سفر: حيلة السلطان
قطار الدرجة الثانية العادية، بل في الحقيقة ممّا دون دونها حتى الدرجة العشرين إن وُجدت، كان ينطلق فيه الباعة الجائلون من كل لون وطائفة، كما أنّ القطار كان ممتلئًا عن آخره أكوامًا من اللحم ملتصقة، أكثر من ذلك كان هناك الراكبون في أعلى حيث أرفف الحقائب.. بعضهم مجند عائد من بعيد...
طاقة الخَيال عنْد مْسَلَّكْ لِيّامْ، أبْعد في رحلاتها مِنْ أنْ تُحَدَّ بأمْيال، لذلك تجدهُ في غالب التّفكير، ساهماً حالماً لا يَسمَعُ من الكلمات إلا آخرها، في غيبوبة محْمولا على أكْتافِ النّمْل كما لو يمْتطي ظهور الأفيال، لَمْ يكن يُخالط النّاس أو يُخالِطوه لِغرابته في الشّكل والهِنْدام،...
جدّتي (صبريّة) من أقوى النّساء، إلّا أنّها تنصاع، لرغبات وأوامر جدّي.. فهي تخافه، وتحبّه، من لحظة ما تعرّفت عليه، يوم الحصاد، أشفقت عليه، ساعدته، وعلّمته، وأعجبت به، بل فتنت بجماله وأحبّته.. وجدّي (سامي) لا يغيّر من طبعه، فهو ابن (الأغا)، الذي يفرض إرادته، على كلّ النّاس.
في بداية شبابها،...
تمنّى أبي أن يلتقي بأمّي ولو للحظة فقط، ليقول لها كلمة واحدة.. سيتحدى أعراف مدينته ويعترف لأمّي دون خوف أو خجل.. نعم سيضرب بعرض الحائط كلّ التّقاليد والأعراف والعادات البالية.. وسيهتف بحرقة، ومرارةِ، وتحّد، وإصرار:
- أحبّكِ.. أحبَّكِ.. يا (زينب).. يا حبيبتي.. يا زوجتي الرائعة.. يا أمّ ابني الذي...
برفقة عمّي (عمر)، ذهبت جدّتي إلى.. البلدة التي تعيش فيها أختها.. والتي تتبع لهذه (المنطقة)، وكان الوقت مساء، لذلك ومن المؤكّد، بأنّها ستنام هناك.. أمامها ثلاثة بيوت، يتوجّب عليها زيارتهم، دار أختها (فطيم)، التي هي من تقصدها في الأساس، لخطبة حفيدتها لأبي، والدّار الثّانية هي لأخيها (الحج محمد)...
عاد أبي مع جدّي إلى الدّار، التي كان قد طرد منها.. وكان قد اشتاق لها ولأشجارها، ووردها جداً، ففرحت جدّتي بعودته، حضنته وقبّلته،ولكنّها بكت لمّا عرفت، ماذا دار في الجلسة، وماذا كان طلب جدّي (عبيد)، لكنّها علّقت، قائلة:
- في النّهايةِ، ستعود إلينا زوجتك، مهانة وذليلة، ومكسورة الخاطر.. ولكن نكاية...
نام أبي، في دار عمّه الحاج (حسن) عند أختيّه، حدّثهم في الأمر، ورفض تناول طعام العشاء.. وكانت ليلة صعبة جداً على أبي، وعلى أمّي، التي لم تجرؤ أن تحدّث أهلها، في الأمر، ذلك لأنّ (جدّي عبيد)، لو عرف إنها خرجت، من دار زوجها مطرودة، وفي الليل، لرفض أن يعيدها إلى هذه الدّار، مهما صار، فقد كان شديد...
(مصطفى الحاج حسين).
(جدّي)، خلال سنة واحدة، دفع عن أبي (خمسمائة) ليرة، (ليعفيه) من (العسكريّة).. ثمّ وبذات السّنة،صرف على زواجه، من أمّي، (خمسمائة) ليرة ثانيّة.
(جدّي)، في منتهى القسوة عندما يغضب، يريد ويطلب من أبي،وجميع أفراد إسرته، أن يتمسّكوا بالأصول، وأن لا يخرجوا عنها، وإلّا سيلقون منه، ما...
عندما مات (الأغا)، وجد جدّي (سامي) نفسه، فقيراً وبلا صنعة تستره، وتمكّنه من العيش، فصار دائم الحزن، وعابس الوجه، لا يقدر أن يشكو أمره لأحد.
لم يكن (جدّي) متزوّجاً بعد، ولا دار ملك عنده، وليس بيده صنعة، وأخوته الكثر، عندهم ما يشغلهم عنه، ومنهم من كان متزوّجاً، ومنهم من كان مثله عاذباً، يبحث...
بدأت حالة نبيل تسوء يوماً بعض يوم، ما لم تحصل معجزة فمن المستحيل أن يتماثل للشفاء وهو لم يتلقَّ أي علاج من الأصل، ومازالت إدارة السجن تماطل في علاجه حتى ولو كان ذلك على نفقته الخاصة، وتكتفي بما يوصي به طبيب السجن من مسكنات ومهدئات تراوغ المرض ولا تشرع في علاجه، يبدو أن الحرمان من العلاج هنا...
التفت أسرة رابين حول مائدة العشاء، وبريق السعادة يتألق في عيني رابين وزوجته كيفيرا حاييم، وهو يقول:
- نسور الجو نفذوا اليوم أكثر من مائتي طلعة. أتمنى أن يأتي يوم نتخلص فيه من هؤلاء الأغيار.
فترد زوجته في ملل:
- لا أظن أن ذلك اليوم سيأتي.. ستكمل ذخائركم قبل أن تقضوا عليهم.
يومئ رابين برأسه...
(الخطبة الاولى لحي سليطة
حذار :اصغوا اليّ جيدا انا حي سليطة الاقرب لمركز اللواء وانا المتارجح بين المدينة والريف والمحتفظ ببقايا الثورات والشاهد على خرائط التعذيب والامال الكاذبة وزرق ابر التخدير...طلابي في المتوسطة تتفوق علما على الشهادات الجامعية القادمة انا لا اصدق ان يسيل دم على ترابي لاجل...
لقد أقبل الشتاء إلينا باكرًا، وكان الجو باردًا، حتى إن النَفَسَ التي خرجت من أفواهنا، كانت مجرد مليمترات قبل أن تتجمد. مشينا في مساحة بيضاء ناصعة، وغطى الثلج أجسادنا، حتى لم يعد من الممكن تمييزنا، بَدَونا كأشباح تتحرك في وحشة الأرض وصمتها. قوة مسلحة تخترق طرقًا صخرية، لا حياة فيها، عالَمًا...
أقبل الليل ملتحفاً عباءته السوداء، طامساً لوحة القطاع بفرشاته السوداء، يتخلَّله وميض القنابل التي تنهمر على دفعات متقاربة، فيتداخل دوي القنابل بسارينات سيارات الإسعاف وأصوات انهيارات المنازل. ثمَّة بيت في أطراف القطاع ينبعث منه بصيص ضوء، بالداخل امرأة في العقد الثاني من عمرها ذات وجه طفولي وجسد...
شرع الجنود في التفتيش العاري للأسرى، هذه أول مرة يتعرض فيها لتفتيش كهذا، وهاهو الجندي ديفيد يعبث به، ويطلق قفشاته الماجنة، والتي يصف فيها جسده النحيل، هذا الجندي قد تجاوز حدود الوقاحة وهو الآن على مشارف حدود المجون والخلاعة، إذ يصف أعضاء حساسة لنبيل الدباغ حتى نبيل نفسه لم يلاحظ ذلك فيها، وكان...