قصة قصيرة

تنبح الكلاب في شارعنا كل ليلة حتى ينقشع عنها الصباح، فيتحول نباحها الى عواء ثم يهجع… تتحرك في وسط الشارع بشيء من الحرية، تقترب نحو صناديق القمامة، ترتفع اليها بأقدامها الامامية، تنبشها بأفواهها، تلتقط ما يسد جوعها ولا تتجاوزه، تلعق فمها بلسانها، تدفع جسدها بأقدامها إلى الخلف وتهبط على الأرض...
(1) خمسون يوماً من المسير إلى الشمال، عابراً قرارة الأبنون، إلى سرير القطوسة، ومنه إلى جبال الهروج.. مائة عام أو يزيد، عن آخر رحلة لأسلافه نحو الشمال “حدريس أبنو كي ها” آخر عنقود سلالة المشواشيين الأقحاح، الذين عمَروا مدينة الماندو قبل آلاف السنين.. ليبي القسمات، دست الشمس لونها في ثنايا وجهه،...
اشتريتُ دجاجةً للعشاء وزيّنتُ الكيسَ ببعض الخضار ، ولا أدري لماذا وضعتُ علبةَ التبغ بين مواد الوجبة ، كنتُ عائداً أوَّلَ الليل على قدمين منهكتين بجثث الحجارة وحفر الطرقات ورغم ذلك تخيَّلتُ أشجاراً كثيرة لا وجود لها ولم أُفوِّتَ تحيَّةَ جارٍ قديم تصالحتُ معه بصعوبة بعد أعوام من تبادل مقاسات الشجب...
استيقظ من نومه منهكا …. أحس بألم غير محدد يغزو جسده ويتسرب الي كل خلية من خلاياه …. شعور بالغثيان وشعور بالعدم يطغي علي كل أحساسيه . قام بغسل وجهه بالماء البارد …أحس ببعض الانتعاش ..ألقي نظرة علي وجهه في المرآة ….يالله لقد مر الزمن سريعا الشعيرات البيضاء غزت شعره الاسود وتكاد تعلن أنتصارها...
بدأ النهار حارا، كنت ما زلت تحت تأثير السمفونية الأولى لبرامس، واختلط لدي السمع بالبصر؛ ولم أعد أدري هل أنا في النهار أم في سفر الحركات والسكونات المتناوبة التي تحيل اللحن إيقاعا ليتوقف العقل ويدع الروح وحدها تسبح في تموجات عظم المادة اللطيفة والغليظة. وكتدرج اللحن تدرج النهار. عند التاسعة...
بدور… بائعة التمر البصري، دكناء كحبة بن. كانت كالعشرين شتاءً.. أيهذا الجمال، يدوخ! حزن في عينيها البليلتين، كانكسار الغروب بعصائره المعتقه. حزنها جحيم سحيق، صفيق..، حزن يسير بمساء خلف أطراف عميقة السماء. كل شيء بين يديها يسكب في طيوب، يطاله رفات السفر، حليكة، والسفر مداه الذهول، يتمادى بنان شحذ...
قبل أن تظهر في حياتي كنت شخصا آخر.. أقرب ما أكون إلى حيوان أليف.. ليس لي من همّ إلاّ لقمة أسدّ بها رمقي، أو شربة ماء أطفئ بها عطشي، أو بعض أحلام صغيرة تافهة تراودني بين الحين والحين.. إذا نمت، نمت ملأ شواردي، وإذا نهضت، انطلقت انطلاقة الجنّ، لا ألوي إلاّ على اللّهو واللّعب والرّكض في حرّ الدنيا...
صحيحٌ أنّنا شعبٌ لا يقرأ إلّا الكفَّ والأبراج، لكنّ هناك نوعيّةً من الكتب تُطبع عشرات المرّات، ويُقبِل الناسُ على مطالعتها بنهمٍ شديد، ومن المؤكّد أنّ مؤلّفيها يجْنون الملايين. وعلى سبيل المثال نذكر من هذه العناين التي تلقى رواجًا كبيرًا: ــــ كيف تحمي نفسك من العين والحسد؟ ــــ كيف تحصلين على...
"القصيرات هُنّ المحظوظات": لطالما ردّدتْ أمّي عبارتَها ضاحكةً، وهي تَهمُّ لإحضارِ الطبليّة، كي تساعدني على بلوغِ الأماكن المرتفعة. كنتُ في الثالثة عشرة، وأحلمُ بدخول الجامعة للتخصُّصِ في التعليم. أورثتْني أمّي قِصرَ القامة، من دون الإيمان بحظّ القصيرات، وإن كانت تُدعِّم إيمانَها بالشواهد حتّى...
أحببتُها رغمًا عنّي. لا أجد وصفًا أدقَّ للتجربة التي عشتُها مع حوّاء، السيّدةِ الثلاثينيّةِ ذاتِ الصوت الدافئ والعينين العسليّتين. حدث هذا قبل عقدين من الزمن. كنتُ حينها على وشك الزواج، وليس في نيّتي تخريبُ ما بنيتُه خلال عامين. لكنْ، كيف تُقْنع قلبَكَ بألّا يدقَّ لرؤية امرأةٍ تجلّتْ فيها كلُّ...
أغتصب بياض الورق، ولا أعرف ذنبه، إحساس لا يُوصف، كأني أعيش في دوامة لا نهاية لها، أعرف فقط بدايتها وما تَبقىَّ يعلم به فقط الغائب الذي يبعث لي أشعة الشمس. تحضنني و تجعل الضوء يسكن أحشائي، بعد ما ألبسني الحزن معطفه الأسود وأسكنني في دواليب أزقته المظلمة... لا، ليس هو من أجبرني على ارتداء هذا...
كل مساء، يجلس عند حافة نهر ديترويت يتأمل الأفق المتواري خلف البنايات الشاهقة في مدينة ويندزور الكندية، يسند ظهره لصخرة ضخمة بركت بتهدّل عند الشاطئ المغطى بعباءة طحلبية ممزّقة. في الهزيع الأخير من الليل يدس خيوط أنظاره المتعبة في رماد النهر المحتفل بالأضواء والنجوم المتصارعة في تدوين مشهد الحضور...
سقطت الملعقة من يده، كسّرت صمتا انسكب على المائدة، قام معتذرا، خرج إلى الشرفة ليحلق بشروده وييمّم وجهه شطر ضفاف الحنين..! بحسِّ رفيقة العمر أدركتُ أن حلّ خيط العقدة متعلق بين أصابعي، كلمة الفصل مربوطة بلساني،والخلاص من - الوجوم - الذي حلّ منذ بداية العام ضيفا ثقيلا، دون سابق دعوة أحال دفء...
عندما فتحت الخطاب في حمّام المدرسات، لم تجد غير جملة واحدة فقط. - آنسة هالة.. أنت لا تدرين كم أنت جميلة! انتفض جسدها كله وأسرع قلبها يدق طبوله، ونظراتها تمسح الجدران والنوافذ والسقف والأرضية فقد يكون هناك من يرقبها، أسرعت يداها إلى الجيبة والبلوزة تتحسسهما لتتأكد إنها ليست عارية. ظل بدنها يرتعد...
من الممرِّ المعتم الضيق ينسلُّون فرادى. خطاهم على الأرض رقيقةٌ لا تُحَس، كأنَّما عاهدوا الأرضَ ألَّا تبوحَ بوقعِ أقدامِهم. يرفلون في ثيابٍ فضفاضة. يحدقون في الأفق البعيد. لم تند عنهم كلمة. وأنا حين لمحتهم ارتعبت. خلت أنني أهذى، بينما قلبي يضرب بعنف متسارع جريد ضلوعي. العتمة غلَّابة. يضمر الضوء...
أعلى