سرد

أنا لا أخذلك أبداً، نبرة صوتي تقول لك بأنني سعيدة، ضحكتي المجلجلة تخبرك بأن صحتي على ما يرام، وأنني أنام ملأ جفوني وأرى أحلاماً هانئة، ملابسي كما تراها في الصور بألوان زاهية، لأنني أرى أن لا علاقة للألوان بعدد سنين العمر أو بما يعترض الإنسان من اضطرابات نفسية، لذلك فأنا أختار من الألوان ما أشاء...
تدور الصحراء حولي، تقهقه.. كعاهرة ثملة ترقص الريح، تكشف سوءتها، بغزارة ينهمر المطر، من جحره، بأنياب مجوّفة منحنية، يخرج ثعبان أسود.. أركض، بمكرٍ تسحب الفيفى بساطها من تحت قدميّ، أسقط، أشعر بالرمل حارقاً، ناعماً حدّ انسياب النار في جسد الموت، أصرخ، أستيقظ…. يلفّعني الليل، تجتاحني برودة غريبة تهزّ...
إلى سارة وليندا ومنال ومريم وأشواق.. وإلى رجاء وسمر ونور.. وندى، وكل الأمهات ممن تأسرُ قلوبَ أطفالهن حكاياتُ ما قبل النوم قبلَ الطّوفان وتمادي البشر في المظالم والفسادِ والطُّغيان، لم تكنِ القططُ من عداد الحيواناتِ على ظهْرِ سفينةِ النّجاة، لأنها لم تكن مَخْلوقَة بعد. لكنْ؛ حينَما انتشرتِ...
لا شيء يؤرقها غير حصولها عَلَى النَّزْرِ اليسيرِ مِمَا تحظى به الكثيرات مِنْ بناتِ جنسها، بَيْدَ أنَّ مَنْ يُفترض أنْ يكون أقرب الناس إلى قلبِها، لَمْ يمنحها يوماً ما يمكن أن يفضي إلى إيجادِ بيئة أسرية تغمرها الألفةِ وَدفء العاطفة الدافقة، بالإضافةِ إلى إغفالِه ما بوسعِه أن يقدمه لإشاعةِ روح...
تبدأ الريح بالعصف من غير توقع. تحمله مع الأوراق و غبار السنين. يتعرى من تجاعيده ومن كل سمات الموت، ليحط في مدار بعيد ينسكب فيه الزمن في مسار معاكس يبعده عن شيخوخته. ينظر إلى الأسفل. تلوح حلقات عمره المستهلكة وهي لم تزل محتفظة بكل توهجها و حرارتها. تقذفه الريح صوبها. يتجرد من كل شيء وهو يهوي...
تتبدى الصباحات الخريفية كابية مشوبة برائحة مطر خفي يتمّنع عن مغادرة السحب الرمادية العابرة، لكنه يرخي بظلال برودة خفيفة تدغدغ الجسد فتسري فيه قشعريرة غامضة لذيذة! تلك الصباحات الكابية تحرض فيك تساؤلات شتى لطالما زادت درجات القلق المتشبث في نفسك مذ طغت هموم الآخر على همومك كلها وراحت تبث داخل...
كنت امشي في طريقي المألوف مشيتي المعتادة الوئيدة، والريح عالية، والشمس براقة، والجو قارص البرودة.. امشي ووشاحي القديم المتهريء يلحف رقبتي وأذنيّ. أمرّ من جنب الأشجار التي جلدها برد الشتاء وأسقَط ربيعها وكنت أزحف في طريق يعج بأوراق ميتة تجرفها الريح طول طريقي إلى المدرسة حيث كنت في الصف المنتهي...
أفاق السّيد إبراهيم هذا الصباح فزعا يرتعد: "هل تأخرت عن عملي؟ " نظر إلى ساعته: "غير معقول حتى الساعة توقفت... إن النهار قد طلع في الخارج، يجب أن أطير إلى عملي طيرانا، لن أعطيه فرصة أخرى، ذلك "النذل" كي يسوّد ملفي أكثر.. ثلاثون سنة لم أتأخر فيها ولو دقيقة واحدة عن المؤسسة، أصل أول الموظفين...
وديع العبيدي (1) القائمة الأولى التوت في الطريق فتركت في الصحراء. (2) حملت متاعي قاصداً مكان عملي مع انقضاء عطلة الاسبوع.. وما متاعي غير ما يحمله الغريب في هذه الدنيا.. لا يأسى على شيء ولا يسعى إلى غاية.. وإنما حياته مثل سحابة تدفعها ريح فتندفع.. أو تسطع عليها شمس فتتفتت.. لا أعرف أين أنا...
كنت امرأة وحيدة، أعيش بين جدران اربع لم اعرف خبايا العشق، لم أخبر أسرار متاهاته التي عرفت ممن غارن بين تلاطمات امواجه، لم ادخن العشق مرة، لكني علمت انه يمكن او يودي بمن يدمنه هوسا نحو الموت او الجنون، عزفت طويلا عن لا اخوض في ركوب عاتي امواجه، لزمت الصمت فَرُحت أرسم كيف ستكون حكايتي مع من احب،...
جدي كان إنسانا هادئا، لا يتكلّم أبدا لمجرد الكلام. وجهه كان يشعّ بابتسامة عذبة ، وملامحه تنم عن هدوئه الداخلي النادر. أحيانا، كنت أراه في أزقة القرية، حين كنتُ ألعبُ مع صديقاتي، بمعطفه الكحلي الغامق وقبعته الشركسية السوداء، يمرّ بقربنا. لم يكن يقول لي شيئا، ولكن ابتسامته الواسعة كانت تقول لي كل...
حين توقف امام الخيمة، احس برغبة في ان يستفرغ ما في قلبه وروحه، فالحزن قد بلغ مداه، والنكد ملاقيه اينما اتجه في هذه الارض التي ضاقت كثيراً في عينيه حيث ضاقت روحه فصار يرى الكون صغيراً، ربما يشير ذلك الى ان روحه تتهيأ للرحيل الى عالم ارحب، هذه المرة اختار هذا البستان القريب من ضريح احد الصوفيين...
هكذا كانوا يستشعرون مقدمه... من همسه المنفلت..من شخيره المتعب..من صخب خفيه وهما يكنسان الأرض..من رائحة السمك التي ترافقه أينما حل وارتحل.. ومن ظله الأعوج وهو يسابق هيكله الخيزراني.. فترقص قلوبهم فرحا..يخادعون الرتابة على غفلة من أنفسهم..يعلنونها فرجة مفتوحة.. فيتكومون على بعضهم البعض مثل فريق...
جلس في مقهى التراث الشعبي ..على ناصية الطريق الخراب .. بين برج الساعة المتوقفة ومصرف ليبيا المركزي … طلب قهوة وزجاجة صغيرِة من ماء النهر الصاعي … وتقنفذ على نفسه في كرسيه يفكر … على باشا الجزائري .. الذي أمر بتشييد برج الساعة … مصرف ليبيا المركزي.. الذي كان برجا إسمه برج المجزرة … سيف البحر...
الخراطيم مقّلصة والصنابير ظامئة والحيتان فاغرة أفواهها.. وغابات الصبّار تستنزف الطاقات بالرغم من أجسادنا النازة بعرق الانكماش ولسع السياط العالق بنا كذرات رمال متصمّغة إلا أن الشفاه والأهداب تتحدى النواجذ الزعاف.. صمت مخجل يخيّم على أجوائنا ..أهي الرغبة عن اللا جواب أم هروبا من صدى الأجوبة...
أعلى