قصة قصيرة

سقطت الملعقة من يده، كسّرت صمتا انسكب على المائدة، قام معتذرا، خرج إلى الشرفة ليحلق بشروده وييمّم وجهه شطر ضفاف الحنين..! بحسِّ رفيقة العمر أدركتُ أن حلّ خيط العقدة متعلق بين أصابعي، كلمة الفصل مربوطة بلساني،والخلاص من - الوجوم - الذي حلّ منذ بداية العام ضيفا ثقيلا، دون سابق دعوة أحال دفء...
عندما فتحت الخطاب في حمّام المدرسات، لم تجد غير جملة واحدة فقط. - آنسة هالة.. أنت لا تدرين كم أنت جميلة! انتفض جسدها كله وأسرع قلبها يدق طبوله، ونظراتها تمسح الجدران والنوافذ والسقف والأرضية فقد يكون هناك من يرقبها، أسرعت يداها إلى الجيبة والبلوزة تتحسسهما لتتأكد إنها ليست عارية. ظل بدنها يرتعد...
من الممرِّ المعتم الضيق ينسلُّون فرادى. خطاهم على الأرض رقيقةٌ لا تُحَس، كأنَّما عاهدوا الأرضَ ألَّا تبوحَ بوقعِ أقدامِهم. يرفلون في ثيابٍ فضفاضة. يحدقون في الأفق البعيد. لم تند عنهم كلمة. وأنا حين لمحتهم ارتعبت. خلت أنني أهذى، بينما قلبي يضرب بعنف متسارع جريد ضلوعي. العتمة غلَّابة. يضمر الضوء...
في كلّ مرّةٍ تحكي صديقتي عن فتاها الوسيم، أتلهّفُ إلى رؤيته. سيرتُه مثيرة للشغف والفضول والحسد والغيرة. صديقتي الممتلئة قصيرةُ القامة، تشبهُ ناسكًا منتفخَ الأوداج، تسير الهوينى بين صفوف المدرج. تزهو بحبيبها الذي تخبّئ صورتَه بين صفحات الكتب، ولا تسمح لأيّ منّا بالتعرّف إلى ملامحه. أتلصّص على...
يوم أخبرتِني أنّكِ رأيتني في حلمكِ، أعاتبكِ على ابتعادِكِ القسريّ، عزمتُ على رؤيتكِ. وجدتُها فكرةً رائقةً أن أحلمَ بكِ كلّ يوم. ولُمتُ نفسي لغفلتي عن أحد أعظم فنون الاستحضار وأيسرِها. لكنّ "أيسر" السبل لم يكن يسيرًا جدًّا، لأنّ الأحلام تَحْضُرنا بمزاجها، وتتلو علينا نفسها حين تطمئنّ إلى...
- المزيد من الثلج رجاءً. قلتُ للنادلة وأنا أراقب مؤخّرتها تتمايل صعودًا ونزولًا. خطر في بالي أنّ عملها في هذا المكان ــــ وفي هذه المدينة البائسة ــــ قد يكون، بشكلٍ ما، نتيجةً للحرب اللعينة. وقد تكون مهجَّرةً مع أهلها من منطقةٍ أكثر سخونةً من مؤخّرتها نفسها. والأجدى بي أن أفكّر قليلًا،...
زكية خيرهم الشنقيطي وأخيرا أخيرا جاء فصل الشتاء بلياليه الطويلة السوداء وبفجره النائم الكسول... بهدوئه ... بسكونه .... ببرده القارس... بنهاره القصير. وحبيبات الثلج تتطاير كالغبار، تحمل رائحة الثلج و تدخل أنفي، فأحس بأوجاع في كل مكان في جسدي. أحس بعطش إلى الشمس و بشوق إلى الحرارة. فصل طويل يتسرب...
* من أدب المقاومة العراقية “لولا وجود الاحتلال لكنا شعراء حب من الدرجة الأولى أو شعراء طبيعة” سميح قاسم أخرجُ أم أبقى، أخرجُ الآن أم أُؤجل الخروج إلى المساءِ، إلى صباح يومِ غدٍ، أو بعد غدٍ. سأغادرُ الآن وأكسر القاعدة وليحصل ما يحصل، قرارُ خروجي من البيتِ صار مرهوناً بوضع الشوارعِ.. سأخرجُ...
جمال العتابي وهو يعيد ترتيب كتبه وينفض عنها تراب مسكنه المهجور لسنوات، ويوزعها على رفوف خشبية داكنة اللون شغلت حيزا واسعا من جدران صالة الاستقبال في مسكنه الجديد، فجأة وقع بصره على دفتر بغلاف اسود سميك تأطرت حاشيته بورق لاصق محكم لايشبه الدفاتر الاخرى بقياساتها المعروفة، يوحي منظره بحرص متناه،...
رشا فاضل يطل المساء الكئيب على شرفتي مشرّبا بحنين غامض ، أتكوّم لصق نافذتي الاثيرة المطلة بفضول دائم على نشاط البحر ، متطلعة لإغراء امواجة التي لا تكف عن التكسر والعويل ، متاملة الضفاف وهي تحتضن ثلة من الاطفال يتقافزون بمرح غامر .. يخترق سمعي ضجيجهم الندي متسلقا سطوح الموجات .. كم كنت اتمنى...
اعتاد أبو صابر أن يستظلّ وأصدقاءه بظلّ شجيرة الصّبار؛ لارتشاف القهوة ومتابعة آخر الأخبار . كانت شمس ذلك الصّباح كاوية، حين جلس ينتظر أصدقاءه، فلم يأتوا. لفت انتباهه أنّ ألواح الصّبار قد احتلت مساحة واسعة من حاكورة الدّار، إضافة للجدار . . أحضر الفأس، وبدأ بقطع الألواح المتدليّة بشكل عشوائيّ؛...
عامر هشام لقد تعوّد أن يفتح الستارة كلّ صباح عند نهوضه من النوم ويلقي نظرة على الشارع الذي يسكن والجيران والسيارات التي تملأ الزقاق.. أدرك أنه في عطلة اليوم.. فقد صرّحت الحكومة بذلك قبل أكثر من شهر عندما أعلن عن يوم زواج الأمير ابن ولي العهد البريطاني الرشيق الأنيق.. سماء مدينته صافية على غير...
فؤاد قنديل لست أدري على وجه الدقة السر في أني أحببت اليمام أكثر من الحمام، ربما بسبب صوتها الرخيم، وربما بسبب ندرتها وربما بسبب شعوري إنها مسكينة وهيابة تتجنب الزحام والعنف والصخب.. وربما لأني في الوقت ذاته أشعر بأنها تتمتع بدرجة كبيرة من الاعتزاز بالنفس كالهدهد.. لكن اليمامة تعتز بتواضع، وتسمو...
علي ان أقول في البدء _ لكي لا يفاجأ أحد بعد ذلك_ أنني لا أقوى على المشي، وانني، منذ الحادثة، اقضي معظم ساعات نهاري مشدودا الى هذا الكرسي المعدن ذي العجلتين الكبيرتين، جالسا في الظل الكثيف لشجرة الكالبتوس الضخمة_ التي زرعها جدي عند باب الدار _ أراقب السيارات والمارة بذهول مريض في طور النقاهة،...
انطلقوا في الهزيع الأخير من الليل بعد أن اعتلوا صهوات خيولهم، مخلـّفين وراءهم رائحة الموت ودخان الحرائق وعفن اللحم البشري ونباح الكلاب الضالة وهدير الطائرات وعويل سيارات الاسعاف. كانت الخيول تعدو خببا ً باديء الأمر وقد اخذت تجتازشريط الأرض الذي يفضي الي الصحراء، وما لبث ايقاع عدوها أن أخذ يتصاعد...
أعلى