سرد

أحرق أبو حيان التوحيدي كل كلماته المكتوبة على الورق، ورمق رمادها بتشف متنهدًا بارتياح. وأحسّ بالجوع، ولم يجد في بيته ما يصلح لأن يأكله، فمسح فمه بظهر يده، وحمد الله. ووقف أمام المرآة، فلم يعجب بما رأى، وتحوّل خروفًا تحوّل هرّا تحوّل ذئبًا تحوّل طائرًا أخضر الريش، وخرج من النافذة المفتوحة، وطار...
شهقت ضيعتنا مدهوشة لما علمت أن عمر القاسم قد صار وزيرًا. وها هي ذي ضيعتنا يا عمر كما تركتها وردة من طين، وعشبًا أصفر، ونهرًا من الأطفال الحفاة. وارتبك عمر قليلاً، ولكنه قال لأمه: (لا داعي إلى البكاء. لست ذاهبًا إلى المشنقة). فمسحت أمه دموعها بأصابعها، وقالت بصوت مرتعش: (ليس لي غيرك في الدنيا...
ذهب بلال الدندشي إلى مدرسته كعادته في صباح كل يوم، ووصل إليها متأخرًا، ودخلها وهو يرتعد خوفًا من معلمه وتوبيخه الفظّ الساخر. ولكنه وجد التلاميذ نائمين والمعلمين نائمين، فحاول إيقاظهم، فلم يستيقظ أحد. وسئم الجلوس وحده، فتثاءب ونام، ورأى في أثناء نومه أنه نائم في مدرسة تلاميذها نائمون نومًا عميقًا...
نظرت المعلمة إلى ساعة معصمها, وقالت لتلميذاتها : لم ينته الوقت بعد, وما تبقى سنقضيه في التكلم عن الحرية.‏وطلبت المعلمة من كل تلميذة من تلميذاتها أن تتحدث عن الحرية وما تعرفه عنها وعن الناس الأحرار.‏ قالت التلميذة الأولى : أمي هي الحرية تمشي على قدمين, تفعل كل ما تشاء, وتوهم أبي أنه حر يفعل كل ما...
كان سليمان الحلبي يمشي بخطى متئدة مبتهجًا بالهواء الذي يهب فيما حوله، مسقطًا الأوراق الصفر من الأشجار المنتصبة على جانبي الشارع، وكانت يداه قابعتين في جيبي بنطاله كطفلين نائمين. وحين توقف لحظة عن السير ريثما يشعل سيجارة، دنا منه رجلان، وجهاهما متجهمان، وطلبا منه هويته بلهجة صارمة. وارتبك إذ عرف...
كان منصور الحاف رجلاً من دمشق يهابه أشرس الرجال، بحرًا بلا موج، رابط الجأش في ساعات العسر وساعات اليسر، غير أن خنجره كان سريع الغضب، يجرح بازدراء ولا يقتل، ولا مهرب لخصومه من برق نصله الهبّار وندامة متأخرة لا تنجي اللحم من التمزق. وكان منصور الحاف يرحب بالسجن كأنّه مصح في مصيف، ويردد يوم يخرج...
ذهب بلال الدندشي إلى مدرسته كعادته في صباح كل يوم، ووصل إليها متأخرًا، ودخلها وهو يرتعد خوفًا من معلمه وتوبيخه الفظّ الساخر. ولكنه وجد التلاميذ نائمين والمعلمين نائمين، فحاول إيقاظهم، فلم يستيقظ أحد. وسئم الجلوس وحده، فتثاءب ونام، ورأى في أثناء نومه أنه نائم في مدرسة تلاميذها نائمون نومًا عميقًا...
تمرّن شكري المبيض مع زملائه في السجن تمارين رياضية لا تخلو من العنف، غايتها الحفاظ على سلامة صحته، فأدت إلى إصابة جسمه بالكثير من الرضوض والكدمات والجروح. ومارس شكري المبيض هوايته في شي الكستناء، الفاكهة المفضلة لديه، فأحرقت النار أصابع يديه وقدميه وظهره وصدره وبطنه. وحاول شكري المبيض حلاقة ذقنه...
جرت في المقهى مباراة صاخبة في لعبة الكونكان بين معروف السماع ورشيد القليل، كثر مشاهدوها وتطايرت في أجوائها التعليقات الحماسية الساخرة المتحدية، وانتهت بهزيمة رشيد، فتباهى معروف بانتصاره، ونصح خصمه بلهجة ممازحة بمواصلة التدرب ليل نهار قبل اللعب مع أساتذة مثله. فاغتاظ رشيد، ومزق أوراق اللعب، وقذف...
نسي رجل من الرجال اسمه ومهنته وعنوان بيته, فقصد مخفر الشرطة, وأعلم رجاله بما جرى له طالباً العون منهم, وتوقع أن يحال إلى محقق أو طبيب, ولكنه فوجىء برجال الشرطة يطوقونه وينهالون عليه بركلاتهم ولطماتهم وصفعاتهم ولكماتهم متذرعين بأن من ينسى اسمه وبيته وعمله, لا بد من أنه قد نسي أيضاً أن له حكومة لا...
احترقت الغمامة والموسيقى، والورد ودمى الأطفال، فلم أجد مكانًا أختبئ فيه سوى نهر كثير المياه، وهناك عشت طوال سنوات وحيدًا مستسلمًا لطمأنينة غامضة، حتى جاء في أحد الأيام صياد هرم، فانتشلني بسنارته من قاع النهر، وحدق إلي باستغراب وأسف، وقال: (ظننت أنك سمكة). فقلت له متصنعًا المرح: (لا تخطئ،...
دُق الباب فقامت إلى فتحه، وسألها الشاب عن ابنها في أدب واحترام، وأخبرته بأنه سافر إلى الدار البيضاء ولن يلبث أن يعود في هذا المساء كعادته.. وأظهر الشاب إلحاحا قويا في لقاء ابنها، فما كان منها إلا أن طلبت منه أن يدخل إلى البيت لينتظره، خاصة و أن المطر بدأ ينزل غزيرا.. وعندما جلس الشاب في الحجرة...
لم يكن للشارع غير اسم واحد : شارع الحرية , إلا أن المرويات عنه تعددت إلى حد يصعب حصرها : هنا ألقيت قنابل يدوية الصنع على موكب المارشال الفرنسي إبان الاحتلال . وعلى الرصيف المحاذي للميناء رست سفن أجنبية عملاقة , وتخلص الأهالي من عباءة الفقر بفضل السجائر المهربة و المصنوعات الجلدية الرديئة . أما...
تناهى إلى سمعه وقع أقدام تعتلي الدرج بعسكرية واضحة !..ألم يسأموا بعد ؟.. طرقاتهم كادت تخلع الباب .. هب من سريره ليفتح.. لم يمهلوه حتى يستفهم .. ألقوه على الارض منبطحا .. قيدوه ثم شرع كبيرهم يردد نفس الاسئلة الرتيبة .. قرر ألا يجاريهم هذه المرة وينفي ما يلصقونه به من تهم .. بل يلوذ بجدار الصمت و...
جال ببصره في أطراف الحديقة قبل أن يسترسل قائلا : لو علمت سلفا أن مآل هذه البلدة سيكون إلى خراب لوافقت "مسيو جون" على الهجرة إلى فرنسا قبل أربعين سنة .. كانت هذه الحديقة فردوسا يشتهي الوافد إليها أن يُدفن فيها.. أجل ! جداول الماء تنساب في صمت وتؤدة لتروي كل نبتة وشجيرة .. والحشيش الأخضر الزاهي...
أعلى