قصة قصيرة

كان العز عبد السلام يمضي في أحد شوارع المدينة ، وكانت رأسه نهبا لانفعالات شتى انعكست كلها علي وجهه الشاحب ، ونظراته الحائرة ، ولحيته المرتعشة . ومن آن لآخر يرفع رأسه المنكسة ، ثم يجوب بنظراته الشارع طولا وعرضا ، وسرعان ما يضع كفه فوق عينيه أسي ولوعة .. إن ما يراه أمر فظيع حقًا .. هل كان يتصور أن...
قسّم السماء شوارعَ، واختار منهم شارعين، وبني فيهما بيتا كبيرا واسعا، وسكب في شوارع أخرى مياه البحر الكبير الذي كان يحلم بتخطيه إلى القارة المقابلة، صنع من السحب قاربا شراعيا، اختبره فوجده متماسكا كما لو كان مصنوعا من الخشب والحبال الغليظة، انحنى وتفحص وجوه الجميلات الجالسات على المقاهي يطلقن من...
هل هو انعكاس السماء على البحر أم تأثير البحر على السماء؟ وكيف يعرف أحد أن نجوم السماء لا تنعكس قوارب فى البحر، وقوارب البحر لا تنعكس نجومًا فى السماء؟ أو كيف أن البحر والسماء كانا يرتديان "أزرق" منذ وصولهما للحياة ولم يكونا بلون آخر، أو كانا بلا لون حتى وصل "أزرق" للحياة؟ "أزرق".. اللون...
عندما مر مخموران بمحاذاتي، كانت هناك ألف فكرة تطن في دماغي، من بينها أني لم أعد سورا، بل جدارا لنهاية العالم، لا شيء خلفي سوى العدم. لم يكن ذلك صحيحا، كل ما في الأمر أني كنت غاضبا جدا، لأن الفكرة الوحيدة التي خطرت للمخمورين هي التبول تحتي. فقد كف العابرون منذ زمن عن تسلقي فضولا وطمعا فيما...
عزيزي رياض، لا شك أنك تقول الآن إنني قد جننت، فهذه ثاني رسالة أكتبها لك في يوم واحد، ولكنني في الواقع أكتب لك هذه الرسالة الآن كي أوضح لك أمراً، لقد اكتشفت أنه محض جنون أن أكتب وأقول لك: ابحث معي حيث أنت، عن رجل طويل جداً، صلب جداً، لا أعرف اسمه، ولكنه يلبس بدلة خاكية عتيقة، ويلوح لأول وهلة...
المدينة تتقيأ سكانها وشارع البحر يفتح ذراعيه للجميع‏,‏ كنت وصديقي معا يدا في يد مع تحرك قرص الشمس في تؤدة ناحية الغرب‏,‏ اصفرار دخان المدينة المتصاعد وشحوبي صورة رتيبة‏.‏ كنت أبحث عنها بين طيات الشوارع وبين ثنيات الحواري الضيقة وأمام الفاترينات التي تعشقها وبين أذرع الرجال تخيلتها بين أحضانهم...
توقف المطر بعد ثلاثة أيام.. دخل الضابط الغرفة الخاصة لقيادة القوة.. وانتصب واقفا أمامه، القائد كان يمسك الهاتف بيده اليمنى ويتكلم بغضب: (أحد لايبعث بالجثث، أريد رؤيتها بعيني، يجب أن يشكل تحقيق خاص حولها). حين كان القائد يتحدث.. يتحرك يمينا ويسارا ويدور على كرسيه الدوار ويحدق الضابط بعض الحين...
إنني خائفة من كل شيء. أمشي بجسدي الغريب. لم أتقبّله بعد، هذا الجسد الذي يمتدّ في كل الاتجاهات. لديّ الآن كرتان في الصدر، وعشب ينمو تحت إبطي وما بين ساقي. ولديّ هذا الخوف الذي يتغلغل عميقا بداخلي. كنت صغيرة عندما قال لي أبي: - أنت كبيرة الآن. لن تحتاجي لعبا لأنك كبرت. أبي الذي لم يشتر لعبا...
تمتطي بقرة سَلْقِيَةَ العينين وتراقب بانتباهٍ رجلا في عقده الخامس يشعل نارا على شاطئ رملي. كان يمسك غصنا صغيرا بيده اليمنى ليُقَلِّبَ الحطب الذي يُرْغي ويطقطق غبارا أزرق كثيفا، وفي اليد الأخرى يمسك علبة “الهنيكن” يعب منها جرعات متباعدة. ممدّدا كان على جنبه الأيسر، يفترش معطفا طويلا من الكشمير...
تضحك، وقد تذكّرتَ النّساء يغسلن الصّوف في الوادي الزّمان: 15 مارس 1977. المكان: وادي أولاد جحيش، حيث جفنة حجرية تسَعُ ثوراً. تذكّرتَ ذلك من قرينةٍ تحتفظ بها في رأسك: يا له من محظوظ ابنُ عمّك موسى! في المدينة يدرس/في المدينة يعيش! وفي ذلك الربيع جاء قرية أولاد جحيش يتذوّق العطلة. قليلًا ما...
” بَعض الكتّاب، لَيسوا كتّاباً مثلَ الآخَرين..” كريستين آنچو/ روائيَّةٌ فرَنسيَّة. شكراً على رسالتكَ التي وصلتني صَباحاً. عندما خرجت صباحاً باكراً، تفقَّدت علبةَ الرسائل الصّفراء التي كتبَ عليها اسمي بشكلٍ سَيّئٍ. كتبت مرّاتٍ عدّة إلى حارسَة العمارة، راجياً أن تجدَ حلاًّ لهذه المشكلة. لا ينفع...
هو الحب هكذا. لا يحترم سوى نفسه. يعجبه أن يولد في الظروف والأماكن الأكثر غرابة، كالجنائز مثلا. في جنازته التقيتُها، وكان الحزن ينهش قلبي على فراقه المباغت إثر حادثة سير غبية. كانت جالسة بجانب والدته، وكان بإمكاني أن أتوصّل إلى معرفتها بين الملايين ودون سابق لقاء. عرفتها من كلامه عنها ومن وصفه...
كانت قطرة دم ساخنة.. ومجهولة، نزلت بين فخذيّ بشكل مفاجئ، وأنا في الحادية عشرة من عمري. حين زارتني الدورة الشهرية لأول مرة، اعتقدت أني فقدت بكارتي. لم أكن أفهم معنى البكارة ولم يجبني أحد عن سؤالي الذي ظل لغزا لزمن. أنا فقط كنت أسمع هذا الاسم يتردد كثيرا بين الممرات، وينزل على الرأس كالفأس. وكلما...
حزينا جدا. سرت في الشارع دون هدف. لا أدري لم أنا حزين! الشارع مملوء بالمارة، وأصوات الباعة تتعالى. في الحقيقة هناك أكثر من سبب للحزن. ظلت خطواتي ترسم على الإسفلت، لكن المدينة لم تكترث بي ككل مساء. سنواتي تتوالى مسرعة، والشيب أخذ يشق طرقه، والمدينة بلهاء. من أين يأتي كل هذا الحزن؟! في الشارع...
أصدقائي، أنا آسفة.. نعم آسفة، آسفة حيث لا ينفع الأسف، ونادمة حيث لا يجدي ندمي. لن أطيل عليكم، ولا أطلب العفو والسماح؛ لأني لن أستطيع مسامحة نفسي، تلك الدنيئة التي حملتني للوقوف بينكم في مثل هذا اليوم. سبع سنوات مضت على رحيل الرفيق الشفيع السني والجرح ما سكت نزيفه.. في مثل هذا اليوم من كل سنة...
أعلى