نشروا صورًا لجثة رجلٍ ملقاةٍ على الأرض ، وقالوا إنها له ، ارتجف قلبي وكاد أن يتوقف ، لا إنه ليس هو . إنها صورٌ مفبركة ، وتلك عادتُهم في صناعةِ الأكاذيب .
دققتُ في الصور ، إنها لرجلٍ بزي محارب ، وأنا أعرفُ أنه لا ينزلُ ميادينَ القتالِ ، ولا يحملُ السلاحَ ليشاركَ في العملياتِ ، فهو القائدُ...
(1)
طفل لم يتعود بعدُ المشيَ، ينهنه في مهد مهجور في وسط الشارع، كنت أطل عليه من فوق السطح.
لم يرني. كنت أطل عليه و أراه.
يبكي، يحسب أن لم يره أحد، و أراه يصرخ للضوء الأصفر في ليل الشارع، للبرد و للوحدة، ينشج، يهتز يكاد يذوب، ولم يره أحد يحسب، لكني كنت أراه.
من كان يراني و أنا أحسب أن لم يرني...
1
أجلس أمامه على الطاولة، في سطيحة على البحر. هو يشرب قهوته ويدخن، وينظر بعيدا في اتجاه الأفق: حيث يلتقي الماء بالسماء. يمسك السيجارة بيده اليمنى، وبها أيضا يمسك فنجان القهوة من عروته فيرشف رشفة، ثم يضع الفنجان على الطاولة.
بيده اليسري يمشط لحيته من أسفل، ويمسح شاربه. أنا أجلس أمامه على الطاولة...
زارني الصبي الذي كان يومًا يحمل اسمي، وقف أمامي على حين فجأة، واستند إلى جدار المكتبة صامتًا شاحب الوجه. لم أدر كيف تسلل إلى حجرة مكتبي، بينما كنت أقرأ أو أكتب بحثًا أو أترجم نصًا أو أحاول أن أعدّ كلمة أقولها في ندوة أو مؤتمر. لكنني وجدته أمامي ولم يكن هناك مفرّ من المواجهة. راح كل منا يتأمل...
لست أدري كيف كان موتهم، وكيف سيكون موتكم أنتم، أما موتي أنا فقد كان أعجوبة الأعاجيب··· فيلم خيالي من أفلام هيتشكوك، أو من أفلام العلم المستقبلي·كنا ثلاثة أطراف في العملية، الموت، أنا، الناس·الموت، يجلس عند رأسي حائرا فيما سيفعل، فقد نفذ أمرا اكتشف أنه نفذه قبل أوانه·أنا ممدود في نعش أخضر أحضروه...
قالت بنات العم: يا سلمى ،وإن
كان فقيرا معدما ؟ قالت : وإن..
- على الدص،لا يملك حتى ما ينقي به أسنانه.
- وإن.
- ومنحوس ،صكع. حاول أن "يحرق" خمس مرات ولم يفلح.
- وإن.
- أنت لا تعرفين أنه مطلق،سبق له أن تزوج وطلق،وله مع
مطلقته ثلاثة أطفال.
- وإن.
- وحش سادي. يضرب النساء بعنف،ويلتذ برؤية...
الغيابة الأولى: الحليب
أحسست بطعمه في فمي وأنا أستيقظ هذا الصباح. لم أتذكر الحلم، ولكن طعم الحليب كان في فمي، وسرعان ما عادت إلى ذاكرتي رائحته الفاغمة التي عرفتها في الطفولة وهي تتصاعد مع البخار إلى الأنف، وشرشرته وهو يهبط من الإبريق الأبيض إلى الكأس المزوقة في الصينية الصفراء، حتى لقد أحسست...
خيط الروح:
" إلى وحشتي أمضي
من وحشتي أعود
رفاقي في الرحلة خواطري
وخواطري تكفيني"
شاعر نسيت اسمه
ـــــــــــــــــــــــــــ
في طريقين اثنين، وفي نفس الوقت، كنت أمشي.
الطريق الأولى هي الشارع، وكنت أسير في وسْط الناس المسرعين المتزاحمين، وأنا أحاذر أن أصطدم بأحد. على يميني نهر...
"أيها النوم إنك تقتل يقظتنا."
وليم شكسبير
وضع رأسه على المخدة وحاول أن ينام. أنوار الغرفة تتناسل بعضها مع بعض لتكوّن له هالة من الضوء، لم يغمض عينيه، ظلتا معلقتين في السقف تقتفيان الذكرى الأليمة التي مرت به خلال أيام. فموت زوجته بعد إصابتها بمرض السرطان أحدث ثقبا في حياته، فأصبح جسده خاملا...
فيما أذكر كان إسمها عيشة. لم تكن تخرج إلى الزقاق مثل باقي نساء حي لابروال بميدلت. كنا صغارا وكنا نسترق النظر إليها من خلال نوافذ بيتها الشاسع الذي يعلن عن غنى في زمن ماض، بيت بسطح قرميدي أحمر وبنباتات في الشرفات والنوافذ. نقف أمام النوافذ ويصرخ من رآها. "رأيتها" كنا نراها من خلال الستائر الثقيلة...
الثقب الذي مررت منه كان أضيق من أن يلحظه أحد . كنت عاريا تمام العري ، كما ولدتني أمي منذ خمسة عقود ، ولما كنت ـ وقتها ـ أصغر من أن أعي كيف قطعوا حبل السرة فقد خمنت أن القابلة فعلت كل ذلك بدربة ، وربطت مكان القطع بإحكام ، وخيطت قطعا في البشرة بدقة شديدة ، ولقفتني لأمي وهي في سريرها بين اليقظة...
قبضت على التصريح العسكري ، وانطلقت نحو " فايد" . ورقة صغيرة أشعرتني بسعادة غامرة. تشعلقت فوق جرار زراعي متهالك أنزلني على الطريق. وجدتها تضع الطست النحاسي أمامها . جالسة تحت شجرة كافور عالية جدا. أغصانها تكاد تلامس السماء بزرقتها البعيدة.
إن كل شيء مختلف هنا . ابتسمت ، ووضعت في ابتساماتها مسرات...
الولد منير شقي ونحيف كنواة بلح أبريمي ، لكن دمه سكر ، وهو يقلد مشية مدرس العربي ، الذي يخب في بدلته الوحيدة الرمادية المثقوبة من الأكمام ، أو وهو يحاكي الأستاذ عبد السلام الذي يأتي من " العطوي " راكبا حماره الضعيف المضعضع . ضربه الناظر عشرة عصي عندما فك الحبل المربوط فيه الحمار بجذع شجرة ، ومضى...
العقل يصلّي في مكتبة المدينة
ينكبُّ على الأوراق
بخشوعٍ دنيويٍّ..
كان الوهم كحشرةٍ تمشي على (شريط موبيوس)* بلا نهاية، ظنّ أنّها لابثةٌ في الخارج ولمّا التفت رآها تسخر منه في الداخل. توّهم أنّ المكتبة هي ملجأه الأخير، وملاذه الآمن من هوج الجهلة وهوس القتلة.. استتر بالموسوعات واندسّ بين...
خرجت من مكتبي في كلية التجارة بالجامعة الجديدة متجهاً زحفاً نحو الحافلة عند البوابة الكبيرة. اسكن باب اليمن. كانت الشمس تشوي الرؤوس في الظهيرة.
من بعيد شاهدت الحافلة تمتلئ. حاولت أن أسّرع خطواتي المنهكة حتى أبلغ الحافلة قبل تحركها لكنها شبعت من الركاب قبل وصولي وبدأت الزحف بهدوء. وصلت مكان...