قصة قصيرة

ارتبط بذاكرة القرويّين على أنه صباح تخلّله نسيم بارد تسلّل من بين الكساء العالي لنباتات الدفلى، مثلما يمكن للمرء أن يتخيّل كيف يكون الصباح من تلك الفترة من شهر جانفي على ضفّتي مجردة الممتد كالبحر. كانت غالبيتهم متّفقة على أنها كانت مراسم جنائزية بسماء منخفضة ومحتشدة بسحب داكنة، ورائحة كثيفة من...
وصلت الحافلة إلى الجسر والشمس تتأرجح بين الشروق والغروب، زمنان بعيدان في مكانين لا يربطهما سوى جسر خشبي لا يخلو من أزيز الزمن القادم عليه، نزلنا جماعات نتهادى وكلّ يبحث عن إبرته في كومة قش قديمة، كانت الشمس تحاول أن تطمس نور عيني فتحجبهما عن الحلم الذي علمتني إياه جدتي وهي تحكي لي ولأخوتي الصغار...
اختفاء/قصة قصيرة … فهذه هي المرة الاوّلى التي اراها فيها بعد غياب دام اكثر من عقدين , اعلم انها لم تلحظني , كانت عيناها تبحلقان في الوجوه الخارجة من غرفة المكتب , لمحت عينيها ترقبانني , قبل انّ يحجبها عني رف من الاكتاف المتراصة , ثم غابت عن عيني وراء جدار من الرؤوس المندفعة امام المكتب ...
كانت الأبواب مشرعة تنتظر الزوار المنتقين بعناية، وأنا من أولئك الزوار. لابد أن المطر ينزل بغزارة وإلا لما كانت ماسحات زجاج السيارات تتحرك ذات اليمين وذات اليسار. دخلت منفلتة، حاذرت أن يراني أحد، والعيون كلها مفتوحة عن آخرها، علها تلتقط هفوة أو غلطة أو حتى انزلاقا بعد وطء قشرة موز. لتطلع علينا...
كانت تتحدث بطلاقة أمامه عن كل شيء ؛ وعن آخر موقف حدث لها مع زملائها الذين فاجأوها بذكرى ما، كانت قد نسيتها منذ سنين ..أما هو فلم يكن مركزا على ما تقوله ..حيث تظلّلَ وجهُه بأفكار أخرى ..وعينه تركزت على أشياء في جسدها بينما ظل يهز رأسه مسايرا لحديثها ..وضع كفه على وجهه مدّعيا الإنصات ..لكن موجة ما...
حركة وئيدة تدب باكرا، سرعان ما تمتصها المنحدرات الزلقة على جانبي الطريق، بقايا ابتهالات مشتعلة لم تزل تتصاعد لكاتب أو شاعر، وأوراق متناثرة طواها الصباح على طاولة صغيرة تحت أشجار الكينا، غواية التلصص تفقدني نفسي… تماما كفقداني لأشيائي القديمة، فوضاي العارمة يعكسها زجاج المحال وأنا أحث الخطى في...
أنا – على الأغلب – كائنٌ ميْت، وموتي يتجدَّد بعللٍ تافهة؛ كأن لا يرد عامل النظافة الغاضب تحيَّتي لي، أو أن يقع زرُّ قميصي في فتحة تصريف الماء، أو حين ينتهي – بي – عدُّ حجر الرصيف إلى عدد لا يقبل القسمة على اثنين إلاَّ بباقٍ، وأحيانـًا حين أصادف تاءً مربوطةً عاريةً عن غمَّازتيها. كنت أموت...
لا شيءَ إلا هو وخيبته وعفونته في فضاء يضيق بأنفاسه، يتكوم فوقها، وتتكوم فوقه بين جدران أربعة تتربص بأشلاء الفرح المترقب منذ سنين، يستنشق العفن الذي يفوح من أوردته فيزداد اختناقاً، وتطالعه النافذة الوحيدة في غرفته المغلقة بإحكام لتقف في وجه أي شعاع هارب من الشمس يحاول التسلل نحوه بأسئلة عقيمة لا...
كنا متحلقين حول سرير ابي وهو في النزع الأخير، انا وامي واخواتي، وكان ابي ينظر الى نقطة في السقف لا يحيد ببصره عنها وهو يتنفس تنفسا قويا متحشرجا، وكأن الذي يخرج من صدره ليس هواء بل نشارة خشب تخشخش في صدره مصدقة ببعضها اثناء خروجها، وكان صدره يعلو ويهبط بقوة رهيبة، وكان يحرك يده اليمنى بايماءة من...
كانت مفاجأة ، صورة الفتاة الجميلة ، جميلة جداً. عينان وسيعاتان وكحيلتان. لم تكن غريبة عني. سبق أن ألتقيت بها ، أين وفي أي مكان، لاأعلم. عثرت على الصورة بالصدفة.عندما كنت أقلب في ملفاتي وأوراقي وكتبي. وجدتها مع رزمة من الأوراق. حينما تصفحتها تذكرت أنها محاضرة كنت قبل سنوات ألقيتها في أحد قاعات...
كان البال افرغ من قلب الوليد من الضغن وكنا نلهو ونلعب ونحصي النجوم في صفحة السماء فوقنا ونرمي الاحجار علي صفحة الماء في النهر ونعد عدد الاقداح التي غنمناها في الرمية الواحدة فتلك كانت لعبة نقتني فيها حجارة ملساء مسطحة ونقذف الحجر مائلاً علي صفحة الماء فيتقافز فوق الماء عدة مرات ونسمي كل قفزة...
(1) يا نيل طامح وعالي ، فوق الصفحات شمسه تلالي . النيل في رحلته المقدسة، قادما من أرض الـنبـع من جنوب الخير، قوافـل الموج في تدافع، متجهه شمالا نحو المصب. طائر يمارس الطيران المنخفض ليختلس قبلة من سطح ماء سبقه شعاع الشمس إليه وترك أثاره واضحة عليه، في زمن الفيضان ؛ في مثل هذا الوقت...
لم يعدْ السيافُ مسرورٌ مسروراً مما قامتْ به يداه، باتَ الأحمر أرقهُ، وبدأ يخافُ تلكَ النظرات الدامية التي رآها في عيون منْ قتلهنَ، تاركةً أخاديدَ عميقة في ذاكرةِ الليالي المضرجةِ، وصارَ مزاجهُ حاداً، وفارقهُ النومُ إلى غير رجعةٍ، وأخيراً اتّخذَ قرارهُ، سيعلنُ العصيانَ، سيستقيلُ من عملهِ، وسوفَ...
هل يستطيع خداع نفسه ؟ سؤال طرق باب الذاكرة منذ اللحظة الذي دب بقدميه على أرض المطار ... يعذبه هذا السؤال وهذه الغربة وعائلته التي تركها بعد أن لملمت أمه ما لديها ثمنا للتذكرة . بكالوريوس التجارة الذي أحضره موثقا ، حلم في الشقة التي سيؤثثها .. مع خطيبته التي سيكتب كتابها . هل يظل يصارع عذابات...
أعلى