سرد

السّاعة تشير الى الواحدة صباحا عندما غادر الطّبيب الغرفة..مسحت دمعة ترقرقت من عينها و جلست على السّرير تتأمّل الجسم الممدّد أمامها في ضعف و قد أصابه الوهن..جسم أنهكه المرض و التهم فتّوته..ألقت بجسمها على جسمه البارد و احتضنته تزوّده بالدّفء و الحرارة..رسمت قبلة على شفتيه..اهتزّت لها كلّ خلايا...
هاهو يوم ثالث، لايسمع فيه صوت خطواتهاوهي تتهادى على الطريق ولايبصر قامتها تملىء عينيه، ربما هي طريحة الفراش لمرض الم بها، او ربما ،ربما تزوجت ، ففي هذه المناطق لا تترك فتاة في مثل عمرها وجمالها دون زواج ، كل هذه الافكار مرت في خاطره وهو واقف في واجب الحراسة المكلف به ، لقد اثار اهتمامه بموعد...
الحرب دمرت منازلهم ، والموت سلب اغلى احبابهم وفرق عوائلهم ولكن الحب لم تنطفئ شعلته ، رغم الفرقة وترك الاحباب والابتعاد الى منفى غير اختياري لكنهم لم يقطعوا الامل في لقاء يجمعهم ويعيد الروح الى الجسد . جمعهم القدر مرة اخرى ولكن ليس في ضيعتهم ؛ منبع حبهم ولكن في صالة فندق بسيطة في ارض المهجر ، بعد...
بانتظار الاستفتاح بزبوني الأول، أملت رقبتي صوب صحن العدس الساخن حد الانحناء، لم أكن أقصد أن أدفن فيه رأسي كما يحلو للنعامة أن تفعل هربا من الخطر الداهم، بل هو البحث عن شيء من الدفء المفقود منذ مدة ليست بالقصيرة بعد أن طال الشتاء وتعدى حدوده المعتادة في كل ما يحيط بنا. وقبل أن أغمس أول لقمة فيه،...
الرياح عاتية.. الأمواج متلاطمة .. والسحب هدير شلال ثائر .. والسفينة تمخر عباب البحر .. تتلاطمها الامواج.. تميد .. وتتمايل يمينا وشمالا.. تترنح فتبدو كأنها ثملة... تهوي إلى السقوط بموجة .. وتستوي بأخرى.. ركابها مختلفو الأجناس والمشارب والأهداف.. كل إلى غايته يسعى.. في أحد قاعاتها هناك المخمورون...
كل ذلك الكلام الكثير الهاديء في نغماته وسكونه وقناعاته المشوب حيناً بتوترات مؤذية وبوجع مرّ حزين ما أقنعت نجم بقرار العودة .. فهموا ذلك رغم انه لم يفه بكلمة واحدة مريحة ... عرفوا ذلك من غمامة سوداء اجتاحت ملامح وجهه المتصلب فتأكد للجميع ولأخيه عزّت ان ذلك الوجه وبالعينين الكابيتين قد حسم رفض...
( قالتْ أنىّ يكونُ لي غلامٌ ولمْ يمسَسني بشرٌ ولمْ أكُ بغياً ) تتدحرج الشاحنة العسكرية بتثاقل على الطريق الترابي المُتعرج. الموبوء بالصخور المرمرية وعروق الأشجار البرية الجافة.. المُتخشبة. والانعطافات السريعة. والحفر المُفاجئة. تتدحرج مُتباطئة. وفي مُقدمتها علامة ناتئة تنبئ المُسافر العادي...
نهر من الدمع. أم نهر من الغضب؟ = من أيقظ الجرح في صدري وفي كتبي مرت قوافلكم في الليل فاختلجت = أوتار حزني في أعماق مغتربي غنيتكم زمناً كان الغناء به = يحلو، وتشتعل الدنيا على خطبي جاد الزمان ولم يبخل بنعمته = فشاب صوتي وجرحي بعد لم يشب وغاب شعري عن أعراس ساحتكم = لكن ناري لم تخمد ولم تغب •...
وقفت عند الإشارة الضوئية الحمراء التي تمثل رجلا واقفا يلتمع باللون الأحمر الفاقع، تنتظر أن تتغير الصورة ولونها لذلك الرجل السائر ذي اللون الأخضر المضيء، انتظرت ومعها عشرات من الناس، وقد كساهم الملل فأخذوا يتسربون بين السيارات السائرة التي علا نفيرها وازداد غضبها لتلك الوقاحة وذلك الاستهتار...
صباح «برد» جديد، جمع ناس يسير ببطء على طرق مغسولة بماء «مطر»، يتحادثون، يتضاحكون، يتهامسون.. دون ان يهتم احد ببرد واهم يجمد دماء العروق. صوت نار في مدفأة جدارية قديمة يؤجج برد الشتاء، وماء منزلق على حوائط متدلية خلف ابواب جسور معلقة بين سماء وارض. على غصن شجرة تحت مرأى البصر عصفور نشر جناحيه...
للمرّة السابعة أخذ (ثابت يقظان) يقرأ نبأَ وفاته المنشورَ على الصفحة الثقافيّة من صحيفة (الشعلة) الأسبوعيّة، وهو في حَيْرة من أمره. ماذا عليه أن يفعل الآن، وقد اتّضح له أنْ ليس هناك خطأ أو التباس في الاسم؟ عاد إلى سطور الخبر، وأخذ يقرأ: «تُوفّي إلى رحمة الله الأديبُ الكبير ثابت يقظان، وهو من...
كتب القصة بخط يده، ثم طلب مني أن أنشرها في الصحيفة التي أعمل بها. كان يراقب وجهي جيداً بعدما طلب مني هذا الطلب، شعرت بالحيرة لكنني لم أستطع أن أواري انفعالي، فقلت: أنت متأكد أنك عاوز تنشرها؟ كنت أشعر بالخجل من أن أحصل على قصته القصيرة وأنشرها هكذا بكل بساطة فـي الصحيـفـة التي أعمل بـها،...
أنا رأيته .. نعم أنا رأيته .. كان يتجول هنا ذلك الليل الناعم .. ذلك الليل النائم .. استيقظ فجأة على غير عادته .. نفض غبار النوم عن عينه, وطرد نعاس الخوف من جفنه. ها هو الآن يتجول بيننا سالكاً تلك الدروب الوعرة بشغف, متوارياً خلف التلال العميقة, حاشراً نفسه بين مدن الشهوة ذات الطرقات الزرقاء؛...
ـ هذا خط « عين القدس »؟ وأجاب الجابي بغير اكتراث : « نعم » واستمر يوزع التذاكر ويجبي الفرنكات من غير أن تنفرج عن أسنانه آهة حسرة على المساكين الذين يدفعون ثمن التذاكر بتلكو، وانغرز إدريس وسط الزحام في مؤخر الحافلة يتناكب مع الركاب الأنانيين الذين يفسحون المجال لضخامة أجسامهم لتتمدد بحركة توسعية،...
" إنك تتحسس طريق الذين عبروا قبلك. يالك من أحمق أيها الشقي، كم يلزمك من حيوات لمعرفة الطريق؟" كاتب سها البال عن ذكر اسمه. حين توقع مارشينا أنه منذور لشيء عظيم، رفع بصره إلى السماء ليتلمس وجهة الغروب، فهذا النذر يرتبط في ذهنه أو قواه النفسية بالأشعة الوردية على الساحل الباسكي ببياريتز...
أعلى