قصة قصيرة

كان جدي رحمه الله يسعده أن يرانا حوله، يحتضن أحفاده الصغار، يزحف إليه (محمود) وتركض نحوه (فاطمة) ويتمسح به (أحمد) وهو بهيبته ووقاره يربت على أيدينا، ويداعب رؤوسنا. عناقيد العريشة تتدلى فوقه كالمصابيح، حبات العنب كبيرة لامعة تشف عما فيها من عصير سائغ رائق… تدعونا أمي بالتقاط حباته الناضجة.. نتلذذ...
عشتُ حياة كمن عاش في قطار فائق السرعة، يتنقل ما بين محطة وأخرى دونما توقف.. سافرت بصحبة طفولتي وذكريات من دون أمتعة ولا حقائق، تاركاً خلفي النيران والدخان.. قرار السفر لم يكن محبباً بالنسبة لي ولكنه صدر عن جدي لوالدي الذي صار حاكم أمري بعد ان اختفى والِدي بين الركام الذي خلفه صاروخ طائرة F16...
ما أن تجتاز بوابة (المتحف الحربي) حتى تطالعك بندقية قديمة من نوع (برنو) معلقة في صدر القاعة، وتحتها مباشرة صورة كبيرة لشيخ في العقد السابع من عمره، رافعا يده اليمنى، مشيرا بإصبعيه بعلامة النصر، ويرفع بيده اليسرى – مزهوا – بندقية ويبدو في الصورة واضعا إحدى قدميه – بكبرياء – فوق حطام ذليل لطائرة...
في الفجر انمحت الى حد ما ظلمة الليل من أمامي فظهرت مضببه بالغبار بساتين النخيل على جانبي الطريق، تتماوج على ذوابات السعف في هاماتها أضواء النهار الحاط عليها من الافق البعيد، ملونة اياها والغبار بألوان حمر وصفر، أسمع الأزيز الناتج عن احتكاك عجلات السيارة بأسفلت الطريق. ــ ماما ليث ما أجه بابا...
أحقًا، كنتُ أرتدي الرُّعب، وأحملُ قيدًا، لعلّني أفتحُ أرواحًا، أو أُغلِق فضاءات، حينها ربّما أصفعُ الدّهشةَ، لأرسمُ مصائر، حينها سأختمُ نهايات التدريب، وألبس الزي، دون أن أتأمّلُ. -"يا جلف". هذا ما قالهُ، ثمّ تخيّلتُ أنّي أُمسكهُ، ألوي عنقه، أخنقه، أصفعه، ألكمه، أدوسه، أقيّده، أعلِّقُه،...
خرج يتجول وحيدا بين تلال وهضاب رمال صفراء , كانت قد اكتسبت لونها من ضياء شمس حارقة ألهبت جسدها شواء في عراء , يتخبط بأجنحته جيئة وذهابا , عابثا بنقلها هنا وهناك بتبختر يعكس قوة وجبروت , ألفت هي تلك الحركات حتى باتت لديها عادة عدم الانتماء لبيئة أو أهل وعشير , نعم تقول لبعضها حين تمسي ويسكن الريح...
كانت أقصى أحلامي في هذه اللحظة، أخفيتها عن يدي اليسرى، عن عيون الصف الجائعة، عن هلوسات المَعِد الخاوية، والأَكُفّ المتصلبة، برتقالة خطفتها من شجرة أرضنا، وأنا أهرب من بين أنياب القصف، راحلاً صوب مدرسة الإيواء منفانا الجديد. الجميع نائمون. حان وقت نيلها. مد علي يده ليمسك البرتقالة لكنه فشل،...
لم يكن يدري أن الوقت سيعبث فيه وأن الشوارع الغريبة سوف تتقاذفه منذ أن غادر. طعم الصباحات، المطر الخجول المنتظر. والذي لا يأتي. مآذن الجوامع التي لم تعد قادرة على منازعة الأبنية المحيطة في الارتفاع . هاهي آثرت الوقوف في فضاءات مكشوفة. قبيل فيضانات الإسمنت. أصوات أجراس الكنائس القابعة بحميمية...
كأن الذين أعرفهم ماتوا....كأن الذين لا أعرفهم أيضا ماتوا... وحدي أصافح الوجوه المتراصة كأكوام الرمل، في صحراء الشرود ، هناك وحدي أرى العالم يتلاشى وأنا الذي بدأ يتلاشى في ردهة الصمت . تمر على شاشة بصري صورهم المتنافرة ، وجوههم الضاحكة ، والمستبشرة ، وجوها عابسة وغاضبة ، وأخرى متناحرة كل هذا يجري...
عندما ازدحمت صالة الفندق الصغيرة بالنزﻻء الذين تجمعوا بها حازمين حقائبهم التي تكدست في المكان، وهي تزاحم الكراسي القديمة المتهرئة وقد أحتار البعض أن يختار مكانآ لجلوسه. وبنزول آخر مجموعة من الطابق الثاني وقد ملأت أصواتهم وضجيج أقدامهم درجات السلم الذي أصر البعض أن يكمل آخر حكاياته عليه، الجميع...
حاولت أن تتظاهر بأنها طبيعية جدا؛ وفي أفضل حال. صنعت لها كوباً من القهوة، وحملت بيدها الأخرى زجاجة ماءٍ شديد البرودة. شعرت بأن البرودة هي أكثر ماتحتاجه في تلك الحالة. جلست في الفناء الخلفي لمنزلها؛ حاولت الهروب من أفراد عائلتها ، والاختباء عن أعينهم ، لتواري سوءة خيبتها ، وتهل التراب على حُبٍ...
وآنا ابحث عن مقعدي بعدما سمحت المضيفة لي بدخول الطائرة مشيرة إلى الممر الذي يوصلني الكرسي الذي يحمل جزء بطاقة صعود الطائرة رقمه وجدتها تجلس في الكرسي المحاذي للنافذة . رقم صف الكرسي كما هو مدون في جزء بطاقة الصعود كرسي النافذة يحمل الحرف المحاذي لرقم الصف فجلست على كرسي الممر وقمت بربط الحزام...
ﺗﻔﺘﺤﺖ ﻭﺭﻭﺩ ﺧﺪﻭﺩﻫﺎ، ﻭﺗﺒﺴﻤﺖ ﺃﺯﺍﻫﻴﺮﻫﺎ ، ﺗﻸﻷ ﺍﻟﺒﺪﺭ ﺍﻟﻀﺎﺣﻚ ﻣﻦ ﺫﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﻲ ... ﻭﺍﻣﺘﺸﻖ ﺍﻟﻘﺪّ، ﻭﺗﻤﺎﻳﻠﺖ ﺧﻄﻮﺍﺗﻪ ﻛﺘﻤﺎﻳﻞ ﺳﻨﺎﺑﻞ ﺍﻟﻘﻤﺢ ﻣﺘﺮﺍﻗﺼﺔ ﺗﺤﺖ ﺃﺷﻌﺔ ﺍﻟﺸﻤﺲ ... ﻭﻗﻔﺖ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ، ﺗﺪﻭﺭ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ، ﻭﺫﺍﺕ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﻧﺎﻇﺮﺓ ﻻﻛﺘﻤﺎﻝ ﻣﻔﺎﺗﻨﻬﺎ .... ﺑﺎﻏﺘﻬﺎ ﺻﻮﺕ ﻭﺍﻟﺪﻫﺎ ": ﺃﻟﻢ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ؟؟ .. ﻫﻴﺎ ...
كنت أطالع (مقدمة ابن خلدون) عندما ندهني مديري ... وضعت الكتاب جانبا وولجت مكتبه ، وكأي مرؤوس مهذب خفضت جناحي وامتدحت قميصه الجديد ، لا يروقني لا القميص ولا التزلف ، لكن الرجل يتقى شره بمعسول الكلام ، أخبرني بأهمية الطلبية القادمة والإسراع في اعدادها ، انزعجت من ميعاد التسليم الذي سيكون بعد...
بعثر أوراقه القديمة ، وجد رسالة بخط يده مُترعة بالبدايات المتعثرة . حروفها متناثرة كمخطوطة فرعونية ، لكنها لا تزال تنبض بالحياة ورائحة الماضي ، عقود من زمن مضى كأول رسالة حب يكتبها ، وعلى هوامشها رسومات لقلب ينزف ، وسهم يخترق المشاعر ينفذ إلى الأعماق ، استعاد الذكرى والتاريخ والطفولة ، مسحها...
أعلى