قصة قصيرة

مقدمة مجيدة السّباعي على ناصية حروف عبقة من مخمل بهي سرّج القاص الفذ (مصطفى الحاج حسين) قصصه القصيرة بعذوبة منقطعة النظير، سطر بها عصارة آلام مستضعفين كثر، سقوا كؤوس قدر مريرة أسقاما وخيبات وانكسارا. اختار القصة القصيرة فناً رائقا ممتعاً مسلّياً يتوجّه مباشرة للإنسان، يجوب مكامن الأسى...
تقديم: - محمد بن يوسف كرزون - * القلم كائن مشاغب في يد الكاتب والشاعر مصطفى الحاج حسين، فهو لا يدعُكَ تتركُ حرفاً يغيبُ عنكَ إنْ أنتَ أردْتَ أن تقرأ شيئاً ممّا يسيل من أجله. فالحروف تتقافز، والحركات تتراقص، وعلامات الترقيم تُزاحمُ بعضَها بعضاً، فتدخل النصّ ولا تتركه إلاّ بعدَ أن تمرّ...
مصطفى الحاج حسين. مجموعة قصص: (الإنزلاق) * الإنزلاق.. ما إن وصلت الحافلة، حتّى تدفقت جموع الركاب للصعود من كلا البابين، ثمّة عدد من الفتيان الأشقياء، تسلٌقوا أطرافها وتسلّلوا من نوافذها. اتخدت مكاني في المنتصف، وقد أمسكت يسراي الكرسي، المشغول بامرأة ورجلين، و كانت يمنايّ...
حِينَمَا اشْتَدَّ الْقَيْظُ ظُهْرًا فِي الثّلُثِ الْأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ جَوَانَ وَ امْتَنَعَتِ الْأَرْضُ عَنِ الْحَافِي وَ المُنْتَعِلِ تَمَدَّدَ الشَّابُّ يُوسُفُ عَلَى فِرَاشِهِ اللَّيِّنِ لاَهِثَ الأَنْفَاسِ يَلْتَمِسُ غَفْوَةً بَعْدَ الْغَدَاءِ تُنْسِيهِ الْحَرَّ الشَّدِيدَ وَ مَا...
زَوَالَ العَاشِرِ مِنْ شَهْرِ فِيفْرِي سنة 2019 أَدَّى عَبْدُ الْفَتَّاحِ زِيَارَةً إِلَى مَدْرَسَةِ غِيزِن الَّتِي دَرَّس فِيهَا ثَمَانيَ سَنَوَاتٍ انْتَهَتْ بِحُصُولِهِ عَلى التَّقَاعُدِ . وَ خِلاَلَ هَذِهِ الزِّيَارَةِ طَافَ فِي أَرْجَاءِ قِسْمِ التَّحْضيريِّ رِفْقَةَ مُدِيرِ الْمَدْرَسَةِ...
جال السائق الأفغاني بعينيه، يفتش بحيرة عمن يفّك له قطعة النقد فلم يجد في مقهى- النار البيضاء -سواي، لكنه تجاهلني لفراسة طبيعية فذة، أو لأنه وجدني أقرأ في كتابي الهزلي الذي وددت أن يبدد كآبة إفلاسي، فترفع عن مقاطعتي وظل مشدوهاً بجمال الفتاة الطاغي ذائباً يكاد يتلاشى، بينما كانت الفتاة تستثمر كل...
ماذا سأفعل له ليهشّ ويبشّ في وجهي .. ولو قليلاً . وكيف سأبعد حاجبيه المقطبين وكيف أفرّج الإنقباض من عضلات وجهه .. وأكسر الحدّة في نظراته .. كيف أحرّك الحروف في سكناته.. فأمنع التقاء الساكنين .. كيف أخفّف الشدّة فوق حروفه .. كيف أحذف أفعاله الآمرة والناهية والمعتلة والعليلة كيف أضع...
يعود متأخراً بعد أن يجنَّ الليل .. فإذا جنّ الليل ظهر جنونه واضطرم جنانه .. حارته ضيّقة وبيوتها متلاصقة متداخلة وكأنها بيت واحد .. سكانها يعرفون كل شيء عن بعضهم .. فإذا اختلف مع زوجته ينشرون غسيله .. والشرفات تمدّ ذقونها .. والعيون تراقب والألسن تحيك قصصاً .. لذا يجب أن يعود إلى البيت بصخب...
ليس مريضاً عادياً .. يستمرض ويتطبّب ويتداوى .. فيتعافى إنه حالة خاصة شذّت عن تلك القاعدة فالمريض العادي يتلقى منّا إضافة إلى الدّعم الطبي احتراماً وشفقة ومساعدة كحالةٍ إنسانية مستضعفة .. أما هذا المريض فلا يتلقى إلا اللوم والتقريع إضافة للعجز الطبي عن شفائه فالطب مايزال إزاءه مكتوف الأيدي...
هو مهندسٌ متخصّصٌ بالجيولوجيا... مهمّتُه استكشافُ المناجم .. واستطلاع خبايا الأرض والتنقيب عن النفط .. والإشراف على الحَفْر. خبرتُه العتيقة جعلته يعرف التربةَ من رائحتها .. من لونِها .. يستعملُ أوصافاً تليقُ بالنساء..هذه التربة سمراء غنية .. وتلك شقراء شاحبة ... احذروا الأديمَ الأحمر شيمتهُ...
كلما رأيتكِ تمشين إلى جانبه تشتعل ناري .. فأسير خلفكما متخفياً .. كأنكما تسيران على قلبي .. أسايركما من بعيد .. تتحابّان وأتحرّق .. تتشابكان وأتمزّق ..تتحدان وأتفرّق وناري لا صوت لها ولا ألسنة لهب .. ولا بصيص جِمار ولا دخان ولا رماد .. كالمكواة الكهربائية تروح وتجيء على قلبي .. ترسم عليه...
جاءكَ الموت قبل أن تحزمَ حقائبك وتربط سيور حذائك .. قبل أن ترتّب سطح مكتبك .. وتصنّف أوراقكَ المبعثرة .. جاءك الموت على حين غرّة .. لصاً داهمَك .. كان يتلصّص عليك كأفعى تنتظر بدهاء .. لها فيك لدغة واحدة ولكنْ ... قاتلة! رحلتكَ بدأت الآن .. وما سبق من حياتك الدنيا كان استعداداً وتحضيراً...
بعد أن سمع الشيخ لتفاصيل الحلم المؤرّق ... تساءل قائلاً: - وماذا حدث بعد ان انزلقتَ إلى حفرة الوحل؟ - حاولتُ الفكاك ونجحت - وهل تخلّصتَ من بقاياه ؟ - نعم ولكنه علِقَ على شاربيّ فقط .. فلعقتهما وبلعتُ لعابي المخلوط بالوحل .. جفّفت نفسي ونظرتُ خلفي فرأيتها تغرِفُ من الطين وتصنع تماثيلاً على...
اليوم أكملتُ سنيني ..؟! هكذا قال لي ملاك الموت : اليوم دقّ ناقوس النهاية.. اثنان وخمسون عاماً .. بعدد أوراق اللعب ... فهل أحسنت اللعب على مسرح الحياة؟ فلا يقاسُ العمر بعدد السّنين ولكنْ بنوعيتها... هكذا أردف ملاك الموت: ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ... ) إذا كان تمام...
ما كان عبدٌ أعظم من سيّده .. لا ولن يكون ... هكذا تعلّمنا وسواد القوم دون سادتهم وأسيادهم .. فالناس مقامات ولو كبرتَ أو استكبرت فهناك دائماً من هو أكبر منك .. تلك القواعد من محفوظاتنا أيضاً ومن اعتلاك فانبطح تحته .. حافظ على حذائه لمّاعاً .. امسحه بأكمامك .. ويلكَ لا تتفل عليه قبل مسحه ...
أعلى