سرد

كنت أود أن انتهي اليوم من رسم "القطار" وفجأة تذكرت أنني طال ما أجزت لنفسي أن أصفها بأنها مجنونة.. ترى كيف سيظهر الجنون في لوحتي؟ وكيف سأبدو بعد قليل بعد أن أترنم باللحن الجديد الذى ألفته؟ لقد بدت عين جهاز المسجل الصغير الضاحكة الواسعة كعين رجل يراقب جسداً عارياً في خيمة سيرك.. أنني أجيد أشياء...
كان حميد الحفيان رجلاً فقيراً، كثير الشكوى من البطالة، يحدّث الناس أحياناً عن أصدقائه الجان وقوتهم وقدراتهم الخارقة، فيقولون له سـاخرين : إذا كان كلامك صحيحاً ، فلماذا لا تطلب العون منهم؟ وفي أحد الأيّام، تسلل حميد الحفيان إلى اجتماع مخصص لأهمّ الرجال في حارتنا، وهددهم بأنّه لن يمنع أصدقاءه...
لم أكن لأتخيل نفسي قبل ذلك طرفاً في صفقة لبيع نفسي أو أن تكون (نفسي) مطلوبة للشراء. فجأة وكما يحدث للفيلة المسكينة حين يتهشم سلامها برصاصة فتعدو هلعاً أمام صيادين تحملهم عربات حديدية يحلمون بعاجها، كانت قطعان ذاكرتي تتواثب لتحتمي بما تبقى من غابة الماضي هرباً من الصيادين الاذكياء وهم يرصدونها من...
جولة. المشي يريح. ومهبط الوحي الذي نسجتُ فيه أطيب أشعاري يرحِّب بسَحْبِ حواجز أتراح الحياة عن روحي. جولة. المشي رفيقٌ وطبيب. رمال الموقع الأثري تحمل في تلبُّدِها آثارًا من مطرٍ قريب. الدائرة التي قوامها أعمدة بيضاء متباينة الأطوال على كلٍّ منها أرقام كُتبت بطلاء أسود مشوِّه (24 – 21 – 125 -…)...
أمينة الزاوي غيليسيا، هي أرض ساحرة يحكى أنها بعثت من ريح الجنة التي سرقتها حواء حين طردت رفقة أبونا آدم إلى أرض الله ثمّ أسكنتها قوم اصطفتهم من بنيها الخاشعين. حدث أن حلّ بالأرض الطيبة تنين قحاف ذو بطش عظيم. فاهتزت السرائر، زرع الخوف في القلوب، انتشر الهلع في أرجاء المملكة مثل الوباء، و خارت قوى...
ورأيت في منامي أنّي في بابل، في مسابقةٍ للسحر. كنّا في ميدانٍ كبيرٍ تُطوّقه جماهير حاشدةٌ متعطّشةٌ للسّحر، كأنها تشاهد مصارعةً رومانيةً تسيل بها الدماء كالعرق. على المنصة وقف ثلاثة سحرةٍ حديثي السنّ، ربما كان العرض امتحان تخرّجهم بلقب ساحرٍ. كان المعلم رجلاً عاش ألف عامٍ، بدا وكأنّ الزمن زاده...
عبد الزهرة عمارة الوقت .... صباح يوم قائظ ...... رياح تموز الملتهبة تلفح الوجوه فتزيدها سمرة على سمرة .... في هذا الوقت صادفني صاحبي المحامي عبد العظيم جودة وبادرني قائلا ــ متى نعبد الله ؟ دهشت لقوله وقلت متسائلا ــ ما الخبر يا استاذ ؟ ــ هل تعلم أن الاسلاميون يعبدون الحكومة ويقدسون...
زفت سلامة بائعة اللبن الى حسون البلام بعد جذب وتراخي من عمها المتسلط القاسي القلب في حفل بهيج حضره شيخ القرية وكل من في القرية .. كانت سلامة بنت السادسة عشر من عمرها فتاة أية في الجمال الريفي الطبيعي .. وجه مدور أبيض تقاطيعه متناسقة جذابة .... فرعاء ناهدة الصدر ...ضفائرها سوداء طويلة تنحدر...
بنت البندر أرضٌ بور، انقطع حبلها بعد وفاة طفلتها، وزوجها كحبات مطر. يعطيها دمية ابنتها المعطرة، يتحسس خصلات شعرها إلى أن تنام كل ليلة. تتذكر تلك المرة التي التقطت فيها روحها بصعوبة؛ التقط زوجها ثعبان ميت رمته عليها أمه، لأنها متيقنة أن زوجته “مشاهرة”. عندما احتضنت ابنتها تمكن منها اللون الأزرق...
أخذت لحظات أتأمله فيها خلسة قبل أن ينتبه لوجودي. كان مثل وطن، كلما غبت عنه وعدت، أسرتك ألفته، وفاجأتك محبتك له! راقبته وهو شارد يدخن بأريحية. اجتاحتني مشاعر شتى كتلك التي عشتها مع كل خطوة سرتها في طريقي لهنا. خطوت إلى مقهى سوق الحميدية حيث انتظرني. رفع رأسه فرآني، فضحك. كان جميلاً وأنيقًا،...
مقصورةٌ في عربة قطار. رجلٌ جالسٌ ناحية اليمين وامرأةٌ ناحية اليسار. الرجل الذي يتظاهر بقراءة جريدة، يلقي بنظراتٍ شبقةٍ على ساقَي المرأة. وفي لحظةٍ من اللحظات يطوي الجريدة، يضعها جانباً، يعقد ذراعيه أمام صدره، ويتنهّد. الرجل: لم أستطع أن أمنع نفسي، يا آنستي، فعليَّ أن أقول لك إنّ حضورك يُوتِّرني...
لا تشكُّ مطلقاً في صدقيَّة كانون الثاني، ولا تعترض على مجيء شباط مهموماً ومغموماً وحائراً. حتى آذار تستقبله بأذرع مفتوحة. هي ممتنّة للأشهر كلّها والأيام أيضاً. كما أنها تحاول جاهدة أن تمرِّنَ نفسَها على الوضع الجديد؛ لتنسى ما عوَّدها على سماعه. هي الآن في صالون التجميل، تحت أنفاسِ بخارٍ صادرٍ من...
قابلتُه أوّل مرّة في القطار، وربّما كان آخر لقاء فيه. قد تتساءلون عن أيّ قطار أتكلّم؛ ففي بلادنا الشاسعة، توجد العديد من الخطوط الحديدية التي تمرّ فيها القاطرات بدون إعياء وهي تجرّ أذيالها. أنا أقصد ذلك الذي يربط المدينتين ب و ج، وبالضبط، الفضّي ذو الرقم ستّة. حدث اللقاء أوّل الخريف، ربما...
الخير شوار جلس الكاتب، واسمه محمد كاحل، في زاوية من غرفته المبعثرة على حافة سريره الغريب وهو يلتفت إلى النافذة بين الفينة والأخرى، وكأنه ينتظر شيئاً مهماً. ليس في عدّته سوى بضع من الأوراق من نوع "البيفتاك" وقلم حبر جاف أزرق مكسور في الأسفل، إلى درجة أن مستعمله إذا أراد كتابة شيء ما فعليه...
نعم إنني فتاة صغيرة أفترش الشارع أبيع مناديلي للمارة ويعطونني ما تجود به أيديهم من مال يساعدني العيش فأنا لا أعرف لي بيتا ولا أبا ولا أما ولا أعرف غير تلك السيدة العجوز التي تجلس بجواري ليلا في الميادين و الشوارع العامة و أنام بجوارها نهارا في تلك المقبرة التي من المفترض أنها لا تأوي إلا الأموات...
أعلى