سرد

الصحراء المغربية في حركة دائبة ونشاط غير معتاد، فالقوافل تملأ الطرق وتخترق البيداء، جمال ونوق خفاف قد التصقت جلودهم السمراء بعظامهم الصلبة وأعصابهم القوية، وكأنها حبال من حديد. تنظر فلا ترى وجوها، وإنما ترى أجساما ممشوقة عليها أردية زرق، وأخرى بيض، قد دبت الزرقة إليها لكثرة احتكاكها بالأردية...
كان الصبية يراوحون بين النظر إلى ألواحهم والتطلع إلى فقيههم ، ولم يكونوا في الحقيقة يتبينون شيئا ، فقد كانت ألواحهم لا تكاد تستقر بحروفها على ضوء الذبالة الراقصة ، وكان فقيههم ، على بعده عن الشمعة التي يدورون هم عليها ، هامدا ساكنا ، لا يكاد يبين عن سره بحركة يتحركها جسمه الضخم ، أو خلجة يختلجها...
خرج الفقيه أحمد من المصلي وهو يهيتم بالمعقبات. وما أمن زحام الباب ووجد مضطربا يضطرب فيه، حتى رمى بجناح «سلهامه» الأيمن على كتفه اليسرى، ومضى بخطى واسعة، وبوده لو بدرك الحافلة قبل أن تتحرك. وأمتد الطريق أمامه حافلا بالعسكر، والنظارة الذين يترقبون عودة موكب «المخزن» من المصلى، فرأى أن يتنكب عنه...
كان ذلك في مصر، قبل أن تقوم الثورة. دخل علي بقامته المديدة ووقف أمامي فحال بيني وبين النور فدعوته للجلوس. كان من المتفيهقين الثرثارين الذين يحلو لهم أن يسرفوا في الحديث، وهو رجل قد تجاوز الخمسين، واسع الحيلة، شديد الإلمام بظروف الحياة وتقلباتها، عصبي الطبع، عركته الحياة وعركها، تلقى عليه أول...
هناك بعض الزعماء والأبطال، يكتب عيهم أن يوجدوا في ظروف غير مواتية، وغير مساعدة لهم على الإفادة أو الاستفادة من الصفات البطولية التي يتحلون بها. ونحن لا نؤمن إيمانا أعمى بان التاريخ من صنع الأبطال فقطن ولكنا لا نؤمن أيضا إيمانا أعمى بأن التاريخ في تطوره، والإنسانية في تقدمها، يستطيعان أن يستغنيا...
ملخص القسم السابق: كان أبو عبد الله الشيخ الملك الذي أرسى قواعد الدولة السعدية وقضى نهائيا على دولة بني مرين، شديدا جدا في معاملة أعدائه وخصومه السياسيين، وعندما فتح مدينة فاس للمرة الثانية، وتمت له الغلبة على أبي حسون المريني، بدأ ينتقم من أنصار أبي حسون، وكان من هؤلاء في رأيه، الفقيه عبد...
(أنا سلطان السلاطين وملك الملوك، مانح التيجان للملوك على وجه البسيطة، ظل الله في الأرض،سلطان البحرين الأبيض والأسود، وخاقان البرين، وملك الروملى، والأناضول، وبلاد الكرمان، وبلاد الروم، وزلكدريا، وديار بكر، وكرستان، وآذربيجان، وفارس، ودمشق -حلب- القاهرة – ومكة المدينة-القدس، وكل البلاد العربية،...
... ونذهب إلى منزل العريس، لنكون معه في حفلات عرسه _ قبل عصر التطور الحديث - مبتدئين بحفل ( الهدية ). أنه قبل الليلة الكبرى ( ليلة العمر) التي تزف فيها المرأة إلى بيت زوجها، تعرض هدايا العريس إلى عروسته، عرضا مرتبا أنيقا، وذلك بعد العصر، من حيث تقبل الناسء والعذارى المحجبات، من غير ذوات القرابة،...
حُكم على خليل حاوي بالإعدام، فحدّق إلى السماء متعجّبًا من لونها الأزرق الذي لم يتحوّل لونًا أسود. وشُنق ثلاث مرات، فكان الحبل في كلّ مرة يتمزّق على الرغم من أنّ جسمه هزيل وعنقه نحيل. ووقف مشدود القامة مغمورًا بضياء الشمس، بينما كان سبعة رجال يسددون فوهات بنادقهم نحوه، ويطلقون النار عليه، فلا...
التقى زهير صبري امرأة تشبه زهرة حمراء على غصن أخضر، فخبّرته بصوت مرتعش أنها تحبّه ولن تستطيع أن تحبّ غيره. فقال لها إنه لا يهتم إلاّ بمستقبله، فبوغت بصفعة مؤلمة تنهال على رقبته، فتلفت حوله، ولم ير الصافع. وصُفع ثانية عندما قال لأحد الأثرياء إنه أعظم رجل أنجبته البلاد، ولم يرَ الصافع. وصُفع مرة...
كان عزمي الصفاد يجلس في المقبرة الملاصقة لحارته أكثر مما يجلس في بيته، وواجه الساخرين منه بردّ حاسم خلاصته أنّ كل رأس حرّ في اختيار المخدة التي تريحه، متسائلاً: (أيهما أحسن لي: أن أجلس في مقبرة أم أجلس في خمارة أو ملهى أو نادٍ للقمار). وأتاح له جلوسه الدائم في المقبرة اكتساب ثقة الموتى المدفونين...
دخل شرطي بدين إلى المقبرة، ومشى بضع خطى مترددة بين الأضرحة البيض، ثم وقف حائرًا لحظة، صاح بعدها بصوت ممطوط: (عمر الخيام). لم يجب أحد، فأخرج من جيبه منديلاً أبيض وسخًا، وتمخط في طياته ثم كوّره وأعاده إلى جيبه، وصاح بصوت حانق: (عمر الخيام.. عمر الخيام.. أنت مطلوب للمحاكمة). فلم يجب أحد، فغادر...
في يوم من الأيام، اقتحم رجال الشرطة بيتنا، وبحثوا عنّي وعن زوجتي، ولم يتمكنوا من العثور علينا لأنّي تحوّلت مشجبًا، وتحوّلت زوجتي أريكة يطيب الجلوس عليها. وضحكنا كثيرًا عندما خرجوا من البيت خائبين. وفي يوم من الأيام، كانت السماء زرقاء لا تعبرها أي غيمة، فقصدنا أحد البساتين، فإذا رجال الشرطة...
يجيء الليل كفنًا أسود، فيبتعد أبو حسن بخطى هارب عن حارته الخرساء، وأزقتها الملتوية المظلمة، وناسها العجاف، وبيوتها الرثة المتلاصقة، ومقهاها الذي يشبه تابوتًا مهترئ الخشب. وحين يبلغ الشوارع العريضة، تبهره ضوضاؤها وسياراتها المسرعة وناسها المتأنقون وأنوارها الساطعة المتعددة الألوان، فيمشي بخطى...
أُوثقت يدا طفل في الخامسة من عمره خلف ظهره، وعُصبت عيناه الخضراوان بقطعة قماش قاتم، ووقف قبالته خمسة جنود وقفة استعداد متنكبين بنادقهم متأهبين لتنفيذ الجديد من أوامر ضابطهم المتوقعة. وتعالى صوت ضابطهم آمرًا، فسددوا بحركات سريعة فوهات بنادقهم نحو قلب الطفل، وأمرهم ضابطهم بإطلاق النار، واختلط صوت...
أعلى