قصة قصيرة

منذ صغره تعلم الرسم قبل كل شيء، قبل تعلم الحروف وسائر المعارف الأخرى... رسم صورة أخيه الأكبر وأخته ومعلم الرياضيات الذي يكرهه ويتمنى أن يفصل من المدرسة، فهو لا يأتي إلى الصف إلا والعصا الغليظة معه... كبرت خطواته وسارت الأعوام سريعة، نظر إلى المرآة وأدرك أن الوجه الطفولي قد اختفى، ويقف أمام...
اطفأتِ النور وتركت جسدها المتعب يرتمي على السرير، امتدت يدها دون شعور منها الى المذياع فتدفقت الاصوات واختلطت الاذاعات: قررت القوات الامريكية سحب اخر لواء لها عبر الاراضي العراقية تطبيقا لاتفاقية الانسحاب. ادارت موجّه المذياع: الفيضانات تشرد سبعة ملايين من سكان باكستان، الحرائق تجتاح روسيا...
أسمعُ العربات تهدر خلف سياج الحديقة، حتى أنني أحياناً أراها من خلال ثغرات متمايلة بلطف في أوراق الأشجار. كيف يصرصر خشب مكابحها ومحاورها في حرارة الصيف ! عمال قادمون من الحقول ويضحكون وكأن هناك فضيحة. كنت جالساً على أرجوحتنا الصغيرة، أرتاح بين الأشجار في حديقة والدي. على الجانب الأخر من السياج...
كلما رأيتكِ تمشين إلى جانبه تشتعل ناري .. فأسير خلفكما متخفياً .. كأنكما تسيران على قلبي .. أسايركما من بعيد .. تتحابّان وأتحرّق .. تتشابكان وأتمزّق ..تتحدان وأتفرّق وناري لا صوت لها ولا ألسنة لهب .. ولا بصيص جِمار ولا دخان ولا رماد .. كالمكواة الكهربائية تروح وتجيء على قلبي .. ترسم عليه...
حرصتُ، منذ سكنتُ في ذلك الحي الخلفي، على أن أوقّر سكانه ويوقّروني. لا أكلّم أحدا ما لم يكلمني. "اقْحب وْزْها مْع النّصارَى وْليهودْ وخلّي بْنات الحومة عْليك شْهود"... يا لَذلك "البرغوث" اللعين! كلماته البعيدة ما زالت تسكن ذاكرتي، كأنْ قيلت بالأمس فقط. "لم أعد أقحبُ مع النصارى ولا مع غيرهم"،...
قدحان، شمعتان، خمر وعسل وبيض سمك، فجل وجرجير وريحان، أظافر، عظمة حُقٍ لرجلٍ ميت، وفرخ دجاجة مريض، وسمّ ثعبان نهري، كتاب شمس المعارف، ونجمة تضيء في السماء الأولى، هي لا تأتي، وهم يأتون إلى المائدة من فوق سطوح البحار، ومن المقابر، والخرائب، وكهوف الجبال، وهو يطلسم والدخان يظلل وجهه المتعب: سكروش...
يرتجف رعبا (( انتهيت يا كريم )) ترتعش هلعا (( انتهيت يا ندى )) يداها لا تطاوعان ... يداه تتخاذلان تجر نفسها الى المرحاض ، تغلقه ، عزمها المتحلل و قوتها المتلاشية ، تجمعهما معا لتقفل بابه بالمفتاح ... ثم تنهار . يسوي الفراش ، يداه لا تقويان على الارتفاع لكي يسوّي شعره المشعث . القصف على الباب...
غمامة العصافير التي طارت قرب الشمس، حملت معها نتفا من قلبي، لكني أوليت لها ظهري ومضيت أركل الأحجار التي بالطريق. سماء من الزرقة والوهج كانت تلوح بي.. من الزرقة والوهج! وكنت أحاول الفرار من تلك الذاكرة التي تشدنا دائما لأماكننا، بينما الأيام تتساقط مهملة أمام أعيننا، أقول-تلك الذاكرة هي صنو...
أحتاجك قليلا عندما تسقط أسناني وتئن مني الملامح.. تشد لي خيوطي، فأتحرك، لأسمع ما تسمعون، وأبصر الذي يروح ويجيء.. وأحكم الغطاء عليك والأنات حتى لا تشرد.. كيف تراني وكيف عرفتك مشاعري.. أيقنت أنك مني، وعلامات السوط الأزرق على جلدك وحول سلسلة ظهرك وفي المعرض اليومي على الورق للجمهور. كان الليل أقصر...
ينفخ حسين الجمل في سيكارته ويده ترتجف. يبدو كمن حزم أمره أخيراً وقرر أن يتحدث عن نفسه وعن محمد العبد الرحمن، وعن حيفا العتيقة. هل تموت المدن؟ ماتت حيفا أمام عينيه. وكان دوماً يؤجل حديث موت حيفا المدينة، ثم نشروها ناراً تتأجح في الصدور. كان يعتقد أن على غيره أن يتحدث عن ذلك. من يدري؟ لربما كان...
أصوات قرع نواقيس كنيسة الأرمن الواقعة بداية شارع النضال تطرق سمعي بعد أن خلفتها وراء ظهري ماشياً وخطوتي بحجم مساحة بغداد باتجاه ساحة الطيران كأني فلاح أحرث ابتسامتي في وجوه المارة ، أنعقد الصبح وأنا وحيد ، ضائع مثل ضوء في الضوء ، صباح بغداد فتح كل نوافذ البغداديين ، أسمع أصوات ضرب النواقيس التي...
فى الشارع الطويل ... وحيدة تسير فى طرقات واسعة .... عليّها تضيق... تتوه فى أفكار تأرجحها كريشة فى مهب الريح... تفكر لم أنا ؟؟ لم الجرح هكذا يؤذيني... لم لا يشعر بي هو... كيف أستطاع أن يتركنى ... الطريق شبه مزدحم... وداخلها شبه فارغ...تحاول أن توقف التفكير فيه...أن تذهب بعقلها بعيدا بعيدا... أن...
جاءكَ الموت قبل أن تحزمَ حقائبك وتربط سيور حذائك .. قبل أن ترتّب سطح مكتبك .. وتصنّف أوراقكَ المبعثرة .. جاءك الموت على حين غرّة .. لصاً داهمَك .. كان يتلصّص عليك كأفعى تنتظر بدهاء .. لها فيك لدغة واحدة ولكنْ ... قاتلة! رحلتكَ بدأت الآن .. وما سبق من حياتك الدنيا كان استعداداً وتحضيراً...
بعد أن سمع الشيخ لتفاصيل الحلم المؤرّق ... تساءل قائلاً: - وماذا حدث بعد ان انزلقتَ إلى حفرة الوحل؟ - حاولتُ الفكاك ونجحت - وهل تخلّصتَ من بقاياه ؟ - نعم ولكنه علِقَ على شاربيّ فقط .. فلعقتهما وبلعتُ لعابي المخلوط بالوحل .. جفّفت نفسي ونظرتُ خلفي فرأيتها تغرِفُ من الطين وتصنع تماثيلاً على...
في البدء: "نكره الخيانة ولكننا نضطر إلى أن نخون" "اللسان حاستنا الباحثة عن الأمان" للمرة السابعة أطوي فراشي وأخرج، أدور في الصيف عن فم امرأة وليس في الشوارع نساء، سبع محاولات انتهت ولم أنم، كنت أتخيل فيها جلد امرأة ينهي يقظتي وجلود الخيال حيوانات شتى تملأ رأسي، رأسي الحامل كبريائي لم يعد يحمل...
أعلى