قصة قصيرة

كانت الشمس لم تشرق بعد عندما صحا أبو الحسنين من نومه على نشيج زوجه المكبوت، فانقبضت نفسه وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله.‏ ثم قام عن سريره وجلس على حافة سريرها وراح يهدهدها بحنان.‏ قال وهي تبتلع دموعها:‏ ـ حلمت أنني أرضعه، فلما صحوت وجدت ثديي يدران لبناً وما وجدته...‏ وراحت تنشج بصوت عال.‏ تصنع...
(أخذني عائد ـ الزوج ـ من يدي وشدني خلفه وأوقفني أمام صفيحة القمامة وراح يخرج تلك الكتلة المؤلفة من أوراق وفوارغ وتفل وقهوة وورق (كلينكس) وبقايا تنظيف خضراوات وفاكهة كانت ورقة الجريدة التي مسحت بها زجاج نافذة الصالة مبلولة ومطوية وداخلة ضمن نسيج الكتلة وماذا في ذلك إن أمسح زجاج البيت بورق الجرائد...
كنا صغيرات …. وحين نتخاصم وينقطع حبل الود بيننا ، نلجأ إلى بعض الأناشيد التي تعبر عما كنا نود قوله لغريماتنا، بعيدا عن الاشتباكات ومعارك الضرب التي كانت تجمعنا بين الحين والآخر. تعلو حينها أصواتنا مرددات : حامْ حيمو [1] رَحْنا مْفارقينو لَعْديوَة المَصْفرة يعْطيها الطيارة من السْبيطر للميعارة...
تدور صينية القهوة على المعزين، ينتظر دوره، عن يمينه صالون النسوة الباكيات، تساءل وهو يتناول فنجان قهوته: لماذا لا يبكي الرجال مثل النساء؟ وهل البكاء صفة من صفات النساء وحدهن؟ وتخيل الرجال يبكون بالطريقة ذاتها التي تبكي بها النساء، فضحك في سره، ورشف قهوته متذكراً أن عليه أن يزور بيتين آخرين...
الحقيبة تتأبط متاعي، ساكنة بغير ملل قريبة من المدخل، وأنا في جلستي على آخر كرسي في الصالة وقريبا منها مازلت أتأبط انتظاري الممل! كان شوقي لرؤيته قبل الرحيل؛ لا تضاهيها سوى رغبتي في بقائه مستسلما لنوم عميق ،حتى يحين موعد سفري وارحل دون وداعه! الآن فقط،أدركت مدى تعلقي بهذا الرجل والذي قبل ثلاثة...
.1 الأحـــــد 1. سألته ما الـدين؟ قال: «حبّ الغيـر» 2. سألته ما الدين؟ قال: «حديث أنس في وحشة سفر لتبديد سَفَر الوحشة». 3. سألته ما الدين؟ قال: «بداية ووسط ونهاية؛ بدايته شُغل النفس بالنفس عن الناس، أوسطه شغل النفس بالنفس عن النفس، نهايته: شغل النفس بنفس النفس عن النفس». وفي حديث آخر: «هو أن...
في ساعة قديمة منسلخة من ظهيرة عفنة برطوبة شط العرب . دلفت إلى مقهى مكتظ برّواد ما بعد الغداء ، اغلبهم حمّالو بضائع ، صباغو أحذية وشحّاذون . حين طلبت الشاي، دخل رجل خمسيني بزيٍّ ريفي مغبرّ، جلس إلى جانبي وراح في شبه إغفاءة وهو يمسك بسيجارة غير مشتعلة بين أصابعه . قلت له : “الله بالخير” . شعرت...
في القرية المنسية منذ زمن سحيق داخل جيب من جيوب جبة التاريخ القديم. تقبع طاحونة اللبيب في ركن قصي على حواف الذكرى الداخلية لأهل القرية كعلامة الصانع التجارية. مثل رسم باهت بقطعة قماش بالية لم تفلح مساحيق الزمن في غسله من الوجود. ينتصب عمودها لأعلى ينفث الدخان في الهواء مثل محارب قديم يسترجع...
تناسلت البيوت العشوائية على هامش المدينة كالنار في الهشيم أو كالفِطر حين انحبس المطر لسنوات، ومسَّت المجاعة كل الأرجاء، هاجرت أفواج البدو من القرى إلى الحواضر، وضاقت المدن، على بساطتها، بسكانها وضيوفها المهاجرين. بُنيتْ على الهامش، هذه المنازل، في حارات لا يميز بعضها عن بعض سوى أسماء أزقة وأرقام...
وئام المددي يا رب.. ألهمني السرد! كنت لمدة طويلة متشرداً في دروب العالم الورقي، ذلك العالم اللامرئي الذي يغلف عالمك، تنتشر على بقاعه كل دويلات الخيال التي شيدها المبدعون، بمدنها وأزقتها وبيوتاتها، تسعى على بطاحها المترامية كل الشخصيات التي نسجها الكتاب، ورسمها الفنانون، وتغنى بها الموسيقيون...
كنت أقرأ رسائل الكاتب الفرنسي إكزبيري واستوقفتني جملة بعينها: الطيران شكل من أشكال الحرب. طويت الكتاب وسجلت تلك الجملة في مفكرتي. الحادية عشر صباحا. برد يناير. الأرض مبللة بمطر الليل. منذ أكثر من أسبوع وهي لا تمطر إلا بالليل، هي الآن لا تمطر. إنه الصباح. الحادية عشر صباحا. ليس من عادتي أن أطيل...
في النهاية، ماذا سأخسر؟ لا شيء تبقى لي أخسره، لذلك قررت أن أنسى كل ما أفشت جارتي من أسرار عن زوجتي، لأني أعلم أن منازل هذا الحي المبنية بالكرتون تجعل الأخبار متداولة بين الناس مباشرة دون الحاجة إلى نمام أو مخبر أو ناشر أسرار. قالت أن زوجتي تخونني في الساعة الواحدة ليلا، تلتقي بشاب من أبناء...
تكاد تذبل الأوراق في الحديقة. لا وقت لديها لكي تفرج عن موتها الوشيك. وقد تترك لي قسوة اكتشاف ذلك إذا مانتبهت....إذا ما كان لدي وقت للإنتباه. إذا لا يكفي الشغف بالشيء لكي يحيى، لذلك تضيع منا الأشياء عادة وتموت الحديقة . إذا ما استطاعت ! لا افترض لها أنها لن تقوى على ذلك، فالنبتة كإخضرار...
يكثر في كتابات النقاد التنظيرية في هذه الأيام تردد كلمة المصطلح، وأنا اعترف بأن ما يقال عن هذه الكلمة يتجاوز فهمي في أحيان كثيرة، ولست أدري إذا كان الباحثون فيها قد تطرقوا إلى أثر البيئة وأثر نوعية الوسط الاجتماعي التي يستعمل المصطلح فيها على فهم هذه الكلمة، ومهما يكن، فإني سأدلي بدلوي بين...
نظرت الموظفة إليَّ باستغراب لأن الاسم بدا لها غريباً بالنسبة إلى فتاة لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها . قالت مؤكدة: الحادة أليس كذلك ؟؟ احمرت وجنتاي العذروتان وقلت بصوت مزيج بين حزن غائر وانكسارحاضر:أجل يا سيدتيالحادة. ثم رحت استذكر كل ما سرد على مسمعي حتى ثقّله من دراما عائلتي التي قد يجد فيها...
أعلى