قصة قصيرة

صحيحٌ أنّنا شعبٌ لا يقرأ إلّا الكفَّ والأبراج، لكنّ هناك نوعيّةً من الكتب تُطبع عشرات المرّات، ويُقبِل الناسُ على مطالعتها بنهمٍ شديد، ومن المؤكّد أنّ مؤلّفيها يجْنون الملايين. وعلى سبيل المثال نذكر من هذه العناين التي تلقى رواجًا كبيرًا: ــــ كيف تحمي نفسك من العين والحسد؟ ــــ كيف تحصلين على...
"القصيرات هُنّ المحظوظات": لطالما ردّدتْ أمّي عبارتَها ضاحكةً، وهي تَهمُّ لإحضارِ الطبليّة، كي تساعدني على بلوغِ الأماكن المرتفعة. كنتُ في الثالثة عشرة، وأحلمُ بدخول الجامعة للتخصُّصِ في التعليم. أورثتْني أمّي قِصرَ القامة، من دون الإيمان بحظّ القصيرات، وإن كانت تُدعِّم إيمانَها بالشواهد حتّى...
أحببتُها رغمًا عنّي. لا أجد وصفًا أدقَّ للتجربة التي عشتُها مع حوّاء، السيّدةِ الثلاثينيّةِ ذاتِ الصوت الدافئ والعينين العسليّتين. حدث هذا قبل عقدين من الزمن. كنتُ حينها على وشك الزواج، وليس في نيّتي تخريبُ ما بنيتُه خلال عامين. لكنْ، كيف تُقْنع قلبَكَ بألّا يدقَّ لرؤية امرأةٍ تجلّتْ فيها كلُّ...
أغتصب بياض الورق، ولا أعرف ذنبه، إحساس لا يُوصف، كأني أعيش في دوامة لا نهاية لها، أعرف فقط بدايتها وما تَبقىَّ يعلم به فقط الغائب الذي يبعث لي أشعة الشمس. تحضنني و تجعل الضوء يسكن أحشائي، بعد ما ألبسني الحزن معطفه الأسود وأسكنني في دواليب أزقته المظلمة... لا، ليس هو من أجبرني على ارتداء هذا...
كل مساء، يجلس عند حافة نهر ديترويت يتأمل الأفق المتواري خلف البنايات الشاهقة في مدينة ويندزور الكندية، يسند ظهره لصخرة ضخمة بركت بتهدّل عند الشاطئ المغطى بعباءة طحلبية ممزّقة. في الهزيع الأخير من الليل يدس خيوط أنظاره المتعبة في رماد النهر المحتفل بالأضواء والنجوم المتصارعة في تدوين مشهد الحضور...
سقطت الملعقة من يده، كسّرت صمتا انسكب على المائدة، قام معتذرا، خرج إلى الشرفة ليحلق بشروده وييمّم وجهه شطر ضفاف الحنين..! بحسِّ رفيقة العمر أدركتُ أن حلّ خيط العقدة متعلق بين أصابعي، كلمة الفصل مربوطة بلساني،والخلاص من - الوجوم - الذي حلّ منذ بداية العام ضيفا ثقيلا، دون سابق دعوة أحال دفء...
عندما فتحت الخطاب في حمّام المدرسات، لم تجد غير جملة واحدة فقط. - آنسة هالة.. أنت لا تدرين كم أنت جميلة! انتفض جسدها كله وأسرع قلبها يدق طبوله، ونظراتها تمسح الجدران والنوافذ والسقف والأرضية فقد يكون هناك من يرقبها، أسرعت يداها إلى الجيبة والبلوزة تتحسسهما لتتأكد إنها ليست عارية. ظل بدنها يرتعد...
من الممرِّ المعتم الضيق ينسلُّون فرادى. خطاهم على الأرض رقيقةٌ لا تُحَس، كأنَّما عاهدوا الأرضَ ألَّا تبوحَ بوقعِ أقدامِهم. يرفلون في ثيابٍ فضفاضة. يحدقون في الأفق البعيد. لم تند عنهم كلمة. وأنا حين لمحتهم ارتعبت. خلت أنني أهذى، بينما قلبي يضرب بعنف متسارع جريد ضلوعي. العتمة غلَّابة. يضمر الضوء...
في كلّ مرّةٍ تحكي صديقتي عن فتاها الوسيم، أتلهّفُ إلى رؤيته. سيرتُه مثيرة للشغف والفضول والحسد والغيرة. صديقتي الممتلئة قصيرةُ القامة، تشبهُ ناسكًا منتفخَ الأوداج، تسير الهوينى بين صفوف المدرج. تزهو بحبيبها الذي تخبّئ صورتَه بين صفحات الكتب، ولا تسمح لأيّ منّا بالتعرّف إلى ملامحه. أتلصّص على...
يوم أخبرتِني أنّكِ رأيتني في حلمكِ، أعاتبكِ على ابتعادِكِ القسريّ، عزمتُ على رؤيتكِ. وجدتُها فكرةً رائقةً أن أحلمَ بكِ كلّ يوم. ولُمتُ نفسي لغفلتي عن أحد أعظم فنون الاستحضار وأيسرِها. لكنّ "أيسر" السبل لم يكن يسيرًا جدًّا، لأنّ الأحلام تَحْضُرنا بمزاجها، وتتلو علينا نفسها حين تطمئنّ إلى...
- المزيد من الثلج رجاءً. قلتُ للنادلة وأنا أراقب مؤخّرتها تتمايل صعودًا ونزولًا. خطر في بالي أنّ عملها في هذا المكان ــــ وفي هذه المدينة البائسة ــــ قد يكون، بشكلٍ ما، نتيجةً للحرب اللعينة. وقد تكون مهجَّرةً مع أهلها من منطقةٍ أكثر سخونةً من مؤخّرتها نفسها. والأجدى بي أن أفكّر قليلًا،...
زكية خيرهم الشنقيطي وأخيرا أخيرا جاء فصل الشتاء بلياليه الطويلة السوداء وبفجره النائم الكسول... بهدوئه ... بسكونه .... ببرده القارس... بنهاره القصير. وحبيبات الثلج تتطاير كالغبار، تحمل رائحة الثلج و تدخل أنفي، فأحس بأوجاع في كل مكان في جسدي. أحس بعطش إلى الشمس و بشوق إلى الحرارة. فصل طويل يتسرب...
* من أدب المقاومة العراقية “لولا وجود الاحتلال لكنا شعراء حب من الدرجة الأولى أو شعراء طبيعة” سميح قاسم أخرجُ أم أبقى، أخرجُ الآن أم أُؤجل الخروج إلى المساءِ، إلى صباح يومِ غدٍ، أو بعد غدٍ. سأغادرُ الآن وأكسر القاعدة وليحصل ما يحصل، قرارُ خروجي من البيتِ صار مرهوناً بوضع الشوارعِ.. سأخرجُ...
جمال العتابي وهو يعيد ترتيب كتبه وينفض عنها تراب مسكنه المهجور لسنوات، ويوزعها على رفوف خشبية داكنة اللون شغلت حيزا واسعا من جدران صالة الاستقبال في مسكنه الجديد، فجأة وقع بصره على دفتر بغلاف اسود سميك تأطرت حاشيته بورق لاصق محكم لايشبه الدفاتر الاخرى بقياساتها المعروفة، يوحي منظره بحرص متناه،...
رشا فاضل يطل المساء الكئيب على شرفتي مشرّبا بحنين غامض ، أتكوّم لصق نافذتي الاثيرة المطلة بفضول دائم على نشاط البحر ، متطلعة لإغراء امواجة التي لا تكف عن التكسر والعويل ، متاملة الضفاف وهي تحتضن ثلة من الاطفال يتقافزون بمرح غامر .. يخترق سمعي ضجيجهم الندي متسلقا سطوح الموجات .. كم كنت اتمنى...
أعلى