قصة قصيرة

عزيزي المستمع، كان لي جارٌ له في الحياة طريقة يعرفها ولا يعرف غيرها، كان يعرف للقرش موضعه.. أو بالأحرى "لكلِّ" قرش موضعه. قَلَّما صادفتُه خارجاً من بيته في الصباح، فهو يخرج في السابعة، وأنا كنت أخرج في السابعة والربع. فإذا ما أطللتُ من نافذتي في السابعة وجدته قد بدأ يتدحرج في الشارع. فهو رجل...
تستيقظ كل يوم باكرا, قبل أن يخرج الفلاحون للحقول وقبل أن تنتشر الدواب والمواشي على الأرض, تقصد الساقية الجارية البعيدة عن بيتها, تملأ جرتها بالماء وتعود إلى البيت.. تضعها في ركن لا يصل إليه الآخرون من أبنائها وزوجاتهم وأحفادها.. ولا يحق لهم الاقتراب منها. عجوز طويلة القامة بجمال بربري خاص, شامخة...
كان غنوصيا يمسك بتلابيب الاقدار كأنه يُؤمِنَ لها السير في عالم الأرواح الميتة، غالبا ما يراه الناس يسير دون أن تلف أقدامه سف التراب كأن طيرا ما أو جنا يحمله يسابق الريح حيث المقابر التي يقضي جل وقته قابعا بين القبور يخاطب هذا ويحفر عند ذاك.. عرفته الناس بإمكانيته مخاواة الجن بعزم أخرس يمكنه أن...
عندما عرضتُ عليه شهادتي الجامعية، كنتُ فخورة بنفسي، مزهوة بها كطاووس من طواويس ملوك بلاد فارس القديمة. و كان رأسي يناطح السحاب ويحتك بزرقة السماء... إجازة في اللغة والآداب العربية، أبليت كثيرا من سراويل الدجين للحصول عليها، فعلقت النسخة الأصلية منها في صدر بيتنا ،وأقام لها والدي الأفراح والليالي...
لقطةٌ أولى عِطرُكِ مميّز ، أعشقهُ .. حين قالها لم يعرف أنّ أنفاسه استباحت مُدني فَتَخَضّبَتْ بها روحي فما كان منها إلاّ أنْ اصطفّت طوابير عبقٍ غير قابلٍ للنثر .. فلتعانق دموع عطري بياض روحك فـلا تُقرأ خريطة الأنفاس الاّ بالمحبة . أَمضي ، فتعانقُ رئة الوفاء رذاذه قبل أنْ يبرد ، ويكتبني بحبرٍ...
أطفال قريتنا يحبونه .. ولا ينامون حتى يأتي إليهم .. ويرونه , ويسمعون صوته .. ويجرون خلفه ليتبعوه بفوانيسهم الصغيرة الجميلة, الملونة غالية الثمن , فما أن يسمعوا صوته قادماً من بعيد .. حتى ينطلقوا نحوه كالفراشات الملونة التي رأت النور وهم منفلتين .. يلتفون حوله في فرح وسعادة .. مبتهجين .. بصياحهم...
إنَّ ظاهرةَ النينو موجودة في الحقيقة، والدليل الأوضح على وجودها هو برودة فصل الشتاء عن السابق، حيث كان في السنوات الماضية يمر بسرعة كيعسوب يلامس سطح الماء، تاركاً الناس مرتبكين في حالة ما بين السعادة والحزن. خلال الشتاء كنت ما زلت مسؤولاً وقت الظهيرة عن توصيل ابنتي الصغيرة إلى المدرسة، وكنت أرى...
منذ أن هبط الضباب، نما لكل شيء في الأرجاء ريشٌ طويلٌ جداً لا يتوقف عن التواثب. كنت أمضي اليوم بأكمله محدقة العينين حتى أرى أي شيء بوضوح، وآلمتني عيناي أشد ألم. هذا الضباب اللعين الذي يغمر الأنحاء، حتى أنه يملأ الغرف كلها، كدخان كثيف متفجر، يغطي الفضاء من الصباح إلى المساء، تاركاً الجدران رطبة...
لأنني ساذج ، لأنني ثخين المخ ، سأسلخ الساعات الأخيرة التي تبقت لي على هذه الأرض في شتمكم ... تسألوني من أين واتتني الجرأة ؟ عجباً..! لقد نسيت خوفي في مكان ما .. هناك ، في الأحراش الجنوبية …. أسألكم عن صغيري .. طفلي الحبيب الذي غادر الماء ولم يرجع ، لم قتلتموه ؟ والى أين أخذتم أنثاي .. وإخوتي...
لا تكن مثلي... تضيء للنّاس ومن ثم تدفع الثمن، أستعجب حالك!! فبعد ان ناولك الدهر صفعات أطالت عمرك المستشري عذابا دون ان يهيد أو يستكين... لم أشهده لحظة قد أخذ هدنه أو أراح أكف، فدوما يغزل لك المكائد كي يلهيك مثلي.. لم احسب كم هو طول الفتيل الذي ألبستني؟ فغالبا ما تلبسنيه في عتمة خلسة، حتى لا...
في البهو الفاصل بين الرغبة والرهبة يقف العقل مخمورا , مبهورا.. والروح تئن من شدة الجوع والعطش , موسيقي وغناء , رقص , ومجون , ووجع لامتناهي في تلك الليلة لم توصد النافذة كعادتها , الغرفة شبه مضاءة.. تظهر واضحة المعالم أمامه تضغط مكبس النور .. غادة حسناء متجردة من زينتها , اللهم إلا غلة صغيرة تبرز...
الى رداد الصديق لم اتساءل يوما ايهما كان السباق عن الاخر. ليس لاني لم اكن قد بلغت مرحلة التعامل مع الافكار في بعدها المجرد. و انما لاني عشتهما كحياة، امتدت خلف بوابة ، و دون ان ادري الى اين كان يمضي الممر الذي كانت تنفتح عليه. و لذلك وجدت نفسي كجسم عائم ، تتداول حمله الامواج. تخفضه موجة لتسمق...
إذا فقد المرء والديه يصير يتيمًا، بغض النظر عن سنه. ينهار معهما الباب الذي دخل منه إلى هذه الدنيا، وحاجز خروجه منها. عندما يكون الأبوان على قيد الحياة، يكون درب حياة المرء الذي يمضي فيه قدمًا واضحًا أمامه، ويصبح طريق خاتمته مشوشًا. وعندما يرحلان، يصير طريق حياته غامضًا مبهمًا مع مرور الوقت،...
تلك الليلة الماطرة والباردة كانت ليلة موحشة شعرت فيها بالخوف، ذلك الخوف الذي يحتاجه الإنسان أحيانًا، ويثير في النفس رغبة حميمية بألا يكون وحيدًا، ذهبت إلى غرفة أمي وبخجل وقفت على الباب، لم تسألني تلك الأسئلة التي تشعرني فيها بأنني كبرت ويجب أن أنام في سريري. بل أشارت بيدها: تعالي، فهرولت نحوها،...
الصفعة‭ ‬التي‭ ‬تلقيتها‭ ‬ظُهر‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬يد‭ ‬أمّي‭ ‬تركتِ‭ ‬احمرارًا‭ ‬لا‭ ‬تُخطئه‭ ‬عينٌ‭ ‬على‭ ‬خدي‭. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬صفعة‭ ‬حاقدة‭ ‬أو‭ ‬مُؤنبة،‭ ‬كانت‭ ‬حركة‭ ‬لا‭ ‬إرادية‭ ‬تُلازمها‭ ‬باستمرار‭ ‬وتصدرُ‭ ‬عنها‭ ‬كلّما‭ ‬فاجأها‭ ‬أمرٌ‭ ‬ما‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تستوعب‭...
أعلى