سرد

صحوت على رنات تلفوني النقال، لم أفلح بالرد. كان رقما مرمزاً، فضولي صار شديداً لسماع الرسالة المتروكة في آلة التسجيل، أصابني شعور غريب. بدأت أخمن من يكون صاحب الرقم السري الذي حاول، جاءني صوته رقيقاً، حنوناً، دافئاً، فأصابني الذهول من نبرات صوته وهو يسأل عني وعن حالي، كان مرتبكاً وهو يخبرني...
ذلك الصبي الهادئ الخجول المتلعثم كان مملوكًا لشاهبندر التجار حين أهداه لكبير العسس في البلدة.. وحين عهد إليه الكبير بقيادة الدابة التي تحمل ابنته إلى كُتَّاب الشيخ، كان يؤكد ثقته العمياء.. والحقيقة أن أحدًا لم يختلف على ولائه وأمانته.. أشاد به الجميع وأثنوا على وداعته ودماثته * لكم كانت جميلة...
يتحتم على سكان القرى الأربعة، للتداوي، قطع مسافة معتبرة للوصول إلى أول طريق يقود إلى عيادة تاغويْت. طريق غير معبّد. التغطية الصحية منعدمة في منطقتهم! لا وجود لأي مركز استشفائي أو مصحة جوارية! في أحد أيام الخريف، وجب على عمر، الساكن بقرية أولاد عيّاش الجبلية، نقل زوجته الحامل إلى مستشفى تاغويْت...
وضع آخرَ لمساته على حذاء الزّبون، الذي يمدّ رِجله أمامه في ترفّع. "ها قد حصلتُ على ما أقتل به هذا الجوع اللعينَ، ولو إلى حين!".. قال في نفسه. رمى إليه الرّجل بالدرهم واختفى، دون حتى النظر إليه. تلقَّف الدرهمَ وقلبه بين يديه. أشرق وجهه الشّاحبُ بابتسامة خاطفة. وضع الدرهمَ داخل جيبه الوحيد غير...
كانت تكاد تتعثر في مشيتها، وهي تخرج من عند الطبيب النفسي بوصفة فيها أنواع المهدئات والمنومات ناحلة شاحبة شاردة لم تنم منذ أيام جربت مشروب النعناع، قرأت القرآن في ليال ومع ذلك لم يغمض لها جفن، قبل اليوم زارت شيخا للرقية قرأ عليها وأعطاها ماء تفل فيه أخذ منها مبلغا شربت الماء ولكنها لم تنم ولم...
إنها الأصوات ثانية. تأتي مع ساعات الفجر الأولى. تدخل شقوق النوافذ والجدران والأبواب، لتبعد النعاس عني، وتجعلني منشغلا بالتفكير في مصدرها. ربما تمهد للجنون، وربما لأشياء كبرى لا اعرفها... انين خافت مزدحم بالنبرات، ومثقل بنغمة ناي حزين، يتصاعد حينا، ويخفت حينا آخر حسب سرعة الريح. يحمله الليل الذي...
الحفلة بدأت وبدأ الجو يتعطر معها.. سحابات مكتظة من العطور ترفعها إلى أعلى أصوات المغنيات والدفوف وتسافر في الجو الراقص.. وقفتِ العذراء وسط الساحة تؤدي أجمل الرقصات وعرفتُ بغريزتي التي لا تخطيء أنها البادئة فأخذتُ أحثها: دعي هذا الجسد الذي ينتج العطر يهتز أكثر.. رجي الأرض برقصك وفرغي عطرك على...
في حجرة الصف المتصدعة ، التصق تلاميذ السنة الخامسة بمقاعدهم كالمسامير وأعينهم مثبتة بالباب ، يترقبون قدومه . كانت ركبتا (واثق ) ترتجفان وتصطدمان يبعضهما ، يطبق على شفتيه بتوتر ، ويعقد ذراعيه أعلى صدره ، تجول في خاطره ذكرى الخيزران الرفيعة ، وبين علوها وهبوطها صوت يشبه أزيز النحلة ، وهى توشك على...
لطالما استطعت أن أحيد عن مرمى تعليقات امرأتي اللاذعة و أرد عليها بدبلوماسية مفرطة تلافيا لحصول احتقان تاريخي، قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه وأقصد بذلك إنه ربما تتوتر شعرة معاوية حتى تنقطع فأنتفض ثائرا بوجه امرأتي ولسانها السليط ،لذلك كان علي أن لا أفعل ذلك لكنني اضطررت لفعله فأنا في الحقيقة طوال...
الطريق يتلوى كالأفعى والشمس تختفي خلف سحابة سوداء، ورذاذ بسيط يتساقط. السيارة تنطلق مسرعة وهي تتلوى مع الطريق بألم. كنا اثنين(1) والصمت ثالثنا منذ أن غادرنا صنعاء بعد ظهر يوم كئيب تهطل الأمطار فيه منذ الصباح، وها هي السحب هنا فوق الطريق تنذر بالسيل. السيارة صغيرة وسريعة، والطريق طويل، والجبال...
-1- كان الجو صحواً إلا من غيوم متناثرة. وتبدو في الحي حركة غير عادية، وفي مرح صاخب، يتنقل بعض القرويين بين قصر شيخ العشيرة والأكواخ المنتشرة هنا وهناك. وتحت ظلال بعض الأشجار على ضفاف النهر الذي يشق القرية إلى نصفين، جلس بعض الضيوف من مختلف مدن اللواء (المحافظة)، يرافقهم بعض القرويين،...
أخي الحبيب ،، هل تسمعني؟ هل تقرأ كلماتي؟ وهل من جسرٍ لا يزال يربط بيننا بعد أن تقطعت بنا السبل؟ وهل من ساعي بريد يملك صلاحية المرور بين عالمينا المختلفين يحمل إليك رسالتي هذه؟ أخي الحبيب ،، ان كنت تسمعني، تقرأني، أو تشعر بي، أرجوك سامحني، فالقرار لم يكن بيدي هذه المرة، وأنا الذي ما أقدمت على شيء...
ها أنا وقد بلغت الخمسين.. قد عدت أفتش عنهم.. يوسف إدريس، محفوظ، توفيق الحكيم، مسرحيات شكسبير، عبرات المنفلوطي التي أبكتني مراهقاً و..و..و.. عدت إليهم جميعاً وتركت ما شغلني عنهم لمدة تزيد عن ثلاثين عاماً.. حتى قلمي الرصاص الذي لازمني ولم يفارقني طوال كل تلك السنين – أقل من ذلك- تركته وعدت إليهم...
لم أكن أؤمن بذلك القفص البلاستيكي الذي تروِّج له بعض صديقاتي في الخفاء أثناء جلساتنا في العصرية.. أو ذلك القيد الذهبي الذي ألمحه يومض في عينيّ أمي الشاردتين بي، وهي توشوش قريبتنا.. أو حتى بـ “الموت فوق دفاتر أشعار” أحدهم.. كل ما آمنت به يومها كان عبثًا بالنسبة لكل هؤلاء..! غابت الوشوشة لتصدح...
أعلى