سرد

لم يودع قدميه أبدا صون الحذاء، مفرطحتين غليظتين، علمتاه السير الجسور. يسير وسط الطريق، لا يتسكع جنب الحيطان ولا يتخذ سكة مطروقة وطأتها له من قبله الأقدام. لم يرتد طوال عمره سوى جلباب وحيد مهلهل لا يدارى من جسده شيئا. لم يتعود لحمه رفه الحزن تحت طيات الثياب الثقال. جلده أسمر خشن جاسر مثل ظاهر...
بدأت الأمطار تهطل في وقت مبكر من صباح هذا اليوم. كانت خليدة متكئة على حافة النافذة بالشرفة العليا، تتطلع بإعجاب إلى الأمطار التي كانت تنزل بكثافة، وتشق لنفسها مجاري صغيرة وسط الرمال. لم تتحرك من مكانها. كانت بمفردها في البيت المطل على البحر. زوجها سافر إلى جنوب البلد ليطمئن على أمه. قضت خليدة...
عزيزتي هدى ما أجمل البصل.. وما أرقه.. ما ألطفه.. وما أقساه أيضا.. هل جربتِ صداقته يوما أم أن الحكاية كلها محض مجازات؟ أنا أعرف البصل ولي معه علاقة وطيدة. في قريتنا الصغيرة التي تقبع مهملة بحضن المحيط الأطلسي اختار أقاربي لأمي أن يلغِّموا الحقول الرملية المجاورة للشاطئ بالبصل. وكنا ونحن في طريقنا...
كيف يمكن للحكمة أن تأخذ بيد المرء عاليا في تراتبية من خلق كريم وشخصية كيسة درجة درجة حتى توصله القمة فيستريح هناك متربعا على عرش من فضائل وحكم ومثل ليأخذ لازمته التاريخية هناك .. ولكنه أي سوء يندب حظه ، هذا الذي أراه مغطى بذاك السيلوفان البراق من فضائل هذا التواتر المغلوب على أمره معلما أبديا ...
منذ مئات السنين أرعدت (الصرخةُ).ولم يميز أهلُ القرية في ذلك الحين المكان الذي أتت منه.فبعضهم قال أنها نزلت من السماء،وبعضهم قال من باطن الأرض. فتصارعت الآراء،واختلطت الأحكام. لكن الحقيقة الماثلة أن أهل القرية فقدوا السمع من ساعتها.ولم يكتفوا بالصمم،بل توارثوه جيلاً بعد جيل.ومع جريان الأيام في...
فتحت عينى بصعوبة بعد سهرتنا الطويلة الصاخبة بليلة الأمس, كنت أقف مشرئبا بمنتصف ملعب كرة قدم, على نقطة البداية, بمنتصف الدائرة المخطوطة بالأبيض ووجهى شطر المرمى مباشرة, أرتدى بدلتى الكاملة ورابطة عنقى الأنيقة القابضة على تفاحة آدم دافعة إياها لأعلى, كان الجاكت لامعا مناسبا لسهرة حافلة, والقميص...
"أعرف أنى سأجده هنا" قالتها وهى تبحث فى صندوقها، الذى يشاركها غرفة نومها منذ ثلاثين سنة، قابعًا قُرب سريرها. كان مصنوعًا من عظام حيوانات غامضة، وتُزيّن غطاءه رأس كوبرا. مدّت العجوز السبعينية "بيداء" يديها المعروقتين، بأصابعهما الرفيعة الطويلة، وأظافرهما المدببة، لتبحث داخل الصندوق لاهثة، وهى...
احمرت إشارة المرور فتوازى أتوبيس صدئ يتلاصق فيه الناس كأنهم يوم الحشر مع سيارة فارهة يلمع جسدها النظيف فى وقدة الظهيرة، سائقها والسيدة الرشيقة التى تجلس خلفه وإلى جوارها ابنتها الصغيرة رائعة الحسن لا يشعرون أبدا بالصهد الحارق الذى يلفح وجوه العابرين، ولا يتصببون عرقا كركاب الأتوبيس، الذين يتخالط...
“آه لو أستطيع أن أدكّ هذه الحيطان من حولي لتصبح الدنيا أكثر اتّساعا” هل كانت حيطانا أم جدرانا؟ ألم تذكر الرواية ستائر النوافذ أيضا؟ يتذكّر جيّدا عنوان الرواية “الحريّة أو الموت”. لا يتذكّر اسم مؤلّفها. جذبه العنوان فحسب وهو من حظّه أنّه زامل سجناء مثقّفين وشبه مثقّفين. وحينما ملأت الكتب غرفتهم...
من بعيد بعيد صاح الولد: يا باااااااا"... هرعت للشباك. كنت أعرف. ـ يابااااااا..... سمعتها، وعرفت ما ينتظرني. ـ ـ شو؟ ـ مِيِّه يابا.. مِيِّه... كلّها مِيِّه... كان قد وصل الى البئر القديمة التي تبعد حوالي 200 متر عن البيت. وكان، وحده، أول العائدين. رأيته يركض. كانت شنطته الثقيلة ترتجّ على كتفيه...
بائعة البلح. امرأة شامخة، أثيثة الشعر، تكاد تدرك غدائرها عجزها. عيناها صحنا عسل، شباكان مفتوحان على المتاهات الغريبة. وهى امرأة لينة الصوت مبتسمة ماكرة. يقولون إنها متاع متاح، وإن من له زند وحبل وقلب جسور، قادر على أن يجتنى شهدها. أما هى فإنها ميادة، تدور تنادى على بضاعتها، تملأ القلوب بالحنين،...
(أ‌) أعرف أنها تمرّ على المقهى كل يوم أحد..متى تعرفُ هي؟ (ب‌) لم تمر. الحصان العجوز الأبيض كان يجرّ العربة المحملة بأكياس الدقيق. أنا والأرق والحصان العجوز والحوذي العجوز والشرطي الساهر والمومس المخمورة. (ج‌) هذا موعدها الثاني: اغفر لها ياقلبي وقد عرفت. (د‌) أيتها الكارهة: أحبك. (هـ) الآن: لا...
رغم أن زوجها كان أنانيا وجاهلا وبخيلا وفاقدا للإحساس ولصا وذا لسان بذىء وحشّاشا وكل العبر فيه، فقد كانت حميدة- لدهشة من يعرفونها - لا تود أن يصيبه أذى أبدا، ولو كانت امرأة غيرها لتمنت أن يطلع عليها النهار فتجده قد اختفى من الوجود إذ سوف ترى بالتأكيد أنه أسوأ من خلق الله على وجه الأرض.. لكنها...
إهداء إلى صديقي المهدي نقوس الذي أوحى لي نصه القيم حول الحذاء بهذه الخربشة ينزل الدرجات ببطء. باليد اليمنى الحذاء الذي اشتراه للتو وباليسرى يتحسس الجدار البارد للممر الضيق المؤدي مباشرة إلى القبو الذي يكتريه منذ أسابيع بمونتمارت. باريس مدينة الفن والإلهام. يشعر ببرودة الأرض تحت قدميه...
ليس يدري مأمون إلي أي حد هو يشابه الناس في مشاعرهم‏..‏ وهل تراهم يتعلقون مثله بألم قد يطول‏,‏ أم تراهم ينسون‏.. وفي كل فجر يجددون حياتهم ويمضون! إنه يلقاهم في الطرقات والترامات والسيارات فيجدهم يتحدثون ويبتسمون, وينظر إلي نفسه فإذا هو كذلك يتحدث ويبتسم, فيتساءل عما إذا لم يكن وراء أحاديثهم...
أعلى