قصة قصيرة

يطاردني وجه هذه المدينة الجاثمة فوق صدري كطوفان ، كلما خطر على بالي الخروج إليها يدهمني اختناق وتتصارع في نفسي الأسئلة كأنما يرتطم كل منها بالآخر في معركة مبهمة الأسباب والمرامي .. ماذا تريدين مني يا صنعاء بعد كل هذا !؟ أجدك سيدة مغرورة تنظر إلي من علوّ سخريتها متلذذة ً بشماتة خيباتي وهزائمي...
دمرت الحرب كل شيء وقضت على الأخضر واليابس أخذ فرح يتأمل ما تبقي من أطلال منزله وهو يغالب دموعه التي تساقطت من عينيه رغما عنه واخذ يطوف في أنحاء ذلك الركام ويستعيد حياته الجميلة الهادئة قبل أن يرحل محمد سياد بري عن الحكم ويرحلان معه السلام والسكينة هنا كانت غرفة الاستقبال وهنا كان مكان أبي المفضل...
كان يعرف سعر الملابس التي أرتديها، يحدد سعر القميص والبنطلون والحذاء بنظرة واحدة. حتى جاء ذلك النهار في مقهى الجماهير حين اعترف لي بأنه ما عاد قادراً على التخلص من هذه العادة: (انها لعنة التسعينيات يا صديقي). قال ذلك في الوقت الذي كنت ارتدي به (18) ألفاً. وقبل يومين قال انني ارتدي (7) آلاف ليس...
هذه حكاية رواها لي خوزيه ساراماغو في تونس في مطلع تسعينات القرن العشرين واعتقدت ان الزمن قد طواها بين صفحاته الطوال ولكن لا. لم يكن الزمن هذه المرة بقادر على تحدي الذاكرة , لما تعارفنا تلك اللحظة , قال لي خوزيه ساراماغو: إنه اعتاد المجيء الى تونس وقضاء بعض الوقت فيها , الا تتفق معي أن بلدان...
في محطة مزدحمة بالعابرين لفتت انتباهه بتوحدها وتحفزها كمحارب ساموراي ووقوفها في مكان يتيح لها حرية حركة لو تعرضت الى اعتداء او استفزاز من هؤلاء المكتظين وزحامهم فقرر الاقتراب منها بحذر وهدوء ثم وضع حقيبته على حافة ساحة معركتها المفترضة واخرج علبة سجائره واشعل لفافة منها وانتظر ان يدفعها الزحام...
دعوني أخبركم عن تجربتي الأولى ،عن اندهاشاتي، فقد كان العالم واسعاً و المسافاتُ شاسعةً وما كان يجري كبيراً و متنوعاً ، بيدَ أنّ سرعةَ التقاطي للأفكار و الرؤى بطيئةٌ و متمهلةٌ، ذلك لأن سيلاً من الدهشةِ و الإعجاب يسيل حولي كلما أطلقتُ عينيّ تجوسان المكان ، تتفحصان كل وجود جديدٍ أعده صيدا و غنيمة...
قلتَ لي ذات لقاء بعد أن حشرتَ أصابعي في صدرك : - هل تعلمين يا شمس أن للرجل بكارة كالتي للمرأة ؟ ابتسمتُ , وتابعتُ كلماتك بشغفٍ .. فأكملتَ وأنت تلهو بخصلات شعري : - لكن الفرق بين البكارتين أن المرأة تفقدها عند أول اتصال مع الرجل , بينما الرجل يبقى في بحث طويل عن المرأة التي ستفض بكارته .. وتدخل...
ثلاث مراهقات. كوخ ومساء مكشوف. وجدّة تتوسّل الليل يغلّف حزنها الصّامت. ينامُ الحزنُ في حضن الجدّة ويستيقظُ صوت المتعة في حواشي الكوخ. تضحك الفتيات الثلاث على نكتة توهمنها وعلى قطيع أضلّ الطريق. الرّاعي ليس وسيما بالقدر الذي يشغلهنّ. تتعالى أصواتهنّ ولا ينزعج سوى الليل الغبي والجدّ المتجهّم...
في ذلك الزمن الماضي ، وفي تلك السنوات البعيدة ، كان عبدالله صبيًّا صغيرًا ، لم يتجاوز الثامنة من عمره ، مربوع القامة ، ضعيف البنية ، أسمر الوجه معروق الجبهة ، طويل الأنف ، في عينيه طيبة وبراءة وانكسار ، غالبًا ما يرتدي – على لحمه – ثوبًا رثًّا ممزقًا ، وينتعل نعالاً بالية قد انسحقت فاستوت مع...
فوق المدرج الخشبي، جلست محشورة بين صحبها من الشباب والشابات المتمازحين مع بعضهم ريثما يبدأ الحفل الغنائي الراقص، ولم تكن هي كعادتها في باقي الليالي الصاخبة، فقد تلبسها الصمت والهدوء منذ وصولها المدرج، وما ان رفعت الستارة، ولاح المغني ببدلته البيضاء وشعره المنكوش وسلاسله الذهبية تحيط برقبته ورسغه...
المشهد الأول: خارطة الخليج مجسمة.. الكاميرا تزحف كما لو تطارد شيئا ناحية الشمال.. تصعد بتوجس حتى تصطدم بحقل نوروز(*)، يبدو كالجرح الغائر، ينزف سائله الأسود، يبدأ السائل بتثاقل وبطء يملأ شبه البحيرة التي يشكلها الخليج ، يغطيها تماما.. ثم يمضي ليكتسح المناطق جنوبا، عابرا مضيق هرمز الى باب خليج...
- 1 - قذفوا بي إلى زاوية مظلمة نتنه مشبعه بالكآبة ومتشحة بالضجر .. والخوف يسكنني من كل شئ ألبسه عقلي رداء المجهول كل ما التقطته عيناي الأحجار الكبيرة المسننة و المتناثرة في كل الأرجاء. كل ذلك لا أتبينه بوضوح .. أتذكر جيداً أياديهم الممتدة المعروقة بشرايين خضراء كسنابل القمح التي قاطعت موسم...
- 1 - لن يهمني إلا أن أصل إليها .. الأشجار المتشابهة لا تضللني .. والطرقات البعيدة لا تضللني لا بد أن أصل إليها بأقصى سرعة ممكنة .. قضيت وقتاً طويلاً للوصول إلى هذه المنطقة النائية .. لا تزال موحشة وكئيبة كما تركتها أول مرة .. لم يتغير شيء أبداً .. حتى الأشجار لم تكبر لكن لن يخطئ قلبي مكانها ...
( هياف ) يعمل طياراً في سلاح جو دولة واق الواق منذ سنوات. يشتغل على متن طائرة شحن صغيرة. ذات يوم ُكلف ( هياف ) بأن يحضر جملاً مزيوناً من جزائر المليون شهيد. حلقت الطائرة الحربية الصغيرة. قطعت مئات الأميال من أجل هذه المهمة الوطنية ! من أجل عيون وسنام السيد ( شوفان ). وهذا هو لقب الجمل المزيون...
في بقايا صباح من خميس صيفي كنت لتوي مستيقظاً من نوم عميق ..ظللت أنتظر الإفطار .. لكنه لم يحظر .. لقد كانت زوجة أبي منهمكة في غسل الملابس ، وتجهيز طعام الغداء .. ليس لديها متسع من الوقت للتفرغ لتقديم إفطار متأخر لطفل بائس كسول.. أمام هذه الحقيقة التي تلفحني لفحا كل حين ، قررت الخروج لمتجر أبي...
أعلى