قصة قصيرة

تهب رياح الشتاء في هذا المكان باردة تلسع العظام. في تمام الظهيرة، حين كنت في مأمورية عمل وركبت القطار الذي كان يسير بهدوء إلى محطة تدعى (زي شيا)، كانت عربات القطار كعادتها ذات جو ثقيل ممل، ولكن لم يتكبد أحد عناء فتح النوافذ لتهويتها. وعبر النافذة تأملت بإرهاق ذلك المكان، الذي بدا مدينة صغيرة...
حينما كان الابن جالساً في حضنه، طارت فراشة ناحيتهما، فراشة سوداء، كبيرة. قفز الابن من حضنه، وجرى ليمسك الفراشة. لم يستطع إمساكها، فركض هو ناحية الابن وأمسكه. وقال: “لا تمسك الفراشات.” رفع الصبي رأسه، وسأله: “لماذا؟” “لأن الموتى يتحولون إلى هذه الفراشات.” قال الابن: “هل يتحول الجميع إلى فراشات...
ثوبها الأسود ينبئ عن حياة بائسة ، عندما أخترقت الجموع بلا مبالاة لم يعقب أحد لم يهتم أحد، تقدمت أسرعت خطوها حتى وصلت إليه، جلست القرفصاء حملقت إليه جيدا، وكأنه يراها أو ينهرها كعادته معها، دموعها المتساقطة المختلطة بالخوف والحزن جعلت وجهها أكثر توهجا، تلوك بين شفاه يابسة حروف مبتورة، وكأن تلك...
موجة الأحلام العاتية، تفزع السّبات الرّابض في نفوسهن مع إطلالة كل صيف. عطايا الصّيف هبة موسميّة لا يتجرّأن على مقاومتها وإن تركت على جلودهنّ وأرواحهنّ بعض النّدوب. مجنونة هي الرّغبة في القفز من الأسفل إلى الأعلى، رغم العلم المسبق بحتميّة السّقوط ، لكن اللّعبة مشروطة بتقبّل جميع المخاطر...
كنت قد اعتدت, منذ فترة, كلما وجدتني وحيدًا, أن أبحث عن أي شعاع نور وأطارد ظلي، أراقصه أحيانًا أو أدعوه لكأس، أفتح معه حديثًا طويلًا، أحكي له أسراري ويخبرني هو عن حكايات سرية, لأشخاص آخرين, سمعها من ظلالهم, في اجتماعهم الليلي, بعدما يخلد أصحابهم للنوم. تُضحكني بعض تلك الحكايات, وتحزنني أكثرها؛...
التقيا عند منضدة كونتوار أحد البارات، كل منهما أمامه إبريق من البيرة، وكانا قد بدأا تبادل الحديث، مثلما هو طبيعي، حول الطقس والأزمة. ثم تحدثا في موضوعات متنوعة، ولم تكن جميعها مترابطة بصورة عقلانية. يبدو أن النحيل كاتب، والآخر سيد عادي. وما كاد السيد العادي يعرف أن النحيل أديب حتى بدأ يمدح وضع...
لو كانت تستطيع أن تقتلها ، تلك الكلمات البذيئة والتى كانت تخرج من فم جدتها ، والمحملة برائحة نتنه ، ببخار الماء فى ليالى الشتاء الباردة ، وبعد أن تشرب كوبا كبيرا من الحلبة باللبن حتى يسهل عليها دخول الحمام صباحا دون مشقة أو تعب لأنها تعانى من حالة إمساك حادة وشديدة ومستمرة وخاصة فى فصل الشتاء...
يحكى أنه رأى في ما يرى النائم ان جميع من حوله نائم، وغاية أحدهم ان يدعو في منامه حظه أن يجد مصباح علاء الدين، كي يفك عقدة عند الشعوب العربية تلك التي تنادي بالحرية ثم تنال العبودية.. شعب تعود أن يبيع ملابسه الداخلية وكل ما يشتريه لمجرد التغيير في زمن أباح المفتي جهاد النكاح وسمح باللواط، والرقص...
وجدتُ نفسي جالساً على المقعد الخشبي في موقف حافلةٍ بعيد عن العمران . انتظرتُ ساعات ولم تأت الحافلة . كانت العودة مستحيلة إلى القرية التي خرجت منها، فقد أضعت اتجاهي تماماً . لحسن حظي كان موقف الحافلة مزوداً بخزانة كتب للقراءة . فبدأت بقراءتها، ولم أشعر بمرور الوقت، غير أنّ الحافلة لم تمر . ففكرت...
أنهي دسوقي صلاة العصر . جلس قليلا في المسجد , كان دسوقي يبدو مهموما , هناك أمر يشغله ويفكر فيه , ولكنه مع ذلك نهض قائما , تناول حذاءه وإتجه إلي الباب . عند عتبة المسجد, وضع حذاءه علي الأرض , وضع قدميه فيه , انحني علي الحذاء يربطه , ثم رفع رأسه . وسار في الشارع لا يكلم احدا , ولا ينظر الي أحد ...
لا تزال عيناها واسعتين بلون العسل الصافي، ونظرة حائرة تجول بهما، تقطر دموعاً وهي تتابع أختها الصغرى، متشنجةً تلملم حاجاتها الفقيرة وتضعها عشوائياً في حقيبة جلدية قديمة، استحال لونها البني الغامق إلى لون التراب.. الكلمات حبيسةً تتزاحم في حنجرتها تريد الانطلاق؛ فلا تجد لها منفذاً، صوتها اختفى إثر...
- يوم ٌ جميل قالتها امرأة شابة، في منتصف العشرينات من عمرها، وهى تصفق بيديها بجذل كالأطفال. أطلقت ضحكة صافية، وهى تتجه بلهفة نحو رجل يعطيها ظهره، مستندًا على الإفريز الأمامي للشرفة المطلة على حديقة المنزل، وسرعان ماالتفت إليها يستقبلها بشلال من الحنان، يتدفق رويًا من بين عينيه. - لقد كنت...
إشرب !!... إشرب !... لتنتسب أكثر إلى شيء ما في هذا الوطن : شجرة ؛ طائر او بركة ؛ باقة ورد ؛ اضواء ؛ سماء ؛ سحابة ؛ سنبلة . إشرب ! لا يمكن ان تصالح الحاضر ، ردم بينك و بينه ، أنت مغترب مستلب ، لا وطن لك إلا الارصفة والشوارع تذرعها ، لا شيء تنتمي إليه أو ينتمي إليك ، إنهم يفرغون فيك آخر رصاصة...
كل ما فى الغرفة وثير ومؤثث على نحو مبهر ومبالغ فيه ، جميع القطع المرصوصة بعناية تتألق ببذخ واضح لا تخطئه أعين الناظرين ، ربما غاص الزائرون في مقاعدهم وراحوا فى استرخاء لايستطيعون معه التحاور عن تلك الاشياء التى جاءوا من اجل الحديث عنها، فجميع مايحيط بهم يدعو الى الاستهانة بالاخرين والقضاء على...
الدقائق التي تسبق الغروب، يعمه الاِرتباك، يستبد به خوف، يتقلص فيه اكثر من مكان، ويصل إلى هاوية الخذلان، وكأنه يودع شيئاً عزيزاً ..مبهما، يسارع إلى مقهاه المفضل حيث يتوسط شارع الأطباء، ليرقب كل حركة، ويفحص كل خلجة، ويحلل كل صوت.. سيارات وزعيق ومرضى، رجل مجنون يرمي الزبد من فمه، قدح شاي لم يزل...
أعلى