قصة قصيرة

هذا هو الأستاذ في طريقه إلى الجامع القريب. تعرفه البيوت المتساندة على بعضها، وتراه تلك العيون البارقة، المختبئة في الشقوق الطولية للجدران الرطبة. عيون لبشر ماتوا، وبعد كل ذلك الزمن يبعثون عيونهم لترصده بإصرار. يقف لحظات مواجها للجدار، يبتسم قليلا ويمضي. لا يكاد يدوس على الأرض. ينقل خطواته بشكل...
يتململ هو , يتأرجح الكرسي من تحته , كأنهما لا يتفقان , وقف فجأة يحدق بالكرسي , ثم راح يقلبه , عاد وجلس عليه , اهتز الكرسي من تحته , قام منه , وحمله إلى أعلى وراح يهزه . كنت أراقبه , واكتشفت أن العشرات من الناس تراقبه , قال احدهم لزميله : إنه مجنون . أجابه زميله بمرارة : لا .. نحن المجانين ...
في القرية الخاوية من كل شيء، حتى من الماء نتذكر والناس أيام كان الغدير وافرا، والوادي الذي كان ماؤه يطفو على الأرض حتى أبواب البيوت، ينْسل بين الأيدي، يُنعش الجوف والجلد، كما ينساب في حنفيات المدينة، ينساب في الطريق إلى المقبرة، الكل كان ينام على بركة من ماء، ولا يحزن أحد من أن يدفن دون أن يكون...
يوم الخميس من كل أسبوع تبدأ معركة المواصلات في العاصمة عمان. فبعد انتهاء الدوام يتجمع الموظفون والعمال والزوار وغيرهم في مواقف السيارات في العبدلي لينطلق كل إلى غايته، شمالاً أو جنوباً، شرقاً أو غرباً. في ذلك اليوم كنت متعباً مريضاً شارد الذهن، وحين أقبلت على الموقف المزدحم وجدته يعج بالضجيج...
بطول الشاطئ، القابعة قريتنا على حافته، تتعدد منازل النهر، مُمهدة بفعل عمال الحكومة، المرسلين فوق (صنادل) شراعية كبيرة، مُحملة بأحجار جيرية، بيضاء غير مستوية، لكل منزَل وسعاية، تقع قُبالته تماما، للحيوان فيها ـ وربما للجان ـ مآرب شتى، أما نسوة قريتنا، فلهم مع كلابها وحميرها أحوال وأحوال. وسط...
نطح الخروف حاضره بعنف! ضرب الحائط بقرنيه حتى شج رأسه، ثم رقد متكئا على شقه الأيسر يجتر أعشابا جافة وبقايا صحف ورقية. ينسرب ماء العشب إلى بطنه بذات غضبته. مع بزوغ الشمس أدركت الخراف المقيدة بالمنازل مصائرها المحتومة، صدمته معرفته بالأمر، ظل لسنوات ثلاث في هذا البيت يفعل ما يحلو له، ينعم بحياة...
ن
بلهجة حالمة وبصوت توشّح بالدلال والرقة قالت: هيّا بنا نمتطي زورق الأحلام، لنُبحر فيه حيْث شواطئ الفرح. احتضنها بعينيه، بقلبه بكامل تفكيره، همس لها: أما علمت حبيبتي؛ جف البحر، واستوطنت الحيتان شواطئنا. غمرها الحزن فجأة وانهالت الدموع. همس لها وهو يلملم خصلات شعرها المسافرة مع الريح: سأوصلك...
و على مسافة امنة من الطريق تعثرت و سقطت ، ذلك بعد ان فارقت الجمع ، كانت شاردة الذهن بائسة ، امر معقد يشغل بالها ، يقلقها و مثيلاتها ، اخطاء بدأت تفكر في ردود افعالها المستقبلية، غارقة تبحث عن فرصة ثانية ،تتمنى لو يعود الزمن حتى لا تكرر نفس افعالها. انحنت اليها امراءة ليست بغريبة عنها ، سألتها ما...
أربعة وعشرون مترًا محيط الغرفة.. ما بين باب الزّنزانة ومكتب القائد في أعلى التلة مئتان وتسعون خطوة.. تنتصب وسطها تماما شجرة لبخ ضخمة، اكتشفها بواسطة مهارة الإنصات لصدى فرقعة الوسطى والإبهام. رجعت به الذاكرة القهقري.. كان الصباح دافئًا كأصابع متحلقة حول النار.. تكفلت فيه الرياح الجنوبية بسرقة...
تصطخب في أعماقه شتى الأحاسيس، كالبركان الخامد، وبتدرج بدأت نوبات التفكير تتفتق في ذهنه، بين الكراريس والأطفال، مثل المهرج طيلة خمسة عشر عامًا، يزرع الحروف والأرقام في العقول المتكونة، لتفلح الآفاق، وتينع سنابل الآمال، مما بدت له صفحات الأيام وكأنها بيضاء كلها، حتى أنه فقد رونق الألوان الأخرى،...
ﺍﻛﺎﺩ ﺃﻓﻘﺪ ﺍﺻﺎﺑﻌﻲ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ، ﻓﻬﻲ ﻣﺎ ﺯﺍﻟﺖ ﺗﺆﻟﻤﻨﻲ ﺭﻏﻢ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎﺭﺏ ﺍﻟﺜﻼﺛﻴﻦ ﻋﺎﻣﺎ .. ﻓﺎﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﻲ ﻟﻢ ينته ﺑﻌﺪ ، ﻭ ﺣﻘﻴﺒﺘﻲ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻴﺔ ﻣﺎ ﺗﺰﺍﻝ ﻋﺎﻟﻘﻪ ﺑﻜﺘﻔﻲ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ، ﻭ ﺍﻧﺎ ﺍﺟﺪ ﻧﻔﺴﻲ واقفا ﻋﻠﻰ " ﺍﻟﺸﺒﺎﻙ " ﺍﻟﻘﺼﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﺗﻔﻊ ﻋﻦ ﺍﻷﺭﺽ ﺣﻮﺍﻟﻲ ﻧﺼﻒ ﻣﺘﺮ ﻓﻘﻂ . ﺍﻗﻒ ﻛﻤﺸﺪﻭﻩ ﻣﺴﻠﻮﺏ الإﺭﺍدة ، ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ ﺗﺒﺮﻳﺮﻱ ﻟﻮﻗﻔﺘﻲ ﻋﻨﺪ...
نباتى، لا يأكل اللحم ولا البيض، لا يشرب الحليب، لايتعاطى أيا من منتجات الألبان، ويتجاهل وجود النساء تماما، منذ ثلاثين سنة، لهذا بقى أعزب، بينما يقترب الآن من الخمسين، ولا أحد يعرف تفسيرا لفرط أناقته التى يوليها أقصى اهتمامه وينفق الكثير عليها. منذ ثلاثين سنة كان عاشقا فى عمر الصبا لصبية تماثله...
كعاداتها كل مساء تتجول “نور” في الزقاق الضيق، تتملى الوجوه الجالسة هنا وهناك، في مقاهي مدينتها حالة من التناقض وعدم التناغم تطغى على المكان، الكل شارد، هائم على وجهه… إنها تستغرب لهذا العالم المتنافر غير المُتجانس…هي حائرة، تقلب أسطوانات قديمة، تسترجع ذكريات طفولتها الحبلى بالأفراح. اعتادت “نور”...
… ولذلك… لا أحد يمكن أن ينكر أن حرية التعبير غير موجودة عندنا… و ان اللقيطة المسماة حرية، ولدت، حسب علمي، ولادة قيصرية، وفي مكان غير مناسب بتاتا… كان مسقط رأسها كما أخبرت بذلك، داخل حِصن حصين، مدجج بالحراس و الزبانية، سالت فيه دماء كثيرة و سافرت أرواح… لم يكن المخاض سهلا… جن الكثيرون من قاطنيه و...
بعد ألف عام من الآن, سيطوق الناس رؤوسهم بالبَردياتِ الحِنطية, وستخرج الآه من صدورهم مُدَوية لتنام في مسامع الإذاعات الكُبرى؛ والتي سَيضيع مقدموها نصف أعمارهم يَلهثون من الرَكض, ونصفها الآخر سَيحملون أبواقهم (الفضية) للإذاعات المحلية, و(الذهبية لتلك التي تصدر بلغاتِ عِدَة, سيحملونها وهم ينصحون...
أعلى