سرد

مالت الشمس قليلا ... نسمة الصيف تهب هادئة ... تموز في بداية ايامه ..محطة قطار الكرخ في بغداد مزدحمة بالمسافرين ... في الركن الشمالي من ساحة الانتظار توجد مصطبة خشبية خضراء جلس عليها شاب ابيض الوجه ..جميل الطلعة تجاوز عمرة الرابعة والعشرون تقريبا .التف حوله أمه وأخواته الذين جاءوا لتوديعه ...
الحارة الضيقة الرطبة بعيالها الفقارى الممصوصين، تضرب الصفرةُ أجسادَهم. ثيابهم قديمةٌ ورثَّةٌ، وجوههم تعلوها مسحةٌ رماديةٌ كأنها طبقةٌ من غبار. أشم الآن رائحة الأزقَّة الضيقة، رائحة الماء بالصابون المدلوق في الطرقات. أنصت لتمتمات العابرين في الطرقات الساعين إلى رزقهم، يدعون إلى الله طالبين العون...
كنت على وشك أن أقذف إحدى القنابل إلى الجهة المقابلة.. عندما علا صوت الرقيب طالباً مني أن أنقل الجثث من نقطة الاشتباكات إلى منطقة أكثر هدوءاً، وكانت مبرراته: أن هذا أفضل. فالجثث تعيق الرفاق أثناء التنقل، وإننا عندما نقرّر الدفن، سنجد كل الجثث في منطقة واحدة.. وتركت كل شيء من يدي، ولم أهتم...
لا أعرف كيف ـ بهذه السهولة ـ وصلت المرآة إلى يدي. كنت أحملق في وجهي وكأني أراه للمرة الأولى، وجه غريب لا يخصني، أو إنني لم أكن أراه وجها على التحديد، بل مجموعة أشياء غريبة مثيرة للدهشة، أشياء كلما أمعنت النظر فيها، كلما زادت غرابتها، زاد تجردها، وأشعر بأنها لا تخصني. وكانت الحملقة والدهشة تنعكس...
ولو! مهما يكن سفرك أمراً حتمياً وضرورياً، يحسن بك أن تتروى قليلاً. إذ كيف تسلم روحك إلى قطعة حديد لا يحفظها في السماء إلا العناية الإلهية وحسن الحظ، ويظل احتمال السقوط والتهشم معقولاً أكثر من احتمال الوصول بأي قدر من السلامة. أيمكنك تخيل ذلك؟ كتلة متفجرة من النيران تتشظى مليون قطعة بحجم كسرات...
للّهو صوت مميز، وضوضاء مختلفة. خليط من ضحك وصراخ، لأطفال وكبار. عندما يعلو بحدّ معين، يتحول، في أذن الجالس هادئاً بالناحية القريبة، إلى صوت آتٍ من بعيد. أو بوصف أدق، يأتي عبر حاجز ما، لكنه حاجز غير صلب. تماماً مثل الأصوات التي تصلك، عندما تغطّس رأسك في مياه البحر، أو تلك التي تصدر عن اليقظين...
الحلاق الذي يتابعني بنظره كلما كنت ذاهباً أو عائداً من عملي، ينظر إلي بطرف عينه من خلف نظارته التي تسندها عظمة أنفه البارزة، يتابع نمو شعري بهدوء صياد ماهر. عندما أذهب إليه أجده يضحك ضحكة واثقة، كأنه يراهن نفسه على أني سآتي إليه في هذا اليوم بالتحديد، يُرجع النظارة بإصبعه الأوسط ويضغط على مؤخرة...
في جلبابها تقترب ببطء من التلفاز حتى تكاد تحجب الشاشة، تقرّب رأسها وتضيّق عينيها رغم النظارة الثقيلة وتسأل: تمثيلية إيه يا ولاد؟ نردّ بنفاد صبر: فيلم يا تيتة، فيلم. ويظهر شبح ابتسامة على وجه أمي التي تضع قدمها على دواسة مكنة الخياطة، ويدها على القماش تحت الإبرة، وطرف عينها يراقبنا وأنفها يراقب...
لقد ضاعت أشياء كثيرة ولم يتغير شيء دائما ما يكرر تلك العبارة ، عندما تسمعه لأول مرة يخيل إليك على الفور أنه يهذي ، على الرغم من جدية مظهره ، يطلق عليه سكان البيت فى همس "الساكن الجديد" ، مع أنه ليس أحدث السكان ، بيد أن صفة الجديد تلك صارت ملتصقة باسمه منذ أن أقام لأول مرة فى هذا البيت...
الأنثى تنهض من سبات عميق.. من غيبوبة صمت. ثائرة على كل شيء. في عينيها لمعة غريبة.. غضب نسائي تراكم منذ عصور تنظر حولها.. تسير.. الساعات تهدر مثل قطار لا يأبه.. يدوس ما يراه أمامه الانثى تنهض.. تتفادى القطار تقترب من نوافذ الغرفة.. تفتحها.. يتسرب نور باهر، اشتاق ان يدخل غرفا نسائية منذ الاف...
1 الكلبة في الحي مثل جردل كناسة، أودع نفسه للناموس، مجرد كائن منبوذ، يبعث في المكان روائح نتنة، لا تطاق، كروائح المؤرخين السماسرة.. الحي يتوحش تعقيداً، والكلبة في العهر تتأسس مشروعاً.. الحي يبلله الشوق لمحق ذاته برئة أفصح، والكلبة في البائسات من الأيام تختمر.. الحي يملؤه التحديق، والكلبة...
* إهداء إلى الشاعرة أمل الفرج يا رب السماوات التي لا نراها، ولا نعلم سرها، جسدي الذي أسكنه جف، أين طوفانك المفاجئ ليُعيد ترتيب الأمور؟. لم تكن وجهتنا معلومة.. هي وشاية الطير حملها بمنقاره، لنعلم بأن هناك بعيداً عن أقدامنا تنضج الحياة.! سقطت من عيني " نوح " دمعتان عندما بدأ المطر، تحرك قلبه...
* إهداء إلى أم العز الفارسي لا أستطيع أن أرى أمي.. صهري قبض عليه منذ أيام.. وجاء البوليس لـتـفـتـيش بيتها والذي أقيم في شقة فوقه.. اقتحموها.. سألوا عني.. أجابهم الغبار: إنه لا يقيم هنا.. منذ شهور ترك الشقة ليقيم في غرفة ضيقة ببيت شباب شحات.. التقيت بقريب لي.. أخبرني أنهم يبحثون عني.. ومكعب...
استقبلتنا بضحكة واسعة غطت وجهها العريض فرحة بقدومنا المفاجئ، ثم دخلت علينا والدتها واحتضنتنا بفرح، فهلت أنسام جميلة لفحت وجوهنا بأثر الاستقبال الحميمي الذي حف بنا من كل جانب. قالت لنا: نسيتم أن تحضروا لي أغلى شيء على قلبي، إلا تعرفون أنني احبه كيف نسيتموه؟ وحملقنا في وجوه بعضنا البعض، كيف...
* الإهداء:إلى: روح سيدة الطرب في زمن عز فيه الطرب صوت (أم كلثوم) يسرقك فجأة من رفيقك الذي أحس بابتعاد روحك عن المكان, والتصاقك اللاإرادي بالمذياع, فآثر أن لا يخدش جلال اللحظة بحديثه, تاركاً لك فرصة التحليق مع ذبذبات الأثير التي انتشرت في الأجواء وراحت تتسرب إلى أبعد قمة في أعماقك. و(قصة الأمس)...
أعلى