قطار الحياة»، لكن الحقيقة التي أدركتها أن القطار نفسه حياة، أيًّا كان القطار سواء أكان قطار الدرجة الأولى الفاخرة أو قطار الفقراء قطار الدرجة الثالثة الذي هو في حقيقته قطار ما دون الدرجة العشرين
القطار حياة كاملة بتفاصيلها الدقيقة وعناوينها العريضة، وتقاطعاتها الحادة، وتناقضاتها الغريبة،...
قبْل السَّفر بأيّام أثقل في بُطْئها من أضغاث الأحلام، قرّر مْسَلّكْ لِيّام، أنْ يحْتفلَ بسفره وحيدا، أنْ يدْفن دون أن تُشاركه يدٌ في قبْضة الفأس، ما قد يقْترفُه من فضائح في مقْبرة اللَّيل السّحيقة، فهو يُؤمن حدَّ الكفر بكلِّ الأصْنام، أنَّ حتّى أقرب الأسْتار في كواليس المُجتمع، لا تُؤْتمَن...
سفر: حيلة السلطان
قطار الدرجة الثانية العادية، بل في الحقيقة ممّا دون دونها حتى الدرجة العشرين إن وُجدت، كان ينطلق فيه الباعة الجائلون من كل لون وطائفة، كما أنّ القطار كان ممتلئًا عن آخره أكوامًا من اللحم ملتصقة، أكثر من ذلك كان هناك الراكبون في أعلى حيث أرفف الحقائب.. بعضهم مجند عائد من بعيد...
طاقة الخَيال عنْد مْسَلَّكْ لِيّامْ، أبْعد في رحلاتها مِنْ أنْ تُحَدَّ بأمْيال، لذلك تجدهُ في غالب التّفكير، ساهماً حالماً لا يَسمَعُ من الكلمات إلا آخرها، في غيبوبة محْمولا على أكْتافِ النّمْل كما لو يمْتطي ظهور الأفيال، لَمْ يكن يُخالط النّاس أو يُخالِطوه لِغرابته في الشّكل والهِنْدام،...
تمنّى أبي أن يلتقي بأمّي ولو للحظة فقط، ليقول لها كلمة واحدة.. سيتحدى أعراف مدينته ويعترف لأمّي دون خوف أو خجل.. نعم سيضرب بعرض الحائط كلّ التّقاليد والأعراف والعادات البالية.. وسيهتف بحرقة، ومرارةِ، وتحّد، وإصرار:
- أحبّكِ.. أحبَّكِ.. يا (زينب).. يا حبيبتي.. يا زوجتي الرائعة.. يا أمّ ابني الذي...
كان يقف عند نافذة حجرته يراقب تساقط الثلوج المستمرة ،ندف قطن تتطاير بغزارة من سديم أبيض ، إنّه يعدّ الساعات المتعاقبة علّها تتسارع كي يحلّ المساء ،لتحضر عنق حمام إلى مجلسه فتدفىء أرجاءه و روحه التي يدبّ إليها البرد غير متوانٍ ... علا صوت صهيل الخيل في الإصطبل، فتطايَر إلى حجرته الصامتة...
برفقة عمّي (عمر)، ذهبت جدّتي إلى.. البلدة التي تعيش فيها أختها.. والتي تتبع لهذه (المنطقة)، وكان الوقت مساء، لذلك ومن المؤكّد، بأنّها ستنام هناك.. أمامها ثلاثة بيوت، يتوجّب عليها زيارتهم، دار أختها (فطيم)، التي هي من تقصدها في الأساس، لخطبة حفيدتها لأبي، والدّار الثّانية هي لأخيها (الحج محمد)...
ج(10)
عاودت العاصفة الثّلجية وكانت أعنف من سابقتها ... لقد كانت إشراقة شمس تلك الأيّام القلائل السابقة مختلسة من ربيع زائر في غير موعده كان صحو الأيام فيها فرصة لخروج السكان للتبضّع و التسوّق و تبادل مختلف المصالح والأغراض .
أبكرت عنق حمام إلى خمّ الدّجاج ،واختارت ديكا وديكا،قام باز...
عاد أبي مع جدّي إلى الدّار، التي كان قد طرد منها.. وكان قد اشتاق لها ولأشجارها، ووردها جداً، ففرحت جدّتي بعودته، حضنته وقبّلته،ولكنّها بكت لمّا عرفت، ماذا دار في الجلسة، وماذا كان طلب جدّي (عبيد)، لكنّها علّقت، قائلة:
- في النّهايةِ، ستعود إلينا زوجتك، مهانة وذليلة، ومكسورة الخاطر.. ولكن نكاية...
ج(9)
دخل "باز" لاهثا بعد طلب إذن الدخول، وقال وهو يسترجع هدوء أنفاسه التي تسارعت بسبب الركض:
ـــ سيّدي خليفة... رسول من سيّدتي "سعدى" يرغب في لقائكم.
ـــ ليس من عادة ابنتي سعدى إرسال رسول في أيّام الشتاء المثلجة! أدخله حتّى أرى ما خطبه؟
أبلغه رسول سعدى بأنّها تستعجل قدومه حتّى...
ج(8)
تشكّلت برك مائية أمام عتبات المنازل، فقد انقشع الضباب الذي غشي صباحهم، وأشرقت شمس شتائهم البارد المثلج، تداعت الثلوج لحرارة الشمس فانصهرت وجرت في شكل سيول تخترق الأرض وشقوق الصخور.
صادفها "باز" ـــ سائس زريبة الغنم ـــ وقد أثارته خطواتها المتسارعة وهي تتجّه نحو ديار وافدين من بني...
نام أبي، في دار عمّه الحاج (حسن) عند أختيّه، حدّثهم في الأمر، ورفض تناول طعام العشاء.. وكانت ليلة صعبة جداً على أبي، وعلى أمّي، التي لم تجرؤ أن تحدّث أهلها، في الأمر، ذلك لأنّ (جدّي عبيد)، لو عرف إنها خرجت، من دار زوجها مطرودة، وفي الليل، لرفض أن يعيدها إلى هذه الدّار، مهما صار، فقد كان شديد...
(مصطفى الحاج حسين).
(جدّي)، خلال سنة واحدة، دفع عن أبي (خمسمائة) ليرة، (ليعفيه) من (العسكريّة).. ثمّ وبذات السّنة،صرف على زواجه، من أمّي، (خمسمائة) ليرة ثانيّة.
(جدّي)، في منتهى القسوة عندما يغضب، يريد ويطلب من أبي،وجميع أفراد إسرته، أن يتمسّكوا بالأصول، وأن لا يخرجوا عنها، وإلّا سيلقون منه، ما...