رأيتها من بعيد وهي ترش المياه على التراب الجاف أمام الكوخ المطل على النيل. كان الكوخ مصنوعاً من أعواد الغاب ولحاء الأشجار ومطلياً بطبقة جافة من الطين والتبن. أمامه باحة مسورة تظللها نباتات ست الحسن التي تسلقت الجدران وكست الكوخ كله بأزهارها البنفسجية الصغيرة ولمحت بين الأزهار طائر أبي الحناء...
السيد ليوندبرج مواطن سويدي، أجريت له منذ شهور في بريطانيا عملية جراحية جريئة وخطيرة، هي الأولى من نوعها في هذا البلد، ألا وهي زرع قلب ورئة من أحد المعطين في صدر السيد ليوندبرج مكان قلبه ورئته التالفين.
وقد أجريت هذه العملية للسيد ليوندبرج السويدي في بريطانيا، لا عن ضعف في كفاءة جراحي السويد...
ما لذَّةُ العيشِ إلّا صحبةُ الفقرا
هم السلاطينُ والساداتُ والأمرا
فاصحبهُم وتأدَّب في مجالسهِم
وخلِّ حظَّك مهما خلّفوكَ ورا
واستغنم الوقتَ واحضر دائماً معهم
واعلم بأن الرضى يخصُّ من حضرا
ولازِم الصمتَ إن سُئِلت فقُل
لا علم عندي وكُن بالجهلِ مستتِرا
ولا تر العيب إلّا فيكَ معتقِداً
عيباً بدا بيناً...
العز بالعلم لا جاه ولا مال
والفخر بالفضل لا علم ولا خال
فكل عز بغير العلم منقطع
وكل كثير بدون الفضل إقلال
وكل حال حلت والجهل رائدها
فإنها لذويها بئست الحال
معزّة الجهل إدبار ومنقصة
وعزّة العلم إسعاد وإقبال
يموت ذو الجهل لا ذكر ولا أثر
إن السراب ببطن البيد ختال
بكفى ذوى الجهل في الدارين منقصة...
ذكرنا مرة كيف أن عباس محمود العقاد كان يسخر من أدب الحزن واللطم والتفجّع في تلك الأيام، ويستنكره على أصدقائه وخصومه سيان، وقد تخصص في نقد ومطاردة المسكين مصطفى لطفي المنفلوطي صاحب «النظرات والعبرات» وشيخ البكّائين في تلك المرحلة. وكان العقّاد إذا أراد مهاجمة المنفلوطي قدّم لذلك باعتذارات كثيرة،...
إليها
إلى من يذوب الظلامُ المموَّج في خُصْلتَيْهَا
وينسكب الشفق العسْجديُّ على وجنتيها
إلى الكرمتيْنِ اللتينِ تشعّان من مبسميها
إلى النبع نبع الضّياء الحبِيس على مقلتيه
أقدّم أنشودةً من دمائي وروحي عليها
إليها خجولة
ونظرتُها البكرُ عذراءُ مثلَ أماني الطفولهْ
وأهدابُها واحةٌ للظّماءِ...
أكاد لا أصدق
يا أنت .. يا أنت إننى
أكاد لا أصدق
أهذه الحروف؟ … كلّ هذه الحروف
خطّها بنانك المنمّق
بنانك المنّغم المموسق
لا غرو ..
إنها تأتلق
و إنها تموج بالعبير تعبق
و إنها تجعلنى أحترق
أسطرها ..
بحر إشتياق موجه يصطفق
فى لجّه ..
أضيع راضيا وأغرق
وأعينى تغرورق
وينمحى الوجود عنها
غير صورة تحدّق...
حبيبة عمري .. تفشي الخبر
وذاع وعم .. القرى والحضر
وكنت أقمت .. عليه الحصونَ
وخبأتُه من فضولِ البشرْ
صنعت له من فؤادي المهاد
ووسدته كبدي المنفطر
ومن نور عيني نسجت الدثار
ووشيته بنفيس الدرر
ومن حوله كم شبكت الضلوع
فنام غريراً شريد الخطر
وقد كنت أعلمُ أن العيونَ
تقولُ الكثيرَ المثير الخطر
فعلمتها...
هناك حاجة لاستحضار المعطيات الحضارية المغيبة عن الحال العربي منذ عقود، خاصة حينما نرى هذا الخلط الحاصل عربياً بين الحداثة والحضارة، وبين معطيات هذه وتلك. وقد اختلط علينا الأمر، نحن في الخليج العربي بالأخص، إذ ظننا الحداثة عين الحضارة، فما عدنا نمايز بينهما، أو أننا صرنا نعوض عن النقص الحضاري...
مع أننا نبهر كثيرا بمبتكرات الحداثة المحيطة بنا والميسرة احتياجات حياتنا في هذا العصر، ونتخيل العصور الأولى عقيمة الابتكار، إلا أن نظرة أدق تبدي لنا أن ابتكارات هامةً نتجت في عصور ما قبل التاريخ المسجل، وأن ما استتبع من تقدم حثيث في المسيرة الإنسانية جاء تطويرا متنوعا ومتوسعا لتلك الابتكارات...
١..كتب جليل القيسي للمسرح، وكان الحوار هاجسَه الداخلي الملّح: أن يقيم اتصالاً مع أجناس وطبقات محبوسة معه في زورق، أو مسرح، أو عيادة طبية. كان مسكوناً بأصوات حوارية؛ وليست قصصه إلا توظيفاً لأصوات متحاورة تحت ضغط هاجس مجهول؛ تبوح بمكنونها لطبيب نفساني يتفهم وضعها الإنساني المفرط في حساسيته،...
عنّت وولّت كهذا الوقت أوقاتُ
جاءت كأسيادها، ماتت كما ماتوا
كانت لهم، مثلما كانوا لها فمضت
كما مضوا، لا هنا أضحت، ولاباتوا
فكيف أغربَ هذا الوقت مات وما
ولّى؟ وأسياده ماتوا ومافاتوا
في كل قصرٍ لعينيه وأعينهم
يموج عرسٌ وأعيادٌ وعاداتُ
* * *
لا الموت يمحو، لكي يرقى النقيض ولا
لأي حيٍّ مِن التمويت...