سرد

إنها الأصوات ثانية. تأتي مع ساعات الفجر الأولى. تدخل شقوق النوافذ والجدران والأبواب، لتبعد النعاس عني، وتجعلني منشغلا بالتفكير في مصدرها. ربما تمهد للجنون، وربما لأشياء كبرى لا اعرفها... انين خافت مزدحم بالنبرات، ومثقل بنغمة ناي حزين، يتصاعد حينا، ويخفت حينا آخر حسب سرعة الريح. يحمله الليل الذي...
الحفلة بدأت وبدأ الجو يتعطر معها.. سحابات مكتظة من العطور ترفعها إلى أعلى أصوات المغنيات والدفوف وتسافر في الجو الراقص.. وقفتِ العذراء وسط الساحة تؤدي أجمل الرقصات وعرفتُ بغريزتي التي لا تخطيء أنها البادئة فأخذتُ أحثها: دعي هذا الجسد الذي ينتج العطر يهتز أكثر.. رجي الأرض برقصك وفرغي عطرك على...
في حجرة الصف المتصدعة ، التصق تلاميذ السنة الخامسة بمقاعدهم كالمسامير وأعينهم مثبتة بالباب ، يترقبون قدومه . كانت ركبتا (واثق ) ترتجفان وتصطدمان يبعضهما ، يطبق على شفتيه بتوتر ، ويعقد ذراعيه أعلى صدره ، تجول في خاطره ذكرى الخيزران الرفيعة ، وبين علوها وهبوطها صوت يشبه أزيز النحلة ، وهى توشك على...
لطالما استطعت أن أحيد عن مرمى تعليقات امرأتي اللاذعة و أرد عليها بدبلوماسية مفرطة تلافيا لحصول احتقان تاريخي، قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه وأقصد بذلك إنه ربما تتوتر شعرة معاوية حتى تنقطع فأنتفض ثائرا بوجه امرأتي ولسانها السليط ،لذلك كان علي أن لا أفعل ذلك لكنني اضطررت لفعله فأنا في الحقيقة طوال...
الطريق يتلوى كالأفعى والشمس تختفي خلف سحابة سوداء، ورذاذ بسيط يتساقط. السيارة تنطلق مسرعة وهي تتلوى مع الطريق بألم. كنا اثنين(1) والصمت ثالثنا منذ أن غادرنا صنعاء بعد ظهر يوم كئيب تهطل الأمطار فيه منذ الصباح، وها هي السحب هنا فوق الطريق تنذر بالسيل. السيارة صغيرة وسريعة، والطريق طويل، والجبال...
-1- كان الجو صحواً إلا من غيوم متناثرة. وتبدو في الحي حركة غير عادية، وفي مرح صاخب، يتنقل بعض القرويين بين قصر شيخ العشيرة والأكواخ المنتشرة هنا وهناك. وتحت ظلال بعض الأشجار على ضفاف النهر الذي يشق القرية إلى نصفين، جلس بعض الضيوف من مختلف مدن اللواء (المحافظة)، يرافقهم بعض القرويين،...
أخي الحبيب ،، هل تسمعني؟ هل تقرأ كلماتي؟ وهل من جسرٍ لا يزال يربط بيننا بعد أن تقطعت بنا السبل؟ وهل من ساعي بريد يملك صلاحية المرور بين عالمينا المختلفين يحمل إليك رسالتي هذه؟ أخي الحبيب ،، ان كنت تسمعني، تقرأني، أو تشعر بي، أرجوك سامحني، فالقرار لم يكن بيدي هذه المرة، وأنا الذي ما أقدمت على شيء...
ها أنا وقد بلغت الخمسين.. قد عدت أفتش عنهم.. يوسف إدريس، محفوظ، توفيق الحكيم، مسرحيات شكسبير، عبرات المنفلوطي التي أبكتني مراهقاً و..و..و.. عدت إليهم جميعاً وتركت ما شغلني عنهم لمدة تزيد عن ثلاثين عاماً.. حتى قلمي الرصاص الذي لازمني ولم يفارقني طوال كل تلك السنين – أقل من ذلك- تركته وعدت إليهم...
لم أكن أؤمن بذلك القفص البلاستيكي الذي تروِّج له بعض صديقاتي في الخفاء أثناء جلساتنا في العصرية.. أو ذلك القيد الذهبي الذي ألمحه يومض في عينيّ أمي الشاردتين بي، وهي توشوش قريبتنا.. أو حتى بـ “الموت فوق دفاتر أشعار” أحدهم.. كل ما آمنت به يومها كان عبثًا بالنسبة لكل هؤلاء..! غابت الوشوشة لتصدح...
تقف أمام المرآة، تُسرّح شعرها الطويل حتى كاحليها، تتأمل جماله بفرح، تفلت منها تنهيدة، تجري إلى الصندوق الأثير لديها، تُخرج الرسائل المحفوظة بداخله، وما إن تلامس أصابعها الناعمة الصندوق حتى ينفتح لوحده، ويستحيل ما بداخله أشباحاً قبيحة تجرها إلى المرآة، تقص شعرها الجميل وتعبث بملامحها، تصرخ رعباً...
الجهة الخلفية: لتكن قريباً، أبعد بخطوتين، وكلما أمكن انظر عبر ثقب الجدار للحظة، لا نريد أكثر من هذا. ستحصل على ألف ومائتين، وربما مائة إضافية. شيء آخر؛ لا تحدث أحداً بما تراه عبر ثقب الجدار، أما الأفكار الأخرى فقلها لمن تريد، لكن احذر ذاك الأزرق في الزاوية، إنه وديع في معظم الأوقات لكن إذا...
عندما سافر بحراً من “مرسيليا” كان يفكر في نوعية الهدية التي ستعجب “الشيخ”.. ظل هذا هاجسه الدائم طوال رحلته الطويلة والمرهقة التي قضاها يتنقل بحراً وبراً وجواً من مرفأ إلى آخر ومن مطار إلى مطار حتى وصل إلى “أسمرة” على متن طائرة ” داكوتا” ثم براً إلى “مصوّع” التي أبحر منها إلى “المخا” بمركب شراعي...
في معنى "البؤس الفرح" "" "إنه القحط.. مرة أخرى ! وفي مواسم القحط تتغير الحياة والأشياء، وحتى البشر يتغيرون، وطباعهم تتغير، تتولد في النفوس أحزان تبدو غامضة أول الأمر، لكن لحظات الغضب، التي كثيرًا ما تتكرر، تفجّرها بسرعة، تجعلها معادية، جموحًا، ويمكن أن تأخذ أشكالاً لا حصر لها". "عبدالرحمن منيف،...
شيء واحد يثير تحفظي بشأن الحرب: إنها تُصدر الكثير من الأصوات والاهتزازات وصفق النوافذ والأبواب ما يقلقُ نومي ويجعله متقطعاً، وغير ذلك لم تكن لدي أية أسباب للتذمر أو الشكوى. لستُ حريصاً على أن يطول عمري، لذا فإن أزيز الصواريخ لا يرعبني، والطائرات الحربية التي تكسر حاجز الصوت فوق رأسي لا تزعجني،...
أعلى