قصة قصيرة

لست طويل القامة وممشوق القوام مثل ماجد عبدالله، في أيام عز وشهرة"أبوعبدالله... الرمح الملتهب"، ولا أدنو في الوسامة بقدر مسافة ميل من"بوسنيدا"، الفنان راشد الماجد. أما إذا افترش وجه الفنان جواد العلي شاشة التلفاز، فآه، ثم آه. وبإرادة ذاتية تدب فيهما على الفور، تمتد يداي كلتاهما، رغم أنفي، لتطفئا...
كنت أراقب جارتي وهي تخطو بدأب نحو الجنون. كانت تتجه إليه بالبساطة نفسها التي تضع بها أكياس القمامة أمام باب شقتها كل صباح، بالإتقان نفسه الذي تطهو به أصناف الطعام التي تغمرني روائحها الشهية كلما مررت بشقتها الواقعة أسفل شقتي مباشرة. حين انتقلت للسكن في البناية، لم ألحظ أي شيء غريب أو حتى غير...
اخترقت ساق اصطناعية خشب الباب الفاصل بين غرفتي والغرفة المجاورة. فزعتُ من الصوت العنيف، فتركتُ كتابي على السرير، وأسرعت إلى الباب. كانت الساق الاصطناعية نافذة من الباب في شكل افقي على ارتفاع نصف متر. كان حذاء الساق وثيقاً مدبباً، وفي أسفله عند مواطن الارتكاز، نعل حديد رصاصي اللون. اقتربت من...
حملت أشيائي القليلة وسرت إليك. الحقيبة الصغيرة في يد وفي الأخرى قفص الكناري بريشه الملون والعنوان. معذرة... كنت على سفر فلم أعرف أنك انتقلت إلى عنوان جديد. عدت إلى البيت القديم، فوجدتهم في انتظاري على العتبة. سلموني في صمت أشياءك القليلة، قفص الكناري، عنوانك الجديد ومفتاحاً صغيراً. نظراتهم التي...
كان يوماً طويلاً بدا كأنه لن ينتهي منذ حملتُ حقيبتي في الصباح ومضيت إلى المدرسة. كانت الشمس تطلع ولا تلبث أن تغيب وأنا أرقبها من داخل الفصل، وعندما غابت تماماً فتحوا لنا الأبواب للخروج. كنت خائفاً من العودة في هذا اليوم بالذات، فأنا لم أر"قمر"أمي منذ استيقظت، واكتفت خالتي"الجارية"بأن وضعت فطوري...
هذا هو الأستاذ في طريقه إلى الجامع القريب. تعرفه البيوت المتساندة على بعضها، وتراه تلك العيون البارقة، المختبئة في الشقوق الطولية للجدران الرطبة. عيون لبشر ماتوا، وبعد كل ذلك الزمن يبعثون عيونهم لترصده بإصرار. يقف لحظات مواجها للجدار، يبتسم قليلا ويمضي. لا يكاد يدوس على الأرض. ينقل خطواته بشكل...
يتململ هو , يتأرجح الكرسي من تحته , كأنهما لا يتفقان , وقف فجأة يحدق بالكرسي , ثم راح يقلبه , عاد وجلس عليه , اهتز الكرسي من تحته , قام منه , وحمله إلى أعلى وراح يهزه . كنت أراقبه , واكتشفت أن العشرات من الناس تراقبه , قال احدهم لزميله : إنه مجنون . أجابه زميله بمرارة : لا .. نحن المجانين ...
في القرية الخاوية من كل شيء، حتى من الماء نتذكر والناس أيام كان الغدير وافرا، والوادي الذي كان ماؤه يطفو على الأرض حتى أبواب البيوت، ينْسل بين الأيدي، يُنعش الجوف والجلد، كما ينساب في حنفيات المدينة، ينساب في الطريق إلى المقبرة، الكل كان ينام على بركة من ماء، ولا يحزن أحد من أن يدفن دون أن يكون...
يوم الخميس من كل أسبوع تبدأ معركة المواصلات في العاصمة عمان. فبعد انتهاء الدوام يتجمع الموظفون والعمال والزوار وغيرهم في مواقف السيارات في العبدلي لينطلق كل إلى غايته، شمالاً أو جنوباً، شرقاً أو غرباً. في ذلك اليوم كنت متعباً مريضاً شارد الذهن، وحين أقبلت على الموقف المزدحم وجدته يعج بالضجيج...
بطول الشاطئ، القابعة قريتنا على حافته، تتعدد منازل النهر، مُمهدة بفعل عمال الحكومة، المرسلين فوق (صنادل) شراعية كبيرة، مُحملة بأحجار جيرية، بيضاء غير مستوية، لكل منزَل وسعاية، تقع قُبالته تماما، للحيوان فيها ـ وربما للجان ـ مآرب شتى، أما نسوة قريتنا، فلهم مع كلابها وحميرها أحوال وأحوال. وسط...
نطح الخروف حاضره بعنف! ضرب الحائط بقرنيه حتى شج رأسه، ثم رقد متكئا على شقه الأيسر يجتر أعشابا جافة وبقايا صحف ورقية. ينسرب ماء العشب إلى بطنه بذات غضبته. مع بزوغ الشمس أدركت الخراف المقيدة بالمنازل مصائرها المحتومة، صدمته معرفته بالأمر، ظل لسنوات ثلاث في هذا البيت يفعل ما يحلو له، ينعم بحياة...
ن
بلهجة حالمة وبصوت توشّح بالدلال والرقة قالت: هيّا بنا نمتطي زورق الأحلام، لنُبحر فيه حيْث شواطئ الفرح. احتضنها بعينيه، بقلبه بكامل تفكيره، همس لها: أما علمت حبيبتي؛ جف البحر، واستوطنت الحيتان شواطئنا. غمرها الحزن فجأة وانهالت الدموع. همس لها وهو يلملم خصلات شعرها المسافرة مع الريح: سأوصلك...
و على مسافة امنة من الطريق تعثرت و سقطت ، ذلك بعد ان فارقت الجمع ، كانت شاردة الذهن بائسة ، امر معقد يشغل بالها ، يقلقها و مثيلاتها ، اخطاء بدأت تفكر في ردود افعالها المستقبلية، غارقة تبحث عن فرصة ثانية ،تتمنى لو يعود الزمن حتى لا تكرر نفس افعالها. انحنت اليها امراءة ليست بغريبة عنها ، سألتها ما...
أربعة وعشرون مترًا محيط الغرفة.. ما بين باب الزّنزانة ومكتب القائد في أعلى التلة مئتان وتسعون خطوة.. تنتصب وسطها تماما شجرة لبخ ضخمة، اكتشفها بواسطة مهارة الإنصات لصدى فرقعة الوسطى والإبهام. رجعت به الذاكرة القهقري.. كان الصباح دافئًا كأصابع متحلقة حول النار.. تكفلت فيه الرياح الجنوبية بسرقة...
تصطخب في أعماقه شتى الأحاسيس، كالبركان الخامد، وبتدرج بدأت نوبات التفكير تتفتق في ذهنه، بين الكراريس والأطفال، مثل المهرج طيلة خمسة عشر عامًا، يزرع الحروف والأرقام في العقول المتكونة، لتفلح الآفاق، وتينع سنابل الآمال، مما بدت له صفحات الأيام وكأنها بيضاء كلها، حتى أنه فقد رونق الألوان الأخرى،...
أعلى