قصة قصيرة

· جالسا في باحة المقهى ،ساهما ،أفكر في أشياء حدثت ذات زمن ،أحفر بهدوء في تعاريج الذاكرة،لاأعير اهتماما لما يجري ويدور حولي ،الذاكرة تشدني ،تدفع بي إلى مدارات تقود إلى زمن عميق وأماكن كانت تضج بالحب والحياة ،أرشتف فنجان قهوتي ،أمارس حقي في العيش خارج نطاق المألوف والروتيني الحامل للسعات الملل ...
كان شهر عسلها قشعريرة طويلة. إنها شقراء، ملائكية، خجولة. وقد جمَّد طبع زوجها الصارم أحلامها الطفولية كعروس. كانت تحبه كثيراً، إنما كانت تخالط حبها رعشة خفـيفة أحياناً، حين تنظر خلسة إلى "خوردان" الصامت منذ نحو ساعة، وهما عائدان ليلاً فـي الشارع. وكان هو من جهته، يكنّ لها محبة عميقة، ولكن دون أن...
حين كنتَ تَأخذ سلفي في المَدينة القديمة لمْ تنتبه أنّك كنت أمام حمام اليهود في سوق الغزل ، ولا أظن أنّك عرفت أنه سوق يَحمل ذَلك الاسم المثير والغامض . فهو سوق للغَزَل، للكَلام الغانج ، وقَول الشّعر في الحبيبة والتشبيب بها ، يمكنُه أنْ يكونَ غزَلا عذريا عفيفا وبدويا ،ويمكنه أن يكُون غزَلا صريحا...
في تلك الليلة الباردة من ليالي الشتاء، كان الظلام حالكا، سمعت طرقا خفيفا على الباب. رفعت عن رأسي الغطاء، أنرت ضوء الأباجورة الأزرق، لأسمع ارتطام جسم ثقيل. قلت في سري أطمئن النفس: – لعله آت من عند الجيران.. يا لهم من بدو مزعجين. عدت إلى النوم. مواء قطط ونباح كلاب في الخارج. أزحت عني الغطاء كاملا...
أضعُ الفرشاةَ أسفل المرآةِ، الرغوة البيضاء الناتجة عن تحريك الفرشاة على ذقني أكثر إمتاعاً من تلك الجاهزة في عبوة حديدية، أفصلُ أعلى اللحيةِ عن باقي الشعرِ بشفرة الموسِ نزولاً حتى عظمة الفكِ، أُكرر ما فعلتُ على الجهةِ الأخرى، أُتمُ حلاقةَ لحيتي بسلاسةٍ دونما أي جرحٍ يشوه نعومةَ ذقني القمحي،...
أمسيت أرقب تنفس المراعي وبعض الخبيث يسكن صدري وفمي.. رفض المطر سلوكي الغبي فأطفأ جذوة سيجارتي برذاذه.. تكاسلت عن التدخين وعن الغناء للشياه.. راق لي منظر الغيوم الغامقة السواد وهي تتشاغب مع بعضها البعض على مساحة واسعة من السماء.. أمسكتْ ببصري لما رأيتها تناور لإغراق الوديان وتكوين السيول، والخراف...
أوشك الفجر أن يطلع، وتصايحت الديكة إيذاناً بطلائع النور، فأخلدت الحجرة إلى السكون والصمت، كأنما أسلمها أنين المرض الموجع وتأوه الإشفاق الأليم إلى الهمود. كانت ترقد على الفراش امرأة شابة يبدو من اصفرار وجهها وذبول خديها وشفتيها وتضعضع كيانها أنها تعاني وبال مرض يهتصر شبابها. وعلى فراش قريب رقد...
كان خالد أفندي يتردد على مقهى (الحرية) في مدينة المنصورة أصيل كل يوم. ومع أن المقهى يشرف على النيل، ويقع في أجمل بقعة في هذا البلد؛ فإنه لم يحاول مطلقاً أن يملأ عينيه مما حوله من جمال وسحر. . . فهو لم يشاهد منظر غروب الشمس في النيل، ولا طلوع القمر من وراء السحاب، ولا الزوارق الشراعية وهي تسبح في...
لم يكن من طبيعتها الزهو والمباهاة، ولكنها تشعر الليلةَ بين لِداتها وصواحبها أنها قد بلغت مرتبةً من حقها أن تُزْهي بها وتفتخر؛ إنها خطيبة (سامي)، وهذا خاتم الخطبة في إصبعها يزهو ويتألَّق شعاعه؛ وأي صواحبها لم تعرف (سامي) أو تسمح به، وإنه من الشهرة وذيوع الصيت حديثُ كل فتىً ونجوى كل فتاة! وراحت...
كنتُ أراها في أحلامي. لم تتوقَّف عن المجيء يومًا. أراها وألمسُها وأعرف تفاصيلَها، وأستيقظ إلى يومي وعالمي، المحكوميْن بالتكرار، من دون أن تغادرَني لحظة، وقد أطلقتْ في روحي نهرًا أزرقَ أواجه به عالمًا جافًّا بلا غيمةٍ أو عينِ ماء. في الطريق إلى الأماكن المكرَّرة، كانت ترافقني. تبزغ من بين...
الليل بحيرة فحمية الضفاف طويلاً كطريق مسافر بلا وجهة والصمت هو كل حالات التراجع الوحيد والهزيمة الفريدة التي يدركها الجميع، ربما يكون في قليل من الأحيان منطق لصرخة متورمة. جفف حلقه بما ابتلعه من بقايا لعاب فقد أصبح الإحباط والحزن ريقاً لـه لا يستنكر طعمه انتفض بعد أن انغرست في قدمه شوكة...
تطايرت أمامي متعمدة مسافة متر و متر آخر و أمتار أخرى كجرادة تائهة .كانت مجعدة و خضراء كخضرة الحقول، و كخضرة عينين أحببتهما يوما لما نبت زغب ذقني ، لكن خضرة أمعائي من جوع يومين كانت أشد . أجبرتني على رؤية كل الأشياء ضبابية الألوان و الأشكال . تطايرت الورقة الخضراء و تطايرت . لم تكن هناك ريح...
اسند ظهره إلى حافة الصنبوق ( قارب الصيد الصغير) وبدأ القارب الرحلة مغادر مياه البلاد الذي تحمل له الكثير من الفرح والكثير من الالم ، تصاعد الدخان الصادر من ماكنة القارب وارتفع ضجيج المواطير المحركة والقارب يشق مياه البحر وتتصاعد النسمات الباردة ومدينته الحبيبة تتلاشى شيئاً فشيئاً لكن ذكريات...
المساءُ يتعمّدُ أنْ يتلكأَ معي ويعاندني بلحظاته الأخيرة، الدقائقُ وكأنّها جبالٌ تتوالى لتجثمَ على صدري، عبثاً أحاولُ أنْ أبدّدَ الوقتَ وأُنفقَ ما ادّخرته من صبر السنين، حتى بدت تلوحُ على النافذةِ بشائرُ اليوم الموعود. أبتسمُ لأنني على موعدٍ معه، فبعضُ الأحزان لا تأتي إلا بهيئة ابتسامة، ألقي...
اجتماع عائلي، والصغيرة رهف، كأنها اسمها، هيكلها نحيل جدا، تكاد وهي تسير أن تنحني من شدة الضعف. وجهها جميل، وشعرها له لون القهوة المحمصة، هادئة جدا رهف. ولأني أعلم بمواهبها الموسيقية، وقدرتها على العزف بمجرد أن تضع يديها على مفاتيح الأورغ، كنت أطلب منها أن تعزف لي بعض المقاطع الموسيقية، وتفعل...
أعلى