1- مقدمة:
ليس ما أكتبه هنا بحثاً أو قراءة نقدية، بل مقاربات تسترجع أبعاداً من واقع مازال حياً ونابضاً في الذاكرة والوجدان لما يزيد عن خمسين عاماً من صداقتي لشاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني، منذ أول لقاء جمعني به في صيف 1957م حتى رحيله إلى عالم الخلود في صيف 1999م. وبدايةً أود تأكيدَ حقيقة أنه...
لكَ أنْ تشربَ قهوتَكَ الليليةَ
في أيِّ مكانٍ،
في روما أو باريسَ،
وأن تشربها بالقرفةِ
أو بالهالِ
وباللَّبنِ الطازجِ
أو بالعسلِ الجبلي
لكَ أن تختارَ مكانَك
في مقهىً مغمورٍ بالضوء الباذخ
أو مطليٍّ بالعتمة
لكنك لن تتذوَّق فنجاناً
أشهى من فنجانٍ صنعانيٍّ
يأخذُ شكلَ بخارِ الغيمةِ
وهي تبلِّل جفنَ صباحٍ...
هنا ينام متعباً
من أتعب الأيام والفصول
من عبرت خيوله فوق جبين الشمس والزمن
فما ونى ولا وهن
حتى ونت من تحته الخيول
و استسلمت لراحة الكفن
فآثر القفول
ونام موهن البدن
***
من أيقظ العيون
... هنا
ينام متعب الجفون
***
بالأمس مر في سمائنا...
- 1 -
إبنُ هند يساومني أن أبيع لساني
وصوت غدي
وجماجم جند الحسين ،
ضع السيف حيث تريد
هنا في فمي
ههنا في دمي
أبغض الموت ، لكنني أتعشقه
حين يغدو الخلاص لجمجمتي من رماد الخيانة
- 2 -
قال لي ،
ورماد الخيانة يحجب عينيه
والليل يسقط من شفتيه ...
منذ أن عاد إلى صنعاء، من دراسته الجامعية في القاهرة، صار يدعو العالم الثقافي إلى اليمن، في ما جلس بجوار باب صنعاء لا يغادرها.حتى أن معظم الكتاب والمبدعين ربما عرفوا اليمن قبل البلدان الأخرى في جزيرة العرب والخليج.
٭ ٭ ٭
بعد زيارتي الأولى لليمن، منتصف الثمانينيات، بدعوة من عبدالعزيز المقالح،...
على المنحدر الوعر لوادٍ كبير وعالٍ في جنوب الغابة السوداء توجد، على ارتفاع 1150 مترًا، دارةٌ صغيرة للتزلج على الثلج، مساحتها 6 x 7 أمتار مربعة. يؤوي السقف الوطيء ثلاث غرف: المطبخ الذي يصلح أيضًا قاعة جلوس رئيسية، ومخدع النوم، ومكتب العمل.
تتبعثر في العمق الضيق للجبل، وعلى المنحدر المقابل والوعر...
لا برَّ في الحُبِّ يا أهلَ الهوى قسَمي
ولا وَفَتْ للعُلى إنْ خُنتُكُمْ ذِمَمي
وإنْ صبَوْتُ إلى الأغيارِ بَعدَكُمُ
فلا ترقّتْ إلى هاماتِها هِمَمي
وإنْ خَبَتْ نارُ وجدي بالسُّلوِّ فلا
ورّتْ زنادي ولا أجرى النُهى حِكَمي
ولا تَعصْفرَ لوني بالهوى كمَداً
إنْ لم يورِّدْهُ دَمعي بعدَكمْ بدَمي
ولا...
صبٌّ له في الهَوى شرحٌ وإملاءُ
وَفي مذاهبه وحيٌ وإيماءُ
يرى أصادقه اللوّام أنّهم
له وإن نَصحوا في اللّومِ أعداءُ
بانَت أُميمةُ منه واِختشت جَزَعاً
مِن بينِها كبدٌ منه وأحشاءُ
بَيضاءُ كالشمسِ لعساءُ المراشف
هيفا الموشّح ريّا الردف لمياءُ
يشفي ترشّف فيها جرحَ ناظِرها
في مُهجَتي فهي لي برء وأدواءُ...