قصة قصيرة

1 برد الشّتاء قارص في بلاد الشّمال البعيدة . برد يهطل في شكل ندف من الثلج تغطي الأشجار والمنازل والجبال والسهول والوديان والهضاب فيغلب كل الألوان ويحوّلها إلى الأبيض الناصع. والطّيور ستموت إذا لم تهاجر إلى الجنوب حيث الدفء والشمس الساطعة طوال اليوم. تلملم الطّيور أشياءها الجميلة وتتفقد أعشاشها...
دندو .. دندو السمين.. يفغر فاه ويقفله كسمكة تحتضر .. يهرش صدره ذو الثديين بأصابعه المنتفخة.. دندو.. يختنق... صدره عار وجسده ملقى على عنقريب خشبي مجدول بالحبال الخشنة ، تحت ظل شجرة أرقط ، والهواء يدخل ساخنا الى خياشيمه كتنين مقلوب. دندو مغمض العينين يفتل حاجبين صغيرين غير مكتملين ووجنتاه سمراوان...
المولودة لا تبارح الصورةُ خيالي، تلك الصورة التي ارتسمت هلعاً في قلبي، حين تسمّرت عيناي على تلك المساحة، بينما دلّتْ الممرضة جسدها نحو الأسفل، ممسكة بها من قدميها، وهي تلطمها مراراً، وبشدة متزايدة، كي تطلق من جوفها الصرخة الأولى للحياة. لم يلحظْ أعلى ظهرها أحدٌ غيري، فارتساماتُ الفرحة على...
عندما فتحتُ عينيّ لأول مرة قرأتُ صفحات وجهه المحبرة بالشدة، وربما بالحزن، وحفظتها عن ظهر حب، رغم قساوتها، يومها بذرَ حبه في أعماقي، فنما وترعرع، لقد أحببته منذ الوهلة الأولى، وأظنني قد أحببته قبلها، ربما عندما سمعتُ صوته لأول مرة، لحظة كان يداعب حبيبته، وكنتُ أصغي لهمسهما وهمهمتهما ومرحهما...
كل تشابه بين اشخاص هذه القصة وأماكنها وبين الواقع هو صدفة لا غير تجاهل حوسين الزبونة الواقفة أمام كونطوار المصور رغم أنه احتك بها عند دخوله. - سمحو ليا. دون أن ينتظر أن يسمح له، وبثقة من له الأسبقية، توجه للشاب المستقبل للزبناء بنبرة المحتج المعوّل على خصام. - كاين عبد الكريم لفوق؟ - ماكاينش...
ناعم وأسود. وهي سوداء ناعمة. هذا الفستان الأسود الناعم يُشبهُ حياتي. أفتحُ خزانة الملابس فيطلُّ بعتمته ليُرتّب تفصيلا جديدا غاب مع الأيّام. إلى متّى سأحتفظُ بهِ؟حتّى تكتمل الصّورة والذكرى؟ وما حاجتي للذكرى؟ الصّورة. ليست مركّبة أو معقّدة وليست ناقصة أيضا. صار عمري سبعة عشر عاما. ابن عمّي يكبرني...
يذكرني صياح الديك بالفجر الريفي، وروعته، وبالنار المندلعة من أفواه تنانير الطين، والأصوات المبحوحة لبائعات الحليب والباقلاء، لكن ما يقفر إلى ذهني مشهد طالما يتكرر في غبش الأيام المنسية. أستيقظ فيه على صوت صافر يناغي ذكر البقر المتهيب من أنثاه. أفرك عيني بباطن كفي لأزيل زبد العين المتخثر على...
تبتعد سيارة الأجرة مخلفة غباراً يتصاعد ببطء متلاشياً بين أوراق الصفصاف. صوت المحرك ينسحب تدريجياً أمام السقسقة المنبعثة من الأشجار المتطاولة. (خذ المفاتيح. أريدك أن تراه. نظّم له كشفاً شاملاً. الأشياء التالفة بدلّها: الأبواب، الكهربائيات، غيّر دون الرجوع إليّ. تذّكر المحافظة على طابع القصر. تدري...
لدى‭ ‬والدي‭ ‬عادة‭ ‬غريبة؛‭ ‬إنه‭ ‬مغرم‭ ‬بالجلوس‭ ‬وحيدًا‭ ‬في‭ ‬الظلام‭. ‬أحيانًا‭ ‬أعود‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬متأخر‭ ‬جدًّا‭. ‬البيت‭ ‬مظلم،‭ ‬أدخل‭ ‬بهدوء‭ ‬لأنني‭ ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أزعج‭ ‬والدتي‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬نومها‭ ‬خفيف‭. ‬أمشي‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬أصابعي‭ ‬لأدخل،‭ ‬أخلع‭ ‬ملابسي‭ ‬في‭...
تهب رياح الشتاء في هذا المكان باردة تلسع العظام. في تمام الظهيرة، حين كنت في مأمورية عمل وركبت القطار الذي كان يسير بهدوء إلى محطة تدعى (زي شيا)، كانت عربات القطار كعادتها ذات جو ثقيل ممل، ولكن لم يتكبد أحد عناء فتح النوافذ لتهويتها. وعبر النافذة تأملت بإرهاق ذلك المكان، الذي بدا مدينة صغيرة...
حينما كان الابن جالساً في حضنه، طارت فراشة ناحيتهما، فراشة سوداء، كبيرة. قفز الابن من حضنه، وجرى ليمسك الفراشة. لم يستطع إمساكها، فركض هو ناحية الابن وأمسكه. وقال: “لا تمسك الفراشات.” رفع الصبي رأسه، وسأله: “لماذا؟” “لأن الموتى يتحولون إلى هذه الفراشات.” قال الابن: “هل يتحول الجميع إلى فراشات...
ثوبها الأسود ينبئ عن حياة بائسة ، عندما أخترقت الجموع بلا مبالاة لم يعقب أحد لم يهتم أحد، تقدمت أسرعت خطوها حتى وصلت إليه، جلست القرفصاء حملقت إليه جيدا، وكأنه يراها أو ينهرها كعادته معها، دموعها المتساقطة المختلطة بالخوف والحزن جعلت وجهها أكثر توهجا، تلوك بين شفاه يابسة حروف مبتورة، وكأن تلك...
موجة الأحلام العاتية، تفزع السّبات الرّابض في نفوسهن مع إطلالة كل صيف. عطايا الصّيف هبة موسميّة لا يتجرّأن على مقاومتها وإن تركت على جلودهنّ وأرواحهنّ بعض النّدوب. مجنونة هي الرّغبة في القفز من الأسفل إلى الأعلى، رغم العلم المسبق بحتميّة السّقوط ، لكن اللّعبة مشروطة بتقبّل جميع المخاطر...
كنت قد اعتدت, منذ فترة, كلما وجدتني وحيدًا, أن أبحث عن أي شعاع نور وأطارد ظلي، أراقصه أحيانًا أو أدعوه لكأس، أفتح معه حديثًا طويلًا، أحكي له أسراري ويخبرني هو عن حكايات سرية, لأشخاص آخرين, سمعها من ظلالهم, في اجتماعهم الليلي, بعدما يخلد أصحابهم للنوم. تُضحكني بعض تلك الحكايات, وتحزنني أكثرها؛...
التقيا عند منضدة كونتوار أحد البارات، كل منهما أمامه إبريق من البيرة، وكانا قد بدأا تبادل الحديث، مثلما هو طبيعي، حول الطقس والأزمة. ثم تحدثا في موضوعات متنوعة، ولم تكن جميعها مترابطة بصورة عقلانية. يبدو أن النحيل كاتب، والآخر سيد عادي. وما كاد السيد العادي يعرف أن النحيل أديب حتى بدأ يمدح وضع...
أعلى