في أي سفر غافلت أزهارك
رموش عيناي
ومن أي ربيع
تتسلل فراشات الحنين
سألتني وهي تقف كحورية
على كتف المساء
قلت وقد فاضت زفرتي
يا نفحة الروح
رضابك وحده وريد قصائدي
فغفت مثل خيوط الماء
على أورقي
في صخب العتمة
يسكنني طيف العبث
بغفلة من جموحي
تُخفيني بثوبها
لتناسل لون المُدام
وينمو الهذيان
حد فوضى...
صوفيّ المزاج أنا
حزين مثل شمس أضاعت حقولها
وشعائري لون الحشرجة
متأخراً يشرّع السرو الغابة البيضاء
يبشّرني بحتفي الأول
حيث يزجر مطر العابرين الأجساد الطرية
هناكَ في صَرْصَرِ العتمة المتورّمة
أخشى ألاّ تعرفني ضفاف القناديل
قد غبت طويلاً حتى نسيت الطريق
وأن يعبرني درب الصنوبر
نحو مواجع...
ذاتَ مساء
في قريتي البعيدة
كنتُ عزمتُ الرحيل
حفرتُ حفرةً
نزعتُ قلبي وزرعتُه فيها
ثم أهلتُ عليه الترابَ والذكريات
رويتُ تربتَهُ بالكثير من الدمع
والأسرار
ثم منحتُه قبلةَ الوداع
كنتُ كلَ ليلة أعودُ من منفاي
وأرويه بدموعٍ جديدة
دموعٍ طازجةٍ نتيجة خساراتٍ مدبرة
وأصدقاءَ خائنين وانتكاسات
ومشاريعَ...
حين كان والدي شيخاً قوياً
لم أكن أعلم في فيض هبوب المطر
يذروني الفقد كالقفار
بلا ماء ولا كلأ ولا جدار
أن ساقيتي مبتورة
بقلبٍ يرقب مواسم الجفاف
وأنني كنت معلقاً من ساقي المجنونة
على درب السفر
ليس لي سوى حذاء كسيح
وفراشة ترابط قرب هامة الضوء
كنت أغفو مثل قط القرية
خلف قرميد الطاحون
حين تعلمتُ...
1
في وتر أصابعي
أقطف سكون اليقظة
وأبحث عن صراخي
بخمسة أقواس
قبل أن ينزلق الغياب
إلى عمق الدروب
2
تقضم الرمال وجه الماء
وتتعثر الأشرعة
يشتد مخاض البحر
والزورق يفقد رشده
لكن وجوه العابرين
تغفو في عمق السكون
3
جوعى بلا خيل ولا طوفان
مثل اليتامى يستديم تعبهم
وخلفهم تقشر المرايا السوداء
قلب...
خلف بياض البحر
ترقبت صوت العصافير
فاض الموج فراشات
وضجر الماء من الألوان
لا مهرب للرمل المرتبك
تعثرتُ بتقاطيع الضوء
وجذبتني مراكب الغرباء
من يقظة الحكاية
إلى هاوية السبات
سألوني عن زهرة الريح
وعن الأسماء المبعثرة
كانت طلاسم الصور تتناثر
وتمتد خراباَ ووعداً
قالوا كيف ننجو
ليس لنا سوى مصيدة مبتورة...
هكذا انتهى سخاء الماء
دخل البحر إلى الكهف آمناً
والدروب انتعلت أقدام الراحلين
منذ كان حقلاً يرقب السحاب الهزيل
كلما خرج الملح من الرمل
كنتُ شجرة كسيحة مسفوحةً
عارية الجذر
لهذا كبرتُ في درب الفراشات
ونَمَتْ قربي الحكايات في الأغصان الضيقة
لأن النهر البعيد ابتلع وجه الغيم
لم يكن بيدي بعض أمري...
الطريقُ من العراق إلى العراق
خيطٌ حَلَزُونيٌّ رفيع
في الرؤيةِ الغامضةِ
هناكَ
سطوٌ
وحذرٌ
وعيونٌ غريبة
أرقٌ يبيتُ في حضنِ المدن
ينسلُ في الظلمةِ
يختالُ غيلةً
واحتيالاً
هناكَ أنا وحدي
أمثلُ اللامنتمي
بقيتُ غائباً
مندثراً في الهضاب
وهناكَ
دبيبٌ مستترٌ تحتَ المفازات
ينتظرُ الحبوة
ليلتفَ على رقابِ...
لحظة فارقة
هيّجتني
أغضبتني
أخرجت حمم السباب
أرجم بها
المجتمع المحافظ في العلن
وأرسم بجسدي الحُر
فضيحته
فأنا بنظره
ناقصة مارقة
****
حوصرت
بهذا القماش
كَبَّلَني
وجعلني
كالمومياء
ملفوفة بالشاش
تختلف ألوانه
لكن ما فائدة اللون
السجن هو السجن
في زنزانة كان أم في قماش
في سِجني تعلمت
نفاق النفاق...
مدخل
/ نتشابهُ بإختلافٍ
يا قُرَّة حرفي
ونختلفُ بتشابهٍ
يا مراميشَ نبضي .. !! /
***
أيُّها الشبيهُ لي .. أيُّها المختلفُ عني
فيكَ شيءٌ
من غموضِ الليلِ
ومواويلهِ وقناديلهِ
وأرقهِ وقمره
من اِرتشافِ الشبابيكِ
والحاراتِ والزواريبِِ
لـ فنجانِ الصباح بـ سُكَّره
~~~
فيكَ شيءٌ
من عطرِ الأحلامِ...
هناك في السماء حركة لا تستقر، رياح عاصفة وسحب مسافرة وشمس تبرز وتغيب فنهار يطلع وليل يحلّ، فجوقة تعزف ما يجمع الهواء بالفضاء والنور بالشمس والسحب بالسماء.
ثم تبرز في الفضاء الطيور، تجوب الجهات : الشرق الغرب الشمال والجنوب، وتدور تدور وتحلق برشاقة وهي ترقص على أوتار الجوقة العازفة ....
فالجوقة...
عَبَرَ الإسفلتَ إلى الجهة المقابلة
رأى ما يشبهه هناك
أمام محلٍ لبيع المناديل
أرادَ أن يسلِّم على نفسه لأوَّل مرة
أرادَ أن يقول لنفسه : كيف يبدو لكَ الفخُّ
لكنه لم يجد أحداً
اشترى منديلاً
وعاد بشاحنةٍ تنهار في خياله