سرد

استوقفنى موظف الاستعلامات عند مدخل الباب، فقلت له بسرعة أريد صلاح ولم أزد، حرك ذراعه حركة ملولة غير مبالية، فأخذت اقفز فوق السلالم وأمد جذعى داخل الأروقة بحثا عنه، سألت الموظفين عن صلاح، رفعوا الى وجودها صماء وتبادلوا النظر بعيون زجاجية وهزوا أكتافهم وغرقوا فى الصمت . جلست على مقعد فى أحد...
أن تجد نفسك، فهذا صعب جدا، خاصة فى هذا الزمن الملعون، وقال سقراط: اعرف نفسك بنفسك: فماذا أقول لسقراط؟ أعرف عرفت أن كل شئ باطل وقبض الريح عرفت أن الأيام متسربة كالماء من بين أصابع الكف عرفت أن الشئ الباقى هو الذكرى الطيبة وعرفت فى النهاية أن الحزن سيدى، لذلك حزنت لأننى عرفت، فامتلكت حزنى بين...
وقفت‏ ‏على ‏شعرة‏ ‏الصمت‏ ‏بين‏ ‏الصدى ‏والصوت‏، ‏وكنت‏ ‏قد‏ ‏تخطيت‏ ‏الرطب‏ ‏واليابس‏، ‏والمر‏ ‏والحارق‏، ‏والدنيا‏ ‏من‏ ‏حولى ‏سوق‏ ‏بضاعة‏ ‏زاهية‏. ‏ولما‏ ‏لم‏ ‏أستطع‏ ‏بيعا‏ ‏ولا‏ ‏شراء‏ ‏طويت‏ ‏العمر‏ ‏الكاسد‏ ‏فى ‏حبة‏ ‏القلب‏، ‏وقلت‏ ‏أيمم‏ ‏وجهى ‏شطر‏ ‏الصحاري‏.‏ وفى ‏عمق‏ ‏الصحارى...
قررت أن اتوجه إلى هناك، فذهبت، وفتح الباب، ودخلت وكلى خجل وخوف وتردد وأقدام وشجاعة. جلسنا ؟ بدأت ألهث كالمعتاد من ارتفاع السلم؟ ثم بدأ العرق يتصبب منى وكأنى بذلت مجهودا ضخما. دخلت الأم، وسلمنا، جلسنا صامتين؟ تبادلنا التحيات، الجو يخيم عليه السكون، والترقب، يقطع الصمت فيه بعض الكلمات الخائفة...
عندما يدخل شعاع الشمس من النافذة , يغمر الحجرة ضوء النهار , يطن في أذني الولد سمير لغط وهمهمات وصياح الباعة في الحارة , يتقلب في فراشه بالطول والعرض ,مستمتعا بالدفء والخدر والسرير خال من أخته أمه وأبيه , الذين ينهضون مع آذان الفجر وتكبيرة الصلاة , ويكون سمير في انتظار أمه تأتي ويدها مبللة بالماء...
ناهد عز العرب أمسكت رأسها بين كفيها وضغطت عليه، رفعته لأعلى تريدها فرقة بينه وبين جسدها، لا يمكن أن يكون هناك اتصال بينهما، ذلك البطن الناعم المتكور هنا والنحيل هناك، الممشوق كله، لا يخصها، لا يربطه بهذا الراس الا عنقها، كان بينهما صلة رحم، وبمرور الأيام حلت بينهما غربة، آلمها الضغط، صرخت- لم...
قرص الزهر وصاح: شيش بيش. قلت لنفسى: ياولد….. الأيام تكر، وأنت قد كبرت…. شعر الرأس تساقط ، وما تبقى فقد لونه الأسود، أصبح بنيا كلون أسنانك التى سودها الدخان….. لعله لم يعد يظهر للناس – فى هذا الزمان – حين يشيبون شعر أبيض. أعلنها مبتهجا: دبش. قلت لنفسى: يا ولد… الأيام تكر والفصول تتعاقب، وأنت...
مرور الوقت، حد السيف أرى الوجوه فى طابور دائرى، نفس الملامح، ملطخة بالسخام، بكدح الأرض هناك، فى البهو ذى الأعمدة والرخام، فى الردهات الطويلة المعتمة حيث رائحة البول المختمر، وغبار الملفات، وفى الليل أحلم بالفرار، أو أن أكسر زجاج النافذة بيدى العارية. بالأمس فكرت أن أترك كل شئ وأرحل لكنى باق...
– أنظر إلى الزجاجة، فأنتشي. تغمرني غبطة هوجاء. أشرب الكأس الأولى.. الثانية. يحتج صاحبي: - بلا غش الله يخليك.. دور التورني! أتجاهل غضبه - الروج أصاحبي، خير من الويسكي.. - طيب ... ولكن كب لي آنا آبعدا...! بتمام الزجاجة الثالثة نعجز عن المزيد... أسأل علي: - هل سكرت ؟... - ينزعج -... أنا...
كنت أود أن انتهي اليوم من رسم "القطار" وفجأة تذكرت أنني طال ما أجزت لنفسي أن أصفها بأنها مجنونة.. ترى كيف سيظهر الجنون في لوحتي؟ وكيف سأبدو بعد قليل بعد أن أترنم باللحن الجديد الذى ألفته؟ لقد بدت عين جهاز المسجل الصغير الضاحكة الواسعة كعين رجل يراقب جسداً عارياً في خيمة سيرك.. أنني أجيد أشياء...
كان حميد الحفيان رجلاً فقيراً، كثير الشكوى من البطالة، يحدّث الناس أحياناً عن أصدقائه الجان وقوتهم وقدراتهم الخارقة، فيقولون له سـاخرين : إذا كان كلامك صحيحاً ، فلماذا لا تطلب العون منهم؟ وفي أحد الأيّام، تسلل حميد الحفيان إلى اجتماع مخصص لأهمّ الرجال في حارتنا، وهددهم بأنّه لن يمنع أصدقاءه...
لم أكن لأتخيل نفسي قبل ذلك طرفاً في صفقة لبيع نفسي أو أن تكون (نفسي) مطلوبة للشراء. فجأة وكما يحدث للفيلة المسكينة حين يتهشم سلامها برصاصة فتعدو هلعاً أمام صيادين تحملهم عربات حديدية يحلمون بعاجها، كانت قطعان ذاكرتي تتواثب لتحتمي بما تبقى من غابة الماضي هرباً من الصيادين الاذكياء وهم يرصدونها من...
جولة. المشي يريح. ومهبط الوحي الذي نسجتُ فيه أطيب أشعاري يرحِّب بسَحْبِ حواجز أتراح الحياة عن روحي. جولة. المشي رفيقٌ وطبيب. رمال الموقع الأثري تحمل في تلبُّدِها آثارًا من مطرٍ قريب. الدائرة التي قوامها أعمدة بيضاء متباينة الأطوال على كلٍّ منها أرقام كُتبت بطلاء أسود مشوِّه (24 – 21 – 125 -…)...
أمينة الزاوي غيليسيا، هي أرض ساحرة يحكى أنها بعثت من ريح الجنة التي سرقتها حواء حين طردت رفقة أبونا آدم إلى أرض الله ثمّ أسكنتها قوم اصطفتهم من بنيها الخاشعين. حدث أن حلّ بالأرض الطيبة تنين قحاف ذو بطش عظيم. فاهتزت السرائر، زرع الخوف في القلوب، انتشر الهلع في أرجاء المملكة مثل الوباء، و خارت قوى...
ورأيت في منامي أنّي في بابل، في مسابقةٍ للسحر. كنّا في ميدانٍ كبيرٍ تُطوّقه جماهير حاشدةٌ متعطّشةٌ للسّحر، كأنها تشاهد مصارعةً رومانيةً تسيل بها الدماء كالعرق. على المنصة وقف ثلاثة سحرةٍ حديثي السنّ، ربما كان العرض امتحان تخرّجهم بلقب ساحرٍ. كان المعلم رجلاً عاش ألف عامٍ، بدا وكأنّ الزمن زاده...
أعلى