امتدّت تجربة الطّاهر الهمّامي (1947-2009) الإبداعيّة على ما يزيد عن خمس وأربعين سنة، بدءا من المراسلات الأولى Sans titre-5لمجلّة الفكر سنة 1964، وقبلها محاولات عهد التّلمذة التي كانت منفتحة أكثر على هموم النّاس وأوجاعهم في العروسة مسقط رأسه وعلى قضايا أخرى وطنيّة وقوميّة.
وربّما كان التّحوّل...
مرت الذكرى الثانية لوفاة الطاهر الهمامي في صمت فرضته حالة الحصار والقمع المفروضة على الشعب التونسي عامة وعلى قواه التقدمية بالخصوص. وهذا الحصار شمل الأحياء والأموات على حدّ السواء. فالدكتاتورية التي منعت منذ سنوات ذكرى إحياء استشهاد نبيل البركاتي لا نخالها ستتسامح مع أيّ مبادرة لإحياء ذكرى وفاة...
يا أُمّةً شبعتْ من جُبنها الأمـــــمُ
يُخيفها الحبر والقرطاس والقلــــمُ
ما أسعد البهموت ارتاح في تعـــس
وأشقَيَنَّك إذ تعلــو بك الهمــــمُ
اُبصم بخُفِّك لا تخجل فأنت لهــــا
تغْنَى وتغنم من أحفافها البَهَـــــمُ
كَسِّر يراعك لا تكتب علـــى ورق
واكتب بساقكَ تحيا الساق والقـــدم
....
يا أمّةًً...
فى واحدة من الأمسيات الرائعة، كان هناك موظف حكومى لا يقل جمال وروعة عن تلك الليالى،يُدعى " إيفان ديميرتش تشيرفياكوف"، كان يجلس بالصف الثانى بأحد الصالات ، محدقا بمنظار الأوبرا الخاص به، فى عرض cloches de corneville
(هو عرض أوبرالى كوميدى، يتكون من ثلاث فصول، للمؤلف روبرت بلانكيت).
كان ايفان...
الكون غارق في السكون. . . والفضاء العريض يموج في رهبة، وقد هجع كل حي إلى مضجعه يتقلب في جنوبه. . . والطير قابعة في أوكارها تحتضن صغارها. . . حتى من وكل إليه الأمن قد سرت سنة من النوم إلى جفونه فراح يغط في خفقة وسبات.
ولف ظلام السحر كل شيء سوى غلس الصبح الوليد في الشرق وهو يتجلبب بصفرة شاحبة. ...
دعاني مرة لزيارته في قرية (كوشو كوي) حيث يملك قطعة ضئيلة من الارض ومنزلاً أبيض من طابقين، واطلعني علي ضيعته المتواضعة وهو يحدثني طيلة الوقت حديثا ينبض بالحيوية..
قال:- لو ملكت مالا وفيرا لاقمت هنا مصحة من أجل المرضي من معلمي القرية .. نعم .. بودي لو أنشأت بناء يملؤه الضياء .. أتفهمني ؟ .. فيض من...
من الماضي أو التلميذ
كان الجو في بداية أمره منعشاً هادئاً. . تنبعث خلال سكونه الحالم أغاريد طير (الأج) العذبة. . . والمستنقعات قد حفلت بأجسام ضئيلة حية ترسل أنات متحشرجة محزنة أشبه بفحيح الأفاعي. . . وانطلق طائر (البكاسين) فرددت الريح صدى دوي الرصاصة التي صوبت نحوه. . . بيد أنه حينما بدأت...
أخذ السحاب الجون يتكاثف حتى حجب السماء، وطبق الأرض، وأرسل المطر هتانة، حتى أصبح إقلاعه بعيداً أمده. فجاء اليوم عابس الوجه. لا ترى في أرضه غير البرد الساقط، وطير الزاغ ويبلله القطر، وفي داخل المنازل امتد غبش الليل واشتد قارس البرد حتى أمسيت تشعر بالحاجة الشديدة لحرارة المدفئة.
كان بافيل بتروفيتش...
يعود ايفان كراز نوكين، وهو محرر متوسط في صحيفة يومية، دائما لمنزله في ساعة متأخرة من الليل مكتئبا حزينا، على سحنته الوقار وفي مشيته الجلال. وأحيانا تراه جامعا أشتات فكره مستغرقا بكليته في تصوره كأنما يترقب أن يفتش أو يفكر في الانتحار. ذرع عرض غرفته، ثم توقف ونفش شعره وقال في لهجة (لابرتس) منتقما...
أين الليالي اللواتي سَبَّبَت سَقمي
يا ليلةً بعدها عيناي لم تنمِ
مَرَّت كَطيفِ خيالٍ كان يُسعِدُني
لو دام لكنه وَيلاهُ لم يَدُمِ
يا نظرةً أرسلت سهماً إلى كَبِدي
فبات من جُرحِهِ في ثورةِ الألمِ
سرى الهوى كلهيب النار في جسدي
فالقلب في حُرقَةٍ والجسمُ في سَقَمِ
سُهدي حنيني عذابي لوعتي لهفي
دموعُ...
في أصيل أحد الأماسي المطيرة في مدينة (وهان) الصينية قبل أربعة أعوام، وقفتُ عند قبالة نافذة غرفتي المطلة على الشارع الرئيسي، في المدينة بفندق مارشال أوتيل، أطوف بعيني الثملة بسحر المدينة، لمحت في الرصيف المقابل للفندق شاب وفتاة يجلسان على الأريكة الموضوعة للراحة في الرصيف، بعناق وانسجام قل نظيره...
تعودت دوما، وما أسوأ العادات إذا لازمتنا في غير ميعادها.. أن أصحو علي طعام في فمي.. كبرت ولم تكبر معي عاداتي فأصبحت أتكاسل عن القيام بها بنفسي.. فقط أحتال علي عقلي واهما إياه أن وقت الطعام قد إقترب، فيحتال عليّ عقلي وتنفتح عيناي نصف فتحة، ويستيقظ جسدي نصف استيقاظ وأنطلق بنصف طاقة حتي أجد...
يا حياتي ويا حياتي إلى كم
أحتسي من يديك صاباً وعلقم
وإلى كم أموت فيك وأحيا
أين مني القضا الأخير المحتم
أسلميني إلى الممات فإني
أجد الموت منك أحنى وأرحم
وإذا العيش كان ذلاً وتعذيباً
فإن الممات أنجى وأعصم
***
ما حياتي إلا طريق من الأشواك
أمشي بها على الجرح والدم
وكأني أدوس قلبي على النار
وأمضي...