سرد

الحقيقة أنَّه لم يكن بمقدوره تجاوز محنته الصِّحيَّة إلا عبر ارتشاف عصارة أوراق البابايا، التي كانت «آبا» تُقطِّرها له من فمها، وصلواتها أمام حطب البروسوبس المحترق، ولم تزل صورتها محفورةً بعنايةً على كهف ذاكرته، مع بقايا وجوهٍ وتماثيلَ نصفيَّةٍ لرجالِ ونساء القرية، ودقَّات الطُّبول الأفريقيَّة،...
تتكرر زياراتُه لي ويطرح عليّ نفس الأسئلة بنفسِ نبرة الحزن: ـ ألم تصبحي طبيبةً كما وعدتني؟ أجيبُ أنا بذات الشعور الطاغي بالندم: ـ للأسف، لا! يقول لي: ـ كنتُ أضع فيك أحلامي وظننتك ستحققينها. أصمتُ لعدم قدرتي على الرَّد، أو ربما إحساس الخيبة الذي يتقطّر من كلماته يصيبني بالخرس. ■ ■ ■ رائحتك مدبوغة...
استراحة "أنتم يا من ستظهرون بعد الطوفان الذي غرقنا فيه، تذكروا جيداً، وأنتم تتحدثون عن ضعفنا، الزمن الأسود الذي عشنا فيه. لقد مضينا نغير بلدا ببلد، أكثر مما نغير حذاءً بحذاء. نخوض حرب الطبقات، ويقتلنا اليأس، حين نجد الظلم، ولا نجد من يثورون عليه". بريشت نهار الجمعة 4/4 قذف بجسده المتهالك،...
خلسة رأيتها. متأكداً كنت، وباستشفافٍ بديهي، إنها مفقودتي السمراء. ملتفتة كانتْ. نصف التفاتة. بل أنها هي، بلونها الاستوائي. هي التي أبحث عنها صباحاً، مساءً. تلك التي تتغلغلني ملامحها، قبل الآن، بزمان، وقصيدة. مشغول فمها، بتحريك شيء ما، وباعتصاري بطريقة محببة. مشغول فمها بمنوال يصعبُ معه...
"إليها. وقد إنتبذتْ لنفسها مكاناً قصيّـاً في القلب." الرابعة إلا الربع، مساءً. ليست تلك هي المرة السابعة، منذ بعد ظهر اليوم، التي يُحدِّق فيها صوب الساعة، تلك الجاثمة على حائط ضلوعه الفائرة. فقبل تسع دقائق فقط، كان قد نظر إليها بتوهن وتوسلٍ جم إنه الإنتظار. حُمىّ المواعيد. وخروج الروح لمعانقة...
-قفزتْ بنشاط إلى داخل الحافلة مع صديقاتها. كان منغمساً لحظتها في حوار باهت وعادي مع أحد الركاب العاديين، حول سعر التذكرة والزيادات الأخيرة، التي حددها أصحاب الحافلات الصغيرة على نحو مباغت. على كلٍ هو لا يملك إجابة محددة لهذه الأسئلة وتلك الاحتجاجات التقليدية المحفوظة لديه، علاوة على عدم مبالاته...
كنت صغيرا جدا. لم أعرف بعد أسرار الحياة ولم أفك الكثير من طلاسمها والتي اعتقد جازماً أن بعضها يستعصم حتى على إفهام الكبار. وجدت الباب الخلفي مفتوحا. وهو أمر نادر جداً. بل يمكن القول بأنه مستحيل. فلم استطع مقاومة الرغبة العنيفة في الحصول على تفاحة، من شجرة التفاح المنتصبة في الجانب الغربي من...
في يومِ أحدٍ بارد من أيام الشتاء، كان هناك رجل يمشي وحيدا تحت رذاذ المطر، في شوارع لشبونة شبه الخالية. كان قصير القامة، وكانت ملامحه توحي بالشراسة. وعلى أية حال، فقد كان يحمل في أحد جيوبه الداخلية مسدسا من نوع سميث. ومع أنه لم يكن سكرانَ ولا مريضاً، فإنه كان تائها عن بيته ويجد صعوبة كبرى في...
كان الوقت هزيع ليل والظلام قد أنهى للتو لف القرية بثوبه الأسود. وكان السكون الواقف على أهبة يصب مزيدا من العتمة كلما تناهي الى مسامعه شخيب الطلمبات وهي تشفط مياه النيل بتواطو تام مع القمر الذي غاب عن الحضور متحججا بسوء الاحوال الجوية. في هذا الجو الكئيب المنذر بقدوم العاصفة يقاتل حميدة وحده...
امس مساء عدت الي المزرعة بعد ليلة مبهجة وحافلة قضيتها مع أصدقاء قدامي، كانت ليلة رائعة رغم انها انتهت كالعادة بالعراك اثر الافراط في الشراب، قضيت وقتا طويلا في العودة ذلك أنني في البداية لم أهتد الي مكان المزرعة وحينما وصلت كنت أشعر بأنني علي ما يرام رغم أنه كان من السابق لاوانه (قبل انبلاج...
خطواته واسعة ، سريعة ، تشق ظلمة الليل ، لاتهتم مطلقا بكل مخاطر الطريق ، فارع القامة ، ضخم الجثة ، عار تماما ، لا يلبس حتي ما يستر العورة ، عار كالانتماء ، كما ولدته امه ، إعتاد كبي جزلان - هكذا كانوا ينادونه ، لم يشارك ابدا في إختيارات البشر لكل المسميات التي يطلقونها عليه - إعتاد كبي جزلان علي...
دعوت أبا ليلى إلى السلم كي يرى برأي أصيل أو يؤول إلى حِلمِ دعاني اشُبُّ الحربَ بيني وبينه فقلت له مهلا هَلُمَّ إلى السلم فلما أبى أرسلتُ فضلة ثوبه إليه فلم يرجع بحزم ولا عزم وحين رمانيها رميت سواده ولا بُدَّ أن يرمى سَوَادُ الذي يرمي فكان صريعَ الخيل أول وهلة فبعداً له مختار عجز على...
حين زغردت (البقيع) زغرودتها الأولى، هي زغردت ثلاث مرات، الأولى مشروخة ومرتجفة بعض الشيء لكنها كانت مسموعة لدرجة أن شوارع الحلّة وأزقتها امتلأت بالنساء المهرولات صوب بيت (البقيع) بالقرب من الدونكي، وحين دخلت (البقيع) في زغرودتها الثانية؛ هرب زوجها (عبد العزيز) إلى داخل الغرفة دون أن يمسح عن...
ذهب الى قبره في ذلك المساء .. كان القمر يصعد شيئا فشيئا في الافق .. كان بعض الناس مازالوا جالسين بعد أن صلوا المغرب في طرف زاوية المقبرة .. هذا القبر الملطخ بالخيانة والخداع .. حوله نمت بعض الشجيرات كما نمت في بعض ممرات القبور .. والده أصر على صنع قفص الدرابزين هذا قبل ان يختل عقله ويغرق في بحر...
منذ عودته الي القرية قبل سنوات بعد ان احيل الي المعاش من وظيفته كسائق في احدي المؤسسات الحكومية التي عمل فيها بعد أن ترك الجيش الذي التحق به كمجند لعدة سنوات، وهو يمارس حياة روتينية تخلو من اية مفاجآت، يخرج صباحا ليبحث عن بعض الحشائش لبقرته، يعود الي البيت ليتناول الافطار ثم يذهب الي المسيد...
أعلى