سرد

كان في حارتنا .. رأسُه ثقيلٌ أشعث، وكرشه زاده قِصَرا، إذا ما غاب؛ افتقدناه، وذهبنا جماعةً، نصيح: - يا .. ونش. أبوه يخرجُ بالشارب الكبير .. عيناه تقدحان؛ فنقفز: - رَوْحوا، يا أولاد الكلب. يغافلُه، ويأتينا، فنضربُ قفاه، ونقرصُ خديه الواسعين، وننتفُ شعرَه المتهدّلَ المتسخ، وهو يوزعُ الابتسامات: -...
تلقيتُ قبل بضع ساعات طلب صداقة على الفيس بوك، وأهديت صاحبته باقة ورود؛ فأمطرتني بوابل من الرسائل، تشكرني على قبول صداقتها، وتدعي أنها رقيب بالجيش الأمريكي، ضمن قوات حفظ السلام الدولية في المنطقة، ثم طلبت التعرف إليَّ، وسألت عن معظم تفاصيل حياتي! برغم أنني لم أكتب في ردي كلمة واحدة عن نفسي، فوجئت...
أيا ساكنَ البروازِ، والهائم بما أنت فيه: كأنّك عشتَ؛ لتعلَقَ شارةَ ضبطٍ لحركةِ العابرين، يُلقون نظرَ الغدوِ، والرّواح؛ فتبزغْ كريشةِ زَغَبٍ، وتُرعِشُ كلمحٍ، وتدورُ كذبالةِ ضوءٍ. تمكثُ بشبقٍِ؛ وأنت تجمعُ الهمسَ، أو تصفّفُ الصمتَ كمايسترو السكون. أيّها المُلتذُّ؛ وأنت تصول، ولستَ المُبرحَ، ولا...
محطة الشمال ( تلك باريس) نـــجيب طــلال أغلب المدن الأوروبية ، تتوفر على محطات قطار تبهر إلى حد بعيد بجماليتها واتساعها وخدماتها وحركتيها الدؤوبة ؛ لكن ل(محطة الشمال / Gare du Nord ) التي تم بناؤها سنة 1864 نكهة خاصة ؛ نكهة تاريخية تهدف لإبهار كل من يرتادها من أول نظرة، أما في حقيقة الأمر...
حبلت جدران عقله بأفكار راقت له أملاً فأراد أن يرسم المستقبل لها، لكن بقايا قيود أجهضتها فسالت على شكل دموع خرجت صارخة لا يمكن الحياة في زمن توئد الطموحات بسبب سياسات عقيمة. جلس في غرفته التي خارت قوى هيكلها من كثرة انتظار وعتمة، تطلع إلى مقبس الإنارة الذي لحست قرنه ظلمة في عدم وجود كهرباء،...
كل الأولاد في المؤسسة الاجتماعية يرتدون الشورت الأزرق المتآكل والقميص الرصاصي الممزق القديم إلا الولد نادر، فله وضع خاص ومعاملة خاصة. هو في حوالي السادسة من عمره، جميل الوجه، وجسده يميل للامتلاء، تهتم به دادة أنجيل التي تشبه الخواجات، وتمازحه ويمازحها، تضمه إليها وتقبله كإبنها. يرتدي في المساء...
عندما تعلقت المروحيّةُ؛ غمرتني دهشةُ الحالمين .. على نافذة الفصل؛ رأيتها بأمِّ عيني .. دقّقتُ، وتمحصتُ، ونقّلتُ بصري .. تيقنتُ مما أرى؛ عندما شهق الصغارُ، ثمّ شرعوا جماعةً بالتصفيق. كانت هائلةَ، تؤرجحُ هيكلها .. لم ينتبني هلعٌ، بل راحةٌ، وجذل، كذلك الصغارُ الذين بدوا مرحبين، وهي تزنُّ مثل دبورٍ...
ولأن الشتاء لياليه طويلة، فالحكايات معادة، مثل كل الأشياء التى نقلبها على وجوهها ومن ثم نقنع بها، إنها دوامة تدور بنا، أعادتني كلماته إلى أيام التسكع في الطرق، مثل الجراء لا مستقر لها، البعض سيعجب من هذا الوصف، لا يهم، كل ما كان أن الذاكرة المعطوبة بدأت تستعيد بعض المفردات التي مضى عليها عمر...
توقع المهاجم اندفاعي، راوغني بسهولة، أطلق المدرب صافرته حين رأى الحنق باديا على وجهي وأنا أنطلق خلف المهاجم لأركله، انتحى بي : الحياة مباراة غير منظمة! والمباراة حياة منظمة؛ لاتندفع فيعرف خصمك توجهك فيراوغك بسهولة، اركض نحوه ثم توقف فجأة حتى تسد عليه الرؤية ويُعدم زاوية التمرير فانقض عليه...
يتَوجّب عليّ تَجديد جواز سفري ، اعترف مُرغما بأنّ علاقتي بمكاتبِ إنهاء المعاملات الحكومية ليست على ما يُرَام، رُبّما لتَغيّبي عن الوطنِ في غُربةٍ بلا نهاية ، ما إن وقعت عينيّ على تاريخِ الانتهاء ، حتى عاجلت ذاكرتي مَخاوفَ لا حَصر لها ، ليلتئذٍ جفاني النوم إلى أن انبثقَ الصُّبحُ ، تمام السّابعة...
يوم امتلك حسن صديقي تلك الكرة ؛ رقّصها مطاطيّةً ملوّنة، غلبَ عليها لونُ الذهب. أبوه كان صاحب مقهى أسمر نحيفا .. كنتُ إن رأيتُه، تخيلته يعلكُ قطعة الأفيون التي دسّها تحت لسانه .. هذا ما رددته على مسمعي نسوةُ حارة مخيمنا الصغيرة. في بيتنا ترددتُ طويلا من قبل أن ألقي قنبلتي، واطلب كرة مماثلة،...
خمسة أعوام فقط، عمره بيننا كأننا لا نستحق وجوده مثل كثر يموتون من الجوع والبرد والحروب والأزمات المفتعلة، برعاية هيئات أممية تدعي زورا وبهتانا إنسانية هي منها براء، موت على الهوية الدينية،أدرك ريان أننا الأيتام على موائد اللئام، كان يرنو إلينا بعينيه مرسلا شفرات من نوع ما،يراها بأم عينيه، إلى...
تزاحمت الأسئلة في ذهنه، ابتسم دون أن يعلق على استفسار زوجته: -"ما هذا؟ هل نرجع إلى قريتك ؟" أبهجت قلبه، برعشة محب رأى محبوبته بعد لهفة، رائحة شوارع تلك القرية التي افتقدها كثيرًا، ومناظرها التي تدور أمام عينيه كأنها سلسلة من الصور تشكل مشهدًا يلخص حياته، وهو الذي راقت له الحياة المرفهة كأنه ولد...
فجأة وجد نفسه في قرية بومالن* داخل منزل اكتراه من أحد الأصدقاء الذين كانوا يعملون معه منذ سنوات خلت . لم تكن معه زوجة ولا أولاد . كان صحبة مدرسين أحدهما أخ مالك المنزل ، يقتسمون غرفتين ، وتركوا الثالثة للضيوف . لم يتفاوضوا على سعر الكراء ، فقط خمن أنه سيكون مرتفعا بالقياس إلى الماضي . ثم رأى...
قبل الموتِ؛ حفرتُ حفرتي .. أخترتُ موطن مأواي الأخير، ولقد راقني التعرف إليه. شُدِه الحارس؛ حين علم أنّ تلك الحفرة ما هي إلا حفرتي، فباعد المسافة التي بيننا، وقد اتسعت عيناه، وعلا جبينه، حتى أيقن أنّ الأمرَ جديٌّ، وأنني لن أشجّ رأسَه بالفأس؛ وشرع بمناولتي آخر قطع البلاط. نقدته ما في جيبي، وقلت...
أعلى