سرد

خبطت ميمونة ، شبيهة الليمونة ، بيدها المخضوبة علي صدرها الناهد ، ذلك ، حين برَقَ ، عند التقاء الأرض بالسماءِ ، برقٌ عبّاديُّ شال فجأةً وحطّ في أرخبيل ذلك الأصيل . خبطت ميمونة علي صدرها ثم شهقت ، حين هبّت نسمة ٌ طرية ٌ تتخلل المسام وتمكنّت ، بصعوبةٍ ، من سماع صوتها وهي تستغيث من نفسها إلي نفسها ...
قبيل الغروب بزهاء ساعتين ، أزمعت بثينة على ريّ مغروسات الحديقة الذّابلة الّتي لم تسقها الأمطار طيلة أسبوع في سيّد الفصول . شاطرها ابن خالها قيس الرّأي ملبيّــــــــــا و مطيعا فأسرع إلى مساعدتها في خفّة و رشاقة و كلّه أمل أن تستعيــــد هذه الحديقة المنزليّة نضارتـــــها و رونقها و بهجتها. هذا...
كنا في رحلة الى الروسيا. وقد قطعنا الحدود الى موسكو، قبل أن ينشأ الكرملين وقبل أن تولد موسكو. في موقع الكرملين كان يقوم قصر مؤلف من طبقتين، وعدد من البنايات المتجاورة، يسند أحدها الآخر، وكلها واقعة فوق جبل منيف. لا أعي كيف وصلنا الى هناك، فطريق الذهاب لم تكن واضحة كل الوضوح. ومعنى ذلك اننا صحونا...
مع اقتراب الشتاء، يترتب عليَّ البحث عن جحر آمن، مأوى ليلي لا يلفظني في وقت مبكر من المساء. وهذا مقهى داخلي، صغير لا يحتوي إلا على القليل من المقاعد المتسخة، في قلب الخشب العتيق. هذا المقهى، يبقى عادة آخر ملجأ في الليل بعد أن تكون مقاهي السوق الداخلية الأخرى قد سدت أبوابها على التوالي. قد تكون...
إلتقيته مصادفة في أحد مقاهي مدريد بعد افتراق دام عقوداً، وقد كنا زميلين في المدرسة المتوسطة، وحين رأيته في مقهى "كابو نيقرو" كان ساهماً واجماً لم يحس بوجودي رغم إنني وقفت أمامه لدقائق عدة لأتأكد من أنه هو صاحبي، فانتبه لوجودي أولاً، ثم بعد أن استجمع نفسه وعقله وأعمل ذاكرته انتبه لشخصي، فهبّ...
بخطوات منهكة وصدر لاهث يعود الى البيت بعد يوم حافل بالجهد والحركة . دقات قلبه المتسارعة تتزامن مع دقات عقارب الساعة وتسابقها حيناً آخر كدقات درويش على دفٍ ممزق . تساءل في حيرة عن سبب ذلك . فتذكر بعد مشقة بالغة بأنه في آخر ليالي السنة ؛ سنة الفين وثلاث في ولاية كولورادو! مدينة دينفر تشهد برداً...
ثمة عتمة.. على أرض الحوش الترابية القاحلة الجرداء تماما من خضرة، لا قاتمة، ولا خفيفة، بين بين. أما بعيدا، أعلى من ذرى جبال العاديات، وخلف مزق تلك السحب البيضاء القليلة المتفرقة، فالسماء زرقاء، صافية.. حانية حتى.. ومضيئة. مع ذلك، لا قمر هناك، ولا شمس. هكذا، بدا الوقت نهارا أو ليلا، أو نحو ذلك،...
وفارسٍ في غمارِ الموت منغمسٍ إذا تَألَّى على مكروهة صَدقا غَشِّيتُه وهو جأواءَ باسلةٍ عَضبا أصاب سواءَ الرأس فانفلقا بضربة لم تكن مني مُخالَسةً ولا تعجَّلتُها جُبنا ولا فَرقا فإن تكن عبرتي ظلت أكفكفها فربَّ قرن أمَلتُ الرَّأس والعنقا بلعاء بن قيس الكناني
في منتصف ظهيرة يوم آخر، طرق أحدهم باب شقة حامد عثمان، فتبدد حالا، على عتبة الصحو تلك، أحد أكثر أحلامه غرابة. وقد رأى نفسه، إذ ذاك، وهو يعثر داخل غرفته نفسها، على فرج امرأة، تعلوه عانة حديثة النمو، في الرف الأعلى، من دولاب الملابس، وقد تمّ لفّه، لسبب غير مفهوم، بملاءة بيضاء نظيفة. حمل حامد عثمان...
فى ليلة شتاء وجدها. ثالث شجرة قبل النفق وجدها. واحدة من أشجار " أم الشعور " القائمة على جسر النيل عند نهاية شارع القصر العينى. كان قد طفش. مرة أخرى طفش. جرب عربات القطار القديمة المركونة صدئة على القضبان لا تستعمل. و تحمل "العلق" التى كان الخفراء يوقظونه بها حتى هجر السكك الحديدية ، و جرب أسفل...
في الخامس و العشرين من شهر رمضان المعظّم و قبل غروب الشّمس بزهاء نصف ساعة تقريبا ، حمل جمال إلى جاره مهنّي كالعادة عشاءه و سحوره في سلّة رصّفتها زوجته خديجة بأشهى طعام و ألذّ غلال . و ما إن طرق باب منزله طرقا متواترا حتّى اكتشف أنّه لا حياة لمن تنادي فلأوّل مرّة لا يكون لطرقه صدى عند...
فى عطش السؤال ودهشة البحر صوت أول قال: رأيت وما رأيت، اذ كنت أقف فى غماء وغمر، فقلت لأسمى الأشياء قلت: أكون بحرا، وسماء، وارضا. فاذا بمتن الريح يحملنى الى الجهات الأربع. واذا بى أتكاثر جبالا ووديانا وجزائر وكان بى شئ من اطراف السماء محدق بالأرض والبحر كما الغمام، ينهمر لأبناء الحياة. وكان بى...
كيف يمكن ان يعثر المرء على سبب دوافعه للكتابة فيما يبدو وكأنه عملية أخرى من عمليات تنفس الهواء، اجتراع هواء الحرية بما يكفي لرفد الدهاء برغبة العيش، وانتفاضة الامل رغم المستحيلات؟ أيمكن ان نتجه بسؤالنا لأي كاتب في الوقت الذي يعرف فيه نفسه بكتابته اكثر من خطوط بصمات أصابعه، "نوع شعره ولون عينيه؟...
بعد أن انتهوا من صلاة الفجر، أوقد الحجاج ناراً صغيرة في قطعة الحديقة المحاذية للنهر، وتحلقوا حولها. كانوا يرتدون العمائم البيض، ولهم لحى طويلة متناثرة. يزدادون اقتراباً من النار، وينكمشون تحت جببهم الصوفية وسراويلهم الفضفاضة، مصغين لصوت ارتطام الموجات بصخور الشاطىء. أحياناً يلتفتون خلفهم إلى...
إصبع قدمها الكبير حافظ على استرخاء قدمها اليمنى، وهو ينقل ثقلها إلى كفّه. تربّع على الأرض، وارتدى نظّارة القراءة، وقرّب قدمها من عينيه متفحصا الإصبع الكبير. بدا لها، وهو يحرّك ساقها مثل ساحر يتخلى عن خفته ويقدم عرضا مميتا. قالت بأنها لا تريده أن ينغمس بخياله التعبدي إلى درجة الخجل، فالأمر لا...
أعلى