لبست قشابتي البيضاء لتخفي ملابسي الداخلية الفضفاضة التي تخفي سلاحي، وخرجت متوكئا على عصاي متوجها إلى المسجد قبل أذان الظهر، بعد أن توضأت؛ وقد حرصت على أن لا تشوب طهارتي شائبة، لذا، توضأت أكثر من مرة لأقطع الشك باليقين، وحتى لا يأتيني الريب وأنا أصلي؛ ليس ذلك دليل هوس، أو انشغال مرضي بالتهطر، بل...
كان محمود عائدا من جولة طويلة سيرا على الأقدام مع أصدقاء حقيقيين من القرية التي كان الأربعة يقطنونها. كانوا قد ذهبوا في الصباح الباكر وكانوا قد اشتموا جوّا جديدا قادما من المدينة. كانوا قد انتشوا بالضوضاء، بالأخبار، بالملذات، بأشغال المدينة وكانوا قد شربوا قدرا كبيرا من الشاي لكي “يمتلئ رأسهم“...
الفصل الأوّل: “شهية شاشات السينما”
“إن كان لا بُدَّ من فضيلة تستحق الدفاع عنها فهي فضيلة الخيال ، لأنها تسمح لنا بأن نضع أنفسنا مكان الآخرين ونكون أكثر تسامحاً وتفهماً”.
فرانسواز ساغان
– 1 –
منذ أوّل مشاهدتي للأفلام السينمائية وقراءتي للروايات وأنا أؤمن أن الممثلة الفرنسية كاترين دينوف والروائية...
كانت الكاميرا ترسم الفضاء الذي نشأت وشبت فيه على شكل متاهة، يحيط بها الجبل من كل الجهات كجدران تحتفظ بسر أحد الفجاج التي تنبت فيها حكاية تردّد أصداء حلم قديم، في بقعة منسية تغيب عنها أبسط مظاهر الحياة، كتب عليها أن تبقى منذ التاريخ القديم بدون حمام، أو معبد، كأنها لا تصلح للعيش، رغم بعض الشواهد...
أشرق الصبح، أشرقت معه أحلام سرمدية، رفرفت بجناحيها فأصابت قلب هذه الطالبة التي كانت تحمل أفكارا قاتمة عن الرجل الذي لم يجد قط مكانا في قلبها، معتبرة أن الحبّ نسج خيال، وترّهات شعراء، وحكايات أفلام تبدأ بالعشق والمناجاة لتنتهي بمآس تكون ضحيتها تلك الفتاة البريئة التي أعطت كل شيء للرجل، ولم تأخذ...
ما زلت لحد الآن، رغم مرور أكثر من خمس سنوات، ألهث خلف اللحن الذي جرفتني إيقاعاته المتدفقة من الغرفة الموصدة، في تلك الليلة المذهلة.
كان الكمان قد استعصى على أناملي طيلة شهور، حتى استبد بي اليقين بأن قريحتي الموسيقية قد أضحت جدباء، وغمرني شعور طاغ بالقلق. «فلأغير الجو لعل وعسى..»، قلت لنفسي. لم...
تجمد فور أن رآني أستوقفه ماداً إليه يدي. أخيراً، قال «ألا تزال، تبتسم، يا يوسف؟». عانقني خطفاً. ابتعد. قال «زمن». وهوى بنظرته إلى حافة الرصيف. بدأت أتأمّله. وجدتني لدهشتي لا أحمل شيئاً في داخلي تجاه ما بدر منه في تلك الأيام. رفع رأسه. كانت تمر فتاة. تابعها. عاد يتأمّلني. قلت «كانت رحلتي شاقة»...
فوجئت.. والمفاجآت لا تفارق حياتي.. وهي كثيرة ولا يمكنني سردها اما حالتي فيما سبق هذه اللحظة هي النقل الى جبهة أخرى.. يعني مدينة أخرى ومواضع أخرى وحشود آخر وآمرين وعدو آخر.. وقصف آخر لكن هذه المرة قد توقفت الحرب. ولا داعي للخشية من الموت الذي يهددنا دائماً. طيلة تلك السنوات.
.. المفاجأة (ان طلبك...
آن الأوان لأتكلّم عن نفسي، ولأنهض بقلمي ضدّ كلّ التّيارات وكلّ المذاهب، إنّ النّفسانيّين الحمقى وعلى رأسهم فرويد أرجعوا كُلّ شُعور إلى الجنس والبعض منهم أنشأ عقدا ومشاكل ولم يضعوا لها الحلول.
ويقولون أنّ الجمال سلاح المرأة، لكن لو دخل هؤلاء الحياة من بابها الواسع لوجدوا ما لم يظنّوا وُجوده. لقد...
الأكيد ليس من أصحاب الكهف، أظنه من أصحاب الحيطان الشائكة.. يقلب آلة التحكم ذات اليمين وذات الشمال، وشفتاه زرقاوان وأسنانه يتخللهما خبز اليوم وكسكسي البارحة، وحمرة الشمندر الذي حكي لي أنه تناوله منذ ثلاثة أيام.. رائحة التبغ تفوح من يديه وصدره، لا يزال الدخان يتصاعد من شعر رأسه فكأنه كان يأكل...
لم يكن بوسعي أن أتهم ذاك الظل الذي أمسى يقتفي أثري، لأنني وبكل بساطة لم أكن أملك الدليل، والمحاكم هذه الأيام لا تعير الانتباه لأي أحد مادام أنه لا يملك الدليل القاطع، وإن كان مظلوما...بل وقد تسخر منه وتتهمه بالجنون كما حدث لي مرات عديدة، قبل أن أتمكن من حل المعضلة بذكائي فقط، بعد ما تبين لي أن...
ضحكاتنا السعيدة الأنثوية الحادة العالية تكاد تكسر زجاج السيارة. تصالح قلوبنا بالحياة. التقينا أربعتنا بعد عمر طويل. مريم وطاووس وفاطمة وأنا..
- هل نحن أربع نساء بالغات بتجارب مختلفة ثرية، أم أربع تلميذات بمآزر وردية !؟
كأننا رجعنا لمدرستنا الأولى. لشبابنا الأول، بعد سنوات طويلة تغير فيها كل...
متبوعاً بالضحكات أحيانا, وبحجارة الصغار أحايين أخرى, وهم يرقصون خلفه ويردّدون, فضلة الديك. ويلك لا يجيك!! لحيته هائشة ومجزوزة في بعض أجزاء ذقنه, ووجهه يشبه أرضا مهملة. لا أحد يهتم به, رغم أنه يحاور الآخرين بوعي شديد في السياسة, لكن هؤلاء الآخرين يعتبرون إجاباته وأفكاره إنما هي أفكار مخبولين...
أحصيتُها؛ ثلاثة آلاف وأربعون كرَّاسة بأوراقٍ سميكة عاجيَّة الَّلون، مُثبَتة بأسلاكٍ معدنيَّة مَتينة، وحوالي سبعة آلاف قلم حبر BIC برؤوسٍ ذهبيَّة مُدبَّبة.
قبل سنوات، عثرتُ عليها في مَحَلِّ قرطاسيَّة وسط البلد. أخذتُ كرّاستين مع ثلاثة أقلام، وعدتُ إلى شقَّتي الأرضيَّة على جناح غَيْمَة مُثْقَلة...
"١"
آآآه.. فلتت من بين شفتيه المطبقتين .. من دون أن تدرك وقعها أي أُذن تسترق السمع في هذا المكان المحتشد بالأجساد والوجوه. تلاشت كما ظلت الأشياء تخرج للوجود ثم تنزوي عن الأعين منذ بدء الخليقة . قلب بصره فيما يليه من الوجوه التي تراصت أمامه بذلك القدر المزعج من الزحام الذي ظل يميز مترو أنفاق لندن...