قصة قصيرة

لا تشكُّ مطلقاً في صدقيَّة كانون الثاني، ولا تعترض على مجيء شباط مهموماً ومغموماً وحائراً. حتى آذار تستقبله بأذرع مفتوحة. هي ممتنّة للأشهر كلّها والأيام أيضاً. كما أنها تحاول جاهدة أن تمرِّنَ نفسَها على الوضع الجديد؛ لتنسى ما عوَّدها على سماعه. هي الآن في صالون التجميل، تحت أنفاسِ بخارٍ صادرٍ من...
قابلتُه أوّل مرّة في القطار، وربّما كان آخر لقاء فيه. قد تتساءلون عن أيّ قطار أتكلّم؛ ففي بلادنا الشاسعة، توجد العديد من الخطوط الحديدية التي تمرّ فيها القاطرات بدون إعياء وهي تجرّ أذيالها. أنا أقصد ذلك الذي يربط المدينتين ب و ج، وبالضبط، الفضّي ذو الرقم ستّة. حدث اللقاء أوّل الخريف، ربما...
الخير شوار جلس الكاتب، واسمه محمد كاحل، في زاوية من غرفته المبعثرة على حافة سريره الغريب وهو يلتفت إلى النافذة بين الفينة والأخرى، وكأنه ينتظر شيئاً مهماً. ليس في عدّته سوى بضع من الأوراق من نوع "البيفتاك" وقلم حبر جاف أزرق مكسور في الأسفل، إلى درجة أن مستعمله إذا أراد كتابة شيء ما فعليه...
نعم إنني فتاة صغيرة أفترش الشارع أبيع مناديلي للمارة ويعطونني ما تجود به أيديهم من مال يساعدني العيش فأنا لا أعرف لي بيتا ولا أبا ولا أما ولا أعرف غير تلك السيدة العجوز التي تجلس بجواري ليلا في الميادين و الشوارع العامة و أنام بجوارها نهارا في تلك المقبرة التي من المفترض أنها لا تأوي إلا الأموات...
جمجمة عجفاء على المنضدة المزدحمة بكتب الطب.. أصفر.. أصفر.. كان وجهها.. رائحة الموت تملأ أجواء الحجرة.. من مقعدها هبت البنت.. بالفرشاة أمسكت.. بالذهن تدور الأفكار.. عاجزة هي عن الخروج الفكرة تمشي متباطئة .. لجد سأرسم لكني أخاف أن أنسى الشارب فينهرني ويغضب مني.. إذن الأب سأرسم.. حمراء.. حمراء كانت...
فيك عشرة كوتشينة ؟ وتبدأ سهرة كل ليلة ... العتمة تسرح في جنبات الحارة ... جدران حائلة انهارت محارتها فبان لحم الحيطان لدناً مشبعاً بالرطوبة ... نجوم شاحبة متقببة على بيوت ضمت في حناياها هجوع الخلق وسكن الأشياء ... عِرَس تمرق من تحت أعقاب بيبان ... نباح كلاب في صحن الليل ، يفزع العابرين في...
بدأت الأمطار تهطل في وقت مبكر من صباح هذا اليوم. كانت خليدة متكئة على حافة النافذة بالشرفة العليا، تتطلع بإعجاب إلى الأمطار التي كانت تنزل بكثافة، وتشق لنفسها مجاري صغيرة وسط الرمال. لم تتحرك من مكانها. كانت بمفردها في البيت المطل على البحر. زوجها سافر إلى جنوب البلد ليطمئن على أمه. قضت خليدة...
بعد منتصف الليل بقليل، عند خروجه من محطة الوقود، وهو الوقت الذي يفضل فيه إطفاء راديو السيارة والإنقطاع عن التحدث مع نفسه، رأي تمساحاً يقطع الشارع الخالي بخطوات ثقيلة، كان كعادته قد أنزل زجاج النوافذ وأسلم نفسه لهواء منتصف الليل وهو يسير في الشوارع الخالية، بضوء مصباحي السيارة يحفر الظلام متوغلاً...
في اللغة العربية، ثمّة فرق جوهري، بين الدار والمنزل. في حين أن المنزل بوسعه أن يكون فندقاً، أو استراحة مسافر، ليس بوسع الدار أن تسمى داراً، من دون بئر وشجرة جمّيز. إنها حكاية قديمة، تعود إلى عشرات السنوات. في ما بعد، أصبحت أسطورة، تتردد في عائلتنا، من جيل إلى جيل: قام جدّي بقطع عدّة أغصان من...
عزيزي مصطفى تسلَّمتُ رسالتَكَ الآن، وفيها تُخبرُني أنَّكَ أتْمَمْتَ لي كُلَّ ما أحتاجُ إليهِ لِيدعمَ إقامتي معك في جامعةِ "كاليفورنيا". لا بُدَّ لي يا صديقي من شكرِكَ. لكن، سيبدو لكَ غريباً بعضَ الشيءِ أنْ أحْمِلَ إليكَ هذا النبأ. وثقْ يا مصطفى أنني لا أشعرُ بالتردُّدِ أبداً، بل أكادُ أجزِمُ...
الدوالي اللعين يقف ضد الثورة يشتغل مع الثورة المضادة ، قالت لنفسها وهي تجرجر قدميها بالعافية وتسير خلف المتظاهرين بعد وقوفها معهم قرابة ساعة أمام جامع عمر مكرم بالتحرير، لكنهم الآن تحركوا ودخلوا شارع القصر العيني، ومنه إلى مقر مجلس الوزراء ذي المبنى الفخيم الموجود منذ زمن الملكية القديم، ولكن...
وجيهة عبد الرحمن بين ربوة الحلم وربوة القدر ينبسط إفريز من الوهم… في حرم المدينة المباغتة للصحراء الممتدة على امتداد البصر، المدينة التي سكنت القفر فاستعادت للصحراء هيبة الخلاء ووحدتها المفرطة في الكآبة، الريح التي هبت من لامكان سقطت غبشاً من العلو، فأسدلت ستارة من الغشاوة على عيون تتوق إلى...
بثينة خضر مكي رقية زوجة المأمور هى جارتهم والصديقة الحميمة لوالدتها صفية. كانت علاقتهم ببيت المأمور قديمة وأزلية. المأمور قد عمل فى سجن المدينة قبل أكثر من عشرين عاماً بعد عودته اليها منقولاً من مدينة جوبا بجنوب السودان. ومكث مدة ست سنوات يعمل فيها بالمدينة الصغيرة توطدت فيها علاقته بأهل...
استهلال… لكم غاياتكم… ولي نفس مثقلة بالجراح لكم أحاديث الليل … ولي الصمت المستباح لكم نهارات مطهمة بشهيق الشمس… ولكم حفيف القمر المشتهى وللمدينة النواح .! **** من بعيد كان صوت أم قاسم ، شاهداً على سكون المدينة ..وشاهداً على غياب ثغاء الأغنام ..وانطفاء الموقد ..والمدينة، هذا الصباح تبدو على غير...
جمال نجيب التلاوي من شرفة غرفته المطلة على النيل ، كان يراه متسعًا وعميقًا ، وزرقة صافية تظلل لونه، جاءه إحساس أن، السماء تسبح في مياه النهر ، وحين نادته أمه ـ وهي مجهدة ـ قالت : – هذه الأصص وزعوها بينكم … لم يعد لنا بيت !!! هي لم تقل الجملة الأخيرة ، لكنه وأخوته أدركوها ، كانت أصص الزرع عشقهم...
أعلى