أوغلت في ممر النسيان فترة لم أستطع تذكرها، عادة تلازمني يحلو لي فيها الارتحال إلى أماكن تغيب عنها الشمس، حدثت فيها غرائب أتأسف أن لم يكن لدي قلم لأسجلها؛ ثمة أمر ظل يدور في ذاكرتي، حاولت أن أدعه يتسرب إلى الممرات الخلفية، يبدو أنه كان مثيرا لدرجة غير معقولة؛ حين ندون تلك الجذاذات نستبقي بقية من...
تتوارد أنباء من بلاد بعيدة؛ أن بقرة حمراء تجري في الحقول لا تترك أخضر إلا أكلته؛ فتذر الأرض وراءها خاوية على سوقها، تضخمت حتى صارت أشبه بفيل عملاق، عيناها تدوران بوميض مخيف، ذنبها يقارب ثلاثة أمتار، تشرب إناء يعدل خمسة أمواج من ماء نهر السند أيام الفيضان أو يزيد عليها قليلا، تدر لبنا محلى...
يمكنني أن أمكث في غرفتي لوقت طويل، أو أهيم على وجهي دون سبب. أندفع بجنون نحو الرفقة، أو أحدق كجدار في وجه الآخرين، أن أعيش في العراء أو في قصر فاره.
لا فرق!
فأنا أنتمي لشعوب الحدود القصوى… البلاد التي تتأرجح بين شعر مجنون ليلى ودماء الحلاج. خمريات ديك الجن ونصوص ابن حنبل، وجودية أبي العلاء...
ما الذي يميز هذه المرأة؟ أتأمل ملامحها، شفتيها اللتين تنفرجان عن ابتسامة باهتة غامضة، تذهل الناظر إليها. نظرة عينيها ترافقك أينما حللت في هذا الفضاء الواسع. لباسها الأسود، الوشاح الشفاف فوق خصلات شعرها، يوحي بالحزن والألم الذي يسكن دواخلها.
من تكون هذه المرأة التي أثارت انتباه عشاق السحر...
كان يظن أنه يستطيع الإفلات من أسر حلمه ..
لكنه كلما حاول التخلص منه كان الحلم يتشبث به أكثر
كان يمشي بين الناس وهو يجر من خلفه حلما ... هل تتخيل هذا ؟!
أينما ذهب كان الحلم يتبعه مثل ظله أو بالأحرى ككلب مطيع يتبع سيده أينما ذهب.
تعود أن ينظر إليه الناس في استغراب...
يجلس على المقهى وسط تعجب...
جلس ناصر فرحان في مكانه المعتاد على نفس الطاولة، في إحدى زوايا مقهى الهافانا، مرتدياً قميصاً أزرق، وبنطال جينز، مغطياً صلعته بقطعة شعرٍ مستعارٍ غالية الثمن، كان قد حصل عليها من أحد المحلات الفاخرة بعد أن نال مكافأةً ماليةً كبيرةً في إحدى المسابقات الأدبية، فتح حاسوبه ولقّمه كلمة السر وأشعل...
في حارتنا باب خشبي كبير، دار عليه الزمن، جعلته الفئران ملهى ليليا، كنت أخاف المرور جواره، عليه تصاوير مفزعة، تسكن الشياطين البيوت العتيقة التي هجرها أهلها، سمعت عنه حكايات روتها جدتي؛ يوما ما كان يضج بالحياة، نوافذه كانت مشرعة، البنات الجميلات كن يترآين من نوافذه، شعورهن السابحات مثل اغصان...
- سيداتي سادتي ننتقل بكم الآن إلى بث مباشر لنقل تشييع جثمان آخر امرأة في العالم.
نحن في العام الثلاثين من التقييم الكاسيراسي.
ولكن لماذا أقول سيداتي سادتي، ففي الواقع لم يبق سوى سادتي، أما سيداتي فقد انقرضن خلال الثلاثين عاما الماضية بعد انتشار فيروس الكاسيراس الذي أطلقه العالم المجنون كاسيراس...
مهما يَكُن العِقاب الذي سينالني، فقدْ قررتُ أن أكتب وأن أعترف، لا بدّ وأن أخفِّف عن كاهلي كل ما أشعر به الآن مما يثقِله، أثِق في عدالةٍ ما سوف تنصِفني يومًا إذا تعرضتُ لمحاكمة أو لعقابٍ بسبب اعترافاتي تلك التي ستقرؤونها. مِن حقِّكم أن تعرفوا الحقيقة، ومِن حقِّي أنا أن أَظهَر للناس بصورتي...
تناول الشيخ إفطاره المعتاد، يتبلعه كيفما اتفق له، لبن وجبن وشطيرة خبز، يزدرد كوب الشاي وينكت الأرض بعصاه التي لا تفارقه، يرسم ألف وجه ليوم نترقبه من حديثه حين تنثال كلماته، يحلو له الحديث عن عالمه المنقوش في ذاكرته، أنصت إليه، حين تشرق الشمس تذوب كتلة البرد التي تخيم فوق منزلنا الحجري، نحن هنا...
كاد أن يهوي لولا كبسة زر عبثت بغفوته وأيقظته من بقايا كابوس أوشك أن ينتهي به وبمن معه إلى كارثة. لا تزال أسلاكه المتهالكة رابطة الجأش، وهيكله المعدني يحميه كدرع محارب تقدم به العمر. يبدو أن سنوات عمله الطويلة أنهكته في ذلك المبنى الإسمنتي البارد الضخم الذي وشمه بثلاثين طابقاً رغماً عنه وعن...
حينما عزمت على كتابة مذكراتي .. طرأ على بالي سؤال : من سيهتم بقراءة مذكرات قاتل مأجور سيعدم بعد أشهر .. لم أعثر على جواب لكن وجدت أن الوقت الذي أمضيه في الكتابة سيمنع عني التفكير في الموت وما سيحدث لي بعده .. هناك سبب ثانٍ سأخبركم به في نهاية المذكرات.
اسمي طه الأسمر .. لا أدري هل هذا اسمي...
تركب القطار، دائمًا ما تفضل القطار عن المواصلات الأخرى، تهوى الزحام بين الناس لعلَّك تجدُ مَن هو أكثرُ منك ألمًا، لكنك لم تجد.
ها أنت قد تجاوزت من العمر الثلاثين، لكن قلبك قد بلغ من الكبر عتيًا، اتخذت من قلبك خليلًا، فصار حمل قلبك كحمل الجبال أو أشد قسوة.
دائمًا ما تناجي قلبك وتبثه همومك...
لم تشهد بلدة مثل ما شهدته بلدة كوناباكي من لعنة، بل كابوس حط على رقاب أهلها. كوناباكي هي بلدة إفريقية تقع على ساحل من سواحل إفريقيا شديد التعرج ولذلك كان ساحلاً مهجوراً؛ إذ لا تقربه السفن بسبب تضاريسه القاسية الوعرة. وبالمعنى الحرفي فقد حطت اللعنة على رقاب أهالي تلك البلدة. وبدأت القصة حينما سقط...