قصة قصيرة

كان محمد المحمودي رجلاً هرمًا، يعيش وحيدًا في بيت صغير، فلا زوجة له ولا ولد، ولم يكن لديه ما يفعله إثر إحالته إلى التقاعد. فما إن يقبل الصباح حتى يغادر البيت، ويمشي في الشوارع وئيد الخطى، ويتوقف لحظات ليشتري جريدته المفضلة، ثم يستأنف مشيه المتباطئ متجهًا إلى مقهى لا يفصله عن الشارع الصاخب إلاّ...
كعادته الجديدة يجفف شعري لكن يديه اليوم تمتد إلى عنقى تتحسس العروق فيغلبنى الضحك وحينما تصل يداه المتسحبتان إلى أذنى وتحاصران وجهي، أتخلص منهما، وأجري من أمامه بين سذاجة ضحكاتى وأنفاسي اللاهثة. تغيرت معاملته! أحيانا يطلب منى أن أجلس قبالته، فأستكين فى الكرسي الذى يشير إليه، يمتد الصمت وهو محدق...
المتن لم يكن ضروريا أن نجهش بالبكاء، غير أن دموعنا انهمرت، وكان الجو خانقاً فتعرقنا، وصار تلامس جسدينا مزعجاً، فابتعدنا عن بعضنا خطوتين، ثم أربع خطوات، ثم لم نعد نلتقي أبدا. ومثلما افترقنا بسبب الحر، التقينا في صباح صيفي ساخن، ولم يكن ضرورياً أن نجهش بالبكاء لأننا لم نلتق كل السنوات التي مرت،...
لم أنتبه لها حين جلست بمحاذاتي لانني كنت منغمسا في قرأة كتاب الا ان عطرها النفاذ اخترق كياني رويدا رويدا وأذاب ركام الجليد الذي غمر روحي منذ سنين خلت لم تكن محض امرأة بل قبيلة من نساء صهرت في امرأة واحدة بشعر أسود منسدل على الكتفين وكتفها لصق كتفي يحرض حواسي على التمرد والانفلات , وبما انني رجل...
1- يبدأ السيناريو إذا صفعتك المرآة، وفضحت حقيقتك بأنك منافق وأنك إذ تطالب بإلغاء الاحتلال فإنك أيضًا لا تخلو من أطماع استعمارية، جعلتك تفيض عن حدود جسدك لتحتلّ مناطق مجاورة في المحيط.. كما أنك إذ توهم نفسك بالارتقاء عن غرائزك سلّمت نفسك لنهم الشوكولا حتى ازددت مقاساً وخمسة كيلو غرامات أو...
ما أروع البُكاء بين أحضان رجُلٍ حانٍ!! لأوّل مرّة أعرف مِنَ الحزن لَذَّةً ، وأتذوَّق منه متعةً ونشوة. وأنا الّتي تعوّدَتْني الآلام موطنًا وألفَتْنِي الهموم مسكنًا، ولم تعرفْ دموعي يومًا مَنْ يُجفّفها، وجدتُ صدرَه الدّافئ يضيء لي أملًا بعُمرٍ جديد. لا أذكرُ بالضّبط كيف ألقيْتُ برأسي فوق صدره...
الموج عجوز ثرثار. والدّنيا الّتي كانت جميلة قبل أنْ يتركها جلال ويذهب تبدو كقمر أزرق، والنّاس مُغبرُّون ومدمنون على الخلل والانطفاء . لذلك لا يكفّ النّمل الأسود عن حفر خنادقه في أجسادهم. تتوقّف عند غبار النّاس وتفاجِىء تلقائيّة تسلّله لقاموس عشقها. لا يوجد مفردات كثيرة تدلّهت بها لهذا الحدّ...
مساء كلّ خميس لي موعد مع أجواء تل - أبيب أحرصُ ألاّ يفوتني. أسلك الشوارع ذاتها من يافا إلى مركز الفنون في مركز المدينة، أقود السيّارة وأمارس أمومتي العصريّة، يبدأ الحديث مع ابني سلسا جميلا وغالبا ما ينزلق إلى نقاش حادّ فأعود لأمارس أمومة أمّي. سألته عن يومه، قال إنّه وفي طريق عودته من المدرسة...
قائمة جدّتي مريم: تهمسُ لعنزتها السوداء “الشانية” فيسرعُ الفجرُ إلى قلبها. عمّتي فطيم: بعينيْن مطفأتيْن وحروف عراقيّة رشيقة ترسمُ شارع الرشيد الّذي لم تزره. عمّتي عيشة: تُعيدُ سرد مباراة فاشلة فيصدّقُ الجميع أنّها ملحمة جلجاميش. عمّتي نزهة: تملأ جرّتها ماء وترمي في البئر حجريْن يغرّدان. عمّتي...
كانت الفتاة الجميلة تتنقل داخل البص على مسئولية جسد خفيف مثل فراشة، كانت لا تبدو كأنها تمشي على قدمين مثل البشر، بل تتخلل الأشياء أثناء عبورها مثل سحابة، مثل غمامة عطر، وكانت رائحة جسدها ، خليط من عبق الزهور ورائحة الارض: رائحة الحياة. كنا نجلس داخل البص كأننا في رحلة إلى عوالم اخرى، إلى الفضاء...
لم يكن مقصدي المكان الذي استطاعت قواي أن توصلني إليه، والذي يقع على بعد شارعين فقط من منزلي؛ إنما كنتُ أنوي التسول من المخبز البلدي في الشارع المجاور. حرّكني الجوع، بل أقعدني عن كل فعل حتى النوم لم أستطعه. تحاملتُ على نفسي ودفعت بها للخروج. كنتُ أحلم بقطعة خبز حاف واحدة فقط، تعودت أن أتسوّل عمال...
لمحنا جارنا يطلّ من شرفة بيته في الطابق السابع من المبنى الضخم الذي نسكن في أقبيته، فأغرانا ما نعرفه عنه بأن نلوّح له بأيدينا مطلقين الصيحــات التي تناديه وترجوه أن يهبــــــط من أعلى إلـــى أسفل لأمر مهمّ للغاية لا يحتمل التأجيـل، ولم ندهش عندما سارع إلى تلبية ندائنا، وقلنا له : ماذا تفعل وحدك...
جارتنا التي كنت أحبها قديماً .. أدس لها الرسائل في كرسي المصعد .. أرقب وجنتيها المحمرتين وضفائرها المرتعشة وبسمتها الخجلى ، وهي تختلس النظر إلي ظلي المختبئ خلف الزجاج المصنفر لباب مسكننا . وكنت أعدو طائراً إلى الداخل بينما صوت جرس باب مسكنها الحاد- وهي تضغط على زره بلا توقف- يغرد في أذني ...
وأنا أتصفح جرائد الصباح، أثارت انتباهي صورةٌ صغيرة أسفل الصفحة. كانت الصورة تميل إلى سواد طافح، والكلمات تحتها مكتوبة بحروف سوداء بارزة. قرأت: ” انتقل إلى عفو الله المرحوم (حسن ق) إثر حادثة قطار مفجعة، وأمام هذا المصاب الجلل، نطلب له المغفرة، ولأهله وأصدقائه، الصبر والسلوان…” كانت الصورة صورتي،...
الإهـداء : إلى الصديـق القاص أحمد بوزفـور للذكرى، ذكرى أيام رعب وعسف ورياح عاصفة من أيـام الصحراء. ترددت وصيته مثل الصدى وهو ينطقها، وتراءت لي صورته الشاحبة في اللحظة التي كان يحتضر، مشيرا إلى الأفق، مازلت أتذكر كيف علق عينيه في فضاء الغرفة وحدق بإمعان... كان واضحا أنه يتذكر، يسترجع الزمن الخائب...
أعلى