سرد

ما كرهت في طفولتي شيئا كخبز الشعير. بل لم يكن الأمر مجرد كراهية . كان شيئا أكثر قوة. فقد اعتقدت طويلا أن مسألة الوسامة وبياض البشرة مردها إلى الخبز الأبيض. وان السواد وبشاعة الصورة مردها إلى خبز الشعير، وأن الإفراط فيتناول هذا الخبز يفضي حتما إلى التهلكة. هكذا نشأ موقفي المتصلب من هذا الخبز،موقف...
وضعت الحقيبة قربها وظلت تنظر إلى الفراغ. مد هو رجليه بكسل أمامه. أيقظها سؤال «الجارسون»، طلبت عصير برتقال ثم أدارت رأسها إلى النافذة. سمعته يدس يده في جيبه باحثا عن علبة الثقاب. «سيشعل واحدة من سجائره الرديئة». فكرت أن ذلك مقيت وإذا أضيف إلى هذا القرف والفراغ. - أرجوك لا تنفث جهتي. إنك تجعلني...
الليل يغطي، بردائه الأسود المثقوب بالمصابيح والنجوم، مربعات أسمنت هذه الغابة النائمة على الدوخة والجوع وبرك القيء والخوف… يقترح بأدب جم ثم يصر (ح )الأصغر سنا، بعد ليلتنا التي مرت سريعا، على شرب كأس قهوة لطرد ماتبقى من رذاذ الدوخة، من على دماغه الذي لم ينفذ صبيب النبيذ لأديم صحوه الصخري إلا...
أخذت مكاني في الركن الذي ألفته في المقهى التي اخترتها. لم يسألني النادل، حمل إلي القهوة المرة دون أن يضع بجانبها قطع السكر. قلت وقد ألقى تحية عابرة حميمية: - هذه الصحف -وكانت تحتل جانبا من الطاولة- ليست لي، يمكن أن تحملها. أجاب بعفوية: -زبون كان هنا نظر فيها، تركها بعد أن شرب قهوته. يبدو أن وقته...
هذا اليوم قصدت المقهى الذي نلتقي فيه في نهاية كل أسبوع، وأنا خالي الذهن من كل ما تعرضتَ له. اقتنيت «المساء» من بائع الصحف الذي يتخذ من أدراج مقهى باليما كشكا له، وعندما نظرت إلى الصفحة الأولى فوجئت بنبإ اعتقالك. تذكرت للتو أننا كنا قد تهاتفنا قبل يومين أو ثلاثة، وحينها أخبرتَني بأن الشرطة...
خلع عنها ملابسها . خلع ملابسه .اتخذ مكانه على الكرسى المجاور للطاولة الصغيرة . بقايا مأكولات، علب سجائر مختلفة الماركات ، مناديل ورقية ،كتب ، اسطوانات موسيقى ، صور لنساء بملابس البحر مقصوصة بعناية من مجلات قديمة ، وفى الركن تستقر أدوات القهوة . أشعل الموقد الكحولى ، وضع فوقه الكنكة الملآنة...
قال وهو يتحسس قمة رأسه: حاول أن تنسى. دفعت وجهي إلى الناحية الأخرى ، وراقبت ذرى الأشجار وهبوط الليل ، أو ما خيل إلي أنه ليل ، ثم تساءلت: هل تظن أن الأمر تم من غير ألم ؟. هز رأسه، وقال باقتضاب: من غير ألم. ثم أضاف: ما رأيك لو أشعلنا نارا هنا ؟. *** تشاغلت برهة بإشعال النار ، إلا أن فكرة الموت من...
الكل أصبح خلفك..أصدقاء وجنود وكلاب سائبة تعتاش على أشلاء الشبيبة الكل أنت تتقدمهم ..حروب وأحلام وسعادات صغيرة الآن أنت تعتاش على الندم وبعض الذكريات السقيمة عن السياسة والأحزاب الفاشلة ليس أمامك من مهرب نحو الأمام في خريف العمر..الآن .. أنت ..تتذكر مافات كركرات البراءة واندهاشات الإكتشافات...
وضعوا له اسما (خليل ) ولأبيه (لازم) وسموا جده (ابنيه ).فأصبح اسمه الثلاثي بالتمام و الكمال (خليل لازم ابنيه) . اسم جر عليه حتى سنوات قريبة سخرية راح يعاني منها منذ أن بدأ يعي و يقرأ ( القراءة الخلدونية).. التي لم يعد يتذكر منها إلا عبارة (إلى متى يبقى البعير على التل؟). سماه والده خليلا ، وسمى...
وجدوا الرصاصة في عنقي .. لم يمهلوني .. أخرجوها ضاحكة .. مات منهم ثلاثة .. { أبقيت الرابع ــ تقول الرصاصة ــ ليصف إلى غيرهم ما رأى } .. وهي تضحك آمنة ، تواصل الرصاصة :{ ليس أكثر من عنقك مأوى، فما أبأسهم إذ أخرجوني … أخفقت محاولات طبيب أن يقنع رؤوسا تحيط به ، ليبقي الرصاصة حيث لمستها أنامله .. {...
هناك صور قبيحة للحرب .. صور بعيدة الاحتمال بالنسبة لجنديين عاشـــا زمن البطولـــة و الانكسار في أشد المواقف غموضاً . لم يكن أيً منهما غريباً عن الآخر لكن الغيرة الشديدة تسوقهما وسط معمعة الحرب إلى المخاتلة التي لا تخلو من المصادفات . ما لا يقبــل التصديق إنهمــا أصبحـــا عدويـــن لدودين ، ما...
لم أتزوّج لأنّني، ببساطةٍ، أحببتُ فتاةً قالت لي: "صوتُ كارم محمود هو أنا؛ إنِ قبضتَ عليه صرتُ لك." "شِيَم،" الفتاةُ الوحيدة الّتي أحببتُها، كانت ترى العالمَ موسيقى وأصواتًا. حاولتُ كثيرًا أن أشدّها إلى الواقع، وإلى لمس الأشياء على حقيقتها، لا إلى اعتبارها ألحانًا فحسب. لكنّني لم أفلح. مرّةً...
هذه القصة حقيقية، إهداء لوائل الناجح أتذكر أنّ جدي كان مثقفاً، عُرف في شبابه أنّه أول من تعلم من أبناء المدينة، أرسله والده إلى إحدى المدارس الإيطالية بطرابلس، تعلم صُحبة السوريالات، قال له والده عندها: برا، معاش تولي. والده كان فلاحاً نشأ على حرث الأرض وزراعتها، يحمل على كتفه حمل أبناء...
قعر البئر سحيق; الظلام دخان أسود كثيف غطى جدران الصمت وصلت خيوطه لسقوف الأمل ; والجو كله خانق يحبس الأنفاس. بمعول يصم أذن الزمن القاسي و ويجفل سكينة الأرواح; أرواح الأسلاف; يحفر الفأر البائس قلب حلمه أو شبر قبره بموالة نملة لا تعرف الشفقة طريقها الى جسدها المنهك. ومع كل ضربة معول يخرج زفير من...
رائحة العرق يفحها الجسم فى تؤدة وصمت ، رائحة أعرفها ، تشبه رائحة الجنود المتوحدين في الصحراء ، تذكرني بأيام الجندية والقوة والفحولة الجنسية والآن وأنا أسير في شوارع المدينة النظيفة ، تواجهني الفتيات بجمالهن الصارخ ، أذرع بضة ووجوه ملونة وشعر لا أعرف لونه ، أما الرجال فألامس في أيديهم رائحة الترف...
أعلى