سرد

أثناء جلوسي في الكرسي الأمامي للباص الصغير ملثما ً بيشماغ , كان الإسفلت يجري إلى الخلف سريعا ً والسيارة إلى الأمام . أيهما يسير والآخر متوقف الإسفلت أم السيارة , نحن أم الزمن ؟ فوق ظهر الباص كان يرقد محمد الحاج ـ مؤقتا ً ـ في صندوق خشبي طويل , الصندوق ملفوف بذات قطعة القماش رباعية الألوان لكنها...
بعد ليلتين مؤرقتين، قضاهما بالتفكير و محاولة السيطرة على ذلك الشعور الاسود المنبثق من هول الصدمة، وقع نظره على صورة قديمة بالابيض و الاسود بين اغراضه المُتبقيّة في صندوق صغير، انها الاكثر ايلاما له لكنها الأخف وطأة على قلبه المُنفطِر. سقطت دمعة على يده و انسلت الى الصورة الفوتوغرافية التي احتفظ...
في “ رانية” عسكر لوائنا بعد أن خرج من معارك “مهران” الرهيبة وجسده مثخن بجراح كثيرة، بدأنا بالتدريج بالمسح على الجراح ، ولملمة البقية الباقية من الجنود وتقرر أن يعاد تنظيمه في مكان قريب من الشارع العام حيث وضع أحماله وهو ينفض بقايا بارود المعركة الشرسة التي أصابته في القلب حيث سال دم كثير، ولم...
أمضي في شوارع لا أعرفها، واسعة بلا حدود، ولا أحد غيري في كل هذا الفراغ المظلم، فمشيت متوجساً في منتصف الشارع، أملاً في أن يدلني أحد على بيتي. عندئذ ظهرت سيارات كثيرة وانطلقت في اتجاهي فصرخت وجريت. إنهم لا يضيئون أنوارهم حتى أراهم، فقط يطاردونني، يهددونني بالموت المباغت في كل لحظة، وكنت اتفاداهم...
من وقتها أنفقت الكثير، لتبقى صورته لامعة. لأجل ماذا كانت تفعل ذلك؟ لخاطر السمعة والبرستيج؟ أم الرجاء؟، لكنها تعلم يقينًا أن لا أهمية لكليهما، ربما القليل من الأهمية كانت موجودة، ذلك النصيب الطبيعي الذي نحصل عليه من القرابات والصلات، الوظيفة، والمال، لكنها لم تكن تتجاوز ذلك بالتأكيد. لمَ أجهدت...
تراهنت أمريم الفتاة الأكثر سوادًا من الليل مع الفتيات الأكثر بياضًا من النهار على أن حِرّها الحار جدًا يحرق الجرادة، بينما حرورهن لا تقدر على ذلك، فقامت إحدى الفتيات البيض واصطادت جرادة من الجراد الذي ينطط حولهن بينما هنّ جالسات في البرّ يتسلين بلعب الحلوسة بالحصم.. أخذت أمريم الجرادة ورفعتها...
أسهب كثيراً في الحديث عن طفولته في أزقة الصابري التى تناثرت فيها ألعابه وعلى مدارج شوارعه التى انطلقت فيها ضحكاته وعن رمال شاطىء جليانة الذى كان يلعب ويسبح في بحره سرح بنظراته بعيدا وهو يستذكر طفولته ،رأت في عينيه شارع دكاكين حميد ومحل والدها ،وضحكة عمتها ياسمينة وحكايات ذاكرتها المتوقدة...
تقول اللوحة المثبتة على البوابة "شيان ميشان!"* إحذر. كلب عقور!، و الكلب "عقور" دون شك، فكلما مرت به يرمي بنفسه على البوابة نابحا بضراوة وكله رغبة في أن يصل اليها ويمزقها إربا. إنه كلب كبير، كلب خطير، من نوع كلاب الرعاة الألمانية أو الروت وايلر (هي تعرف القليل عن سلالات الكلاب). عندما يندفع نحوها...
كل ليلة تقابله من وراء الستار، يبدآن حديثهما في هدوء مقتضب. وعندئذ تقول، وكأنها تحدث نفسها، يداي ضعفت مؤخراً، أصابعي اضيقت، كما لو كانت مخصصة فقط للتقليب بين الصفحات. ودون أن تنتظر أن يتحدث، أعدت لنفسها كوباً فيه كيس شاي وأوراق كثيرة أيضا، أفرطت في السكر الأبيض دون حساب وخلطته بلحن طارق شجي...
كان الغرينغو،** الذي حطّ رحالَه هنا منذ سنين، رجلًا كتومًا وذا بشرةٍ باهتة. لم يرَ أحدٌ قطّ شخصًا يحبّ الشربَ كثيرًا مثلَه. والقول إنّه يبتلع الكحولَ ابتلاعًا ليس بالوصف الدقيق ــــ فجميعُنا يفعل ذلك، والحمدُ للربّ! ــــ إذ كان في إمكانه أن يعاقر القوارير طوال نهاريْن وليلتيْن من دون أن يحرّك...
سكبت عليه زوجته جردل ماء وهي تصيح: - قم إلى عملك يا كسول...هل ستطعم أطفالك من صينية أحلامك الليلية... نهض مفزوعا .. وخلخل شعره الخفيف بأصابعه النحيلة وهو يلهث ثم قال بخوف: - يمكنك أن توقظيني بطريقة أقل وحشية من هذه.. غرزت قبضتيها على خصرها وقالت بغضب: - فعلت كل ما هو مهذب لتنهض وأنت لا تستجيب...
- أمنا الغولة. (يا منا الغولة طقطقى الفولة) الآلهة سخمت هى صورة ذهنية لأمنا الغولة فى الحكايات الشعبية. (رضعت من بزى اليمين،أصبحت زى أبنى عبد الرحيم. رضعت من بزى الشمال،أصبحت زى أبنى عبد الرحمن). فى حكاية اليوسفى و لول بنت الغول. تحكى لنا الحكايات الشعبية أو الحواديت كما نسميها عن صورة أمنا...
كان الكابران يوقف دابته الصهباء بالجناح المخصص للدواب بالسوق الأسبوعي ( مربط البهائم)، ولحظة إزالته للبردعة على ظهر البهيمة ،ذوى أزيز قوي في سماء السوق، مغطيا كل أصوات الهرج والمرج المنبعثة من الارض.. انقبضت نفس الكابران ... انه يعرف هذا الصوت جيدا.. صوت طائرة ... ألقى بجسده الرياضي المترهل...
وقف الصبي في منتصف الزقاق ليحدِّد مجال رؤيته جيداً وليتأكد ويعود ليخبرها بما رأى. كان النهار ساكناً لا ريح فيه، وكان الوقت شتاءً. شتاء هذا العام يشبه خريفه، مزن خلَّب وسحاب ركامي بلا مطر وسماء في معظم الوقت صافية زرقاء، والراية ساكنة تلتف حول العصاة القصيرة في خمولٍ ودعة لا تشي بشيء. ‎هذا الحال...
أعلى