قصة قصيرة

بين أحضان خريفها اتكأ، وعلى شواطئها المنسية، ورمالها الدافئة حط رحاله، وضوء القمر يتوارى خجلاً من ضعف رؤياه، حدقت به ملياً تضخمت على جسده السنين، فناء تحت بصماتها مهموماً كثير الأعمال، متعدد المسؤوليات، لكنه صلب الإرادة، قوي العزيمة، واثق الخطوة، ذكي الملامح، قاسمته الأيام بعض شبابه واحتفظ...
عندما دارت عينا هدى الزجاجيتان لتنظرا لي شعرت بأن ساقيّ ترتجفان، وأنني سأفقد وعيي بسهولة. في العام 1986 كنت طبيب امتياز مذعورًا مرتبكًا يمارس عمله في مستشفى طنطا الجامعي، وكانت هناك مقولة إنجليزية قاسية يطلقها علينا الأطباء المقيمون متندرين: “طبيب الامتياز ظل أبيض يمشي في الظلام حاملاً أكياس...
كلما لاح بوجهه القمحي المليء بالبثور ، المتدلي من قامة سامقة ، منثنية كنخلة مائلة إلا ويصرخ أطفال الحي : ـ وا بونعالة!!... وا بونعالة\!! يفتح بونعالة الباب القصديري الكبير الذي يتوسط السور ليدخل أو يخرج، فترمقه إحدى المرأتين من نافذة سفلي أو فوقي الدار، المكونة من طابقين قبالة السور...
1ـ الخمرة ابنة كلب يلعب بذيله. اخترعها رجل ليتخلص من وعيه اللصيق بذاته، واخترعها آخر ليقوّم اعوجاجا ما في خلقة دماغه. بها أغسل أعماقي كلما أحسست بتلوث الأعماق. قد لا أتذكر الكأس الأولى لهذا المساء الكئيب ولا كم من كأس ومن وجه وكلمات ومن مرايا وسجائر وسباب فاجر... المهم إني سكران كما يجب، أحاول...
أن تحب الإنسانية، أسهل من أن تحب جارك! إريك هوفر كاتب وفيلسوف أميركي كنت سعيداً حد الدهشة، في الغرفة الحقيرة الضيقة التي اخترتها سكناً للمشاركة مع فينود الهندي المالايالي بمنطقة العباسية القديمة في محافظة الفروانية، بعد أن سحرني إعلانه البسيط والمرصف بعناية في موقع إنديانز إن كويت (هنود في...
كانت المدينة الصغيرة تنهض متثاقلة من سباتها العميق فقد هل الصباح وإن حجبت خيوطه الفضية جلابيب الضباب الرمادي الذي تساقط على الأزقة فأخفى العمال والتجار والطلبة وهم يتدافعون إلى حقول عملهم. وكان عسيرا على الزائي أن يتبين ذلك الرجل السائر بخطى وثيدة متثاقلة فقد كان أحمد عبد العزيز يبدو من بعيد...
لم يكن أبي قد مات بعد، عندما خمنت أنه لن يلبث طويلا بيننا، وأن من واجبي أن أبحث عن عمل ما.. كنت يوم ذاك في العشرين من عمري، وكان أبي جسما منهكا ممددا على الفراش، يقلب عينيه فينا كل مساء، ثم يشد على يدي وهو يتمتم : - كنت أريد لك حياة أحسن من حياتي أنا... ثم مات أبي، كان يقلب عينيه فينا ذات مساء،...
إني أكاد لا أصدق، يخيل إلي أن لا تغيير طرأ على حياتي كل شيء من حولي وكل الأصوات التي تبلغ سمعي تؤكد لي أنني لم أفارق هذه الغرفة التي أتمدد فيها الآن.. غرفة ضيقة ذات أثاث حقير، سريران يكادان يلامسان الأرض، وثياب مكدسة في إحدى الزوايا، وإلى جانبها مجمر وبراد تحيط به ثلاثة كؤوس من غير صينية.. ارفع...
وحينما تختفي قوة الإنسان الجثمانية، لا يجد بدا من أن يستعيض عنها بقوة أخرى، وخصوصا إذا كانت تلك القوة الجثمانية قد صرفت طاقتها في أسباب العراك والخصام التي كانت تذهب في كثير من الأحيان إلى حد العناد والتحدي والاعتداء أيضا، أما القوة التي استعاض بها هذا الشيخ الطاعن في السن قوته الماضية، فكانت...
قالت نفيسة لزوجها العياشي: "إن شيئا لم يعد ينقصها حتى تشقى لأجل المزيد من المال. إن القرية كلهَا تحسدنا على دارنا التي تفوق حتى ديار المدينة بما تزخر به من أثاث ورياش... أما المزارع فما أحسبك تستطيع أن تحافظ عليها لو أنك استزدت منها. أفلا يغنيك كل هذا يا عياشي عن الاستمرار في تعريض حياتك وصحتك...
كان شتاء يدلف إلى أيامه الأخيرة، والأمطار قد خفت وطأتها، والرياح تعزف لحنا حزينا، وسحب دكناء تغلف السماء، والطبيعة رغم الصمت الذي يلفها، يوحي إليك مرآها أنها تتأهب لاستقبال موسم جديد. لم يكن المساء قد حل عندما كنت واقفا في حديقة البيت مستندا إلى فرع شجرة توت.. ولم يكن في البيت إلا ((أم عبده))...
قريبا موعدنا. الساعة الثانية، أوج الضوء، قلب النهار. يموج شارع الحبيب بورقيبة بالألوان، صفو يوم شتائي ضاحك. تدعوني المحبة. أختار المكان الأجمل، الأكثر رفاهة، رغم فقري، هدية لحبيب عائد. بهو النزل المرخم الفسيح. المجالس متباعدة. الهدوء رائق. الجلاس قلّة. والفضاء الرحب لا تلوثه كثافة الدخان. جلسة...
يشهد الله، أن كلّ شيء قد تمّ في وضح النهار حينما كانت البنت عائدة من الحمّام، تحمل في يدها اليمنى ملابسها التي اتسخت، وتقود بيدها اليسرى أخاها الصغير الذي لا يعرف حتى الآن شيئاً من شرور هذه الدنيا، فيمضي معها بكل براءة وهو يثرثر في وداعة واطمئنان. والرجل – يشهد الله – يمضي خلفهما، خلف...
ولد فارس المواز بغير رأس، فبكت أمّه، وشهق الطبيب مذعورًا، والتصق أبوه بالحائط خجلاً، وتشتَّتت الممرضات في أروقة المستشفى. ولم يمت فارس كما توقع الأطباء، وعاش حياة طويلة، لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم ولا يتذمر ولا يشتغل. فحسده كثيرون من الناس، وقالوا عليه إنّه ربح أكثر مما خسر. ولم يكفّ فارس عن...
سكنت الحركة . الحارة ترقد هادئة مستكينة كطفل شقى مشاغب هده التعب فاستسلم للنوم . الهواء مشبع برطوبة ثقيلة لزجة . الليل راسخ صامت . صمت تعمقه قطرات الماء المتساقطة من صنبور الحمام , ويخدشه نباح كلب من بعيد , وشخير الجار المزعج . فى نافذة مقابلة , الجارة بقميصها الشفاف الباهت الحمرة ونهديها...
أعلى