سرد

السيد أبو قزازة، هو سكران حيران كما يقولون بالعامية، رغم أنه قد تجاوز منتصف الخمسين، وهو رغم ذلك نحيل البنية، ذو شعر يبدأ من منتصف نافوخه وينحدر للخلف، شعر ناعم ولكنه متشابك الخصل. وجهه يبدو كجمجمة مسحت بالقليل من اللحم وألصقت عليها عينان وشفتان وأذنان. هكذا فحسب. لا يملك أبو قزازة -واسمه...
كانت مغامرةً مجهولة، قد نجوتُ منها بعد أن كِدتُ أن أدفع حياتي ثمنًا. بعد معاناةٍ طويلةٍ وشاقة مرَرْتُ خلالها بِعدَّة بلدان وعبرتُ المحيط بسفينة الموت، أخيرًا حطَّت قدماي على هذه البقعة الجغرافية من العالم، مرَّت السنوات بِحُلوِها ومُرِّها، تعلَّمتُ لغتهم لكن لستُ أضاهي أهلها في نطقها، لم أستطع...
سافرتُ يومًا في طائرة، مع امرأة حائرة، روحها ثائرة، و ألجأتنا صحبة السفر، إلى الفضفضة والسمر، وأُجبرتُ على الاستماع، إلى كل الهموم والأوجاع، أضحك و أنفعل، ويهدأ بالي ويشتعل، وكان يتضاعف على قلبي الهم، كلما أسهبَت في وصف ما عانته في زواجها من غم، و قُبالتي رجل نحيف طويل، لم يتوقف عن غناء...
قبضت الكورونا على المخيم .. وكانت أخبار الضحايا الجدد تتوالى إلى الأكواخ .. فرغ الميدان الصغير، والشوارع، والأزقة، وغادر النسيم في صيفٍ مرعبٍ ثقيل .. كانت الكورونا تمشي على سيقان، وتتنقل قرب الجدران، وكان سكانُ كلّ كوخٍ يحسونّ أنها على وشك أن تقرع صفيح الباب .. كلّ شيءٍ كان ينبيءُ بالموت ...
أخيراً وافق جدي أن يقتني.. هاتفاً ذكياً بدل هاتفه النوكيا الأنتيكا، كان موقفه عدائياً دوماً من ذلك الشيطان الرجيم -كما يصفه- يقول: هذا ما كان ينقصني؛ أن أصبح مثلكم قليل عقل، هذا شيطانٌ رجيم، يحتوي من الموبقات ما لا يعدُّ ولا يحصى، تضعون رؤوسكم فيه، وتحركون أصابعكم وتبتسمون له ابتساماتٍ بلهاء،...
انتظر حتى شعر أن الزميل الجديد قد استغرق في النوم، بهدوء فتح باب الغرفة ، اتجه نحو الثلاجة، كشف غطاء إناء اللحم، أحصاها، أخذ يقتطع من كل قطعة جزءا، جمع الأجزاء في رغيف وأخذ يأكل بسعادة، عاد أدراجه، استلقى على ظهره وهو يحرك يده على كرشه المنتفخ كحامل في شهرها الأخير . حين شعر بزميله يتحرك مغادرا...
كنت قد كتبتُ هذه القصة في شرخ الفتوة الفَتون، واليوم ذكرتني بها قصة للكاتب الصيني (لين يوتانغ) بعنوان تمثال الخلود. ثم أن قصة جزيرة الحب ضاعت مع ما ضاع خلال أكثر من سبعة وعشرين عاماً مضى من بعد كتابتها، فهي لم تكن بأكثر ما خسرته: وقد قال الشاعر: عبثاً تقفو خطى الماضي الذي خلت أن البحر واراه...
لماذا لا تريد أن تحكي لنا الحكاية؟ لماذا تبدو هكذا؟ جافا أو شاحبا، كأنك خرجت لتوك من قبر أو من حرب لم ينج منها سواك. ما هذا في جيبك؟ لو أنك أردت إخفاءه، ما تركت جزءا منه ظاهرا. هل هو لسانك؟ قطعته وأودعته جيبك دون أن تنبس بكلمة. حسنا إثرها لم يعد بإمكانك أن تفكر في ذلك. حذاؤك مغبر، جئت من قرية...
هزَّ الأجداثَ صوتٌ آمرٌ؛ فقامت الأكفانُ من رقادِها. لم تُطل الأكفانُ انتظارَها .. كلُّ كفنٍ مدّ يديه؛ وفكَّ رباطَه. .. تداعت كلّها ولم يتأخر كفنٌ واحد. ساطها الصَّوتُ؛ فاستجابت .. زحفت عبر الرملِ من كلّ صوبٍ، وكان الصوتُ طيرا .. يعتلي خيوطَ الشمسِ: لا يتبقى حيٌّ في الباطن. عادت الشمشُ بكرا ...
نمتَ متأخرا ، واستيقظتَ متأخرا . تناولتَ وجبة الفطور . كلما خرجتَ من المرحاض ، تحمد الله وتشكره ، وأنت تتذكر شخصا من الماضي عانى من الإمساك . كان دائما يسأل عمّن يريد الدخول إلى المرحاض ، فهو عندما يدخل ، ويُغلق عليه الباب ، قد يبقى على هذه الحال ساعة أو أكثر . بعد ذلك حملتَ حقيبتك ، وكيس...
مُتعب، لست متأكدًا إذا كنت قادرًا على قطع وعود للمنزل، الشعر، الأخرين، فقط أسلّم ذخائري لسياق الحياة و مجرياتها، على حد علمي ليس لدي مشاكل مع يانصيب الحظوظ، متعب لأن هذه المدينة أطاحت بي أما الأماكن فقد خلعتني من كل شيء إلا تابعية الحنين لها، لست متأكدًا سوى أنني أزاحم الوقت على السهر، أملك قطة...
اليوم الخميس، وكما يحصل في نهاية كل أسبوع تشهد شوارع المدينة أزمات مرورية خانقة، فأغلب الموظفين والعمّال يعودون إلى قراهم ومدنهم في هذه الساعة من النهار.. نزلتُ من "الفورد" قبل محطته الأخيرة بمائة متر، مشيتُ نزولا باتجاه رام الله التحتا، كان الجو حارا، وقد زاد من حنقي اكتظاظ الشوارع بالمشاة،...
إذا جاءكم الربيعُ كرسولٍ من أمّه الحياة لا تكذّبوه قائلين ما أنتَ نبيّ بل متنبّي وسحرٌ وشعرٌ ما تفتّق عنك من زهورٍ وطيورٍ ونسائم ولا يفلحُ الساحرُ حيث أتى لا تعدّدوا على مسمعه دورةَ الحياةِ وكيف تلتهبُ أنفاسهُ الطيبةُ إنّ حلّ صيفٌ وتتساقطُ أوراقُه باهتةً في حزنِ الخريفِ وتغسل زهوَ ألوانه عربدةُ...
ثمة إعلان في صحيفة يومية مزينة بصدور عارية وبخواصر تتثنى، بها أخبار عن صفقات هنا ومذابح تجري في بلاد أخرى، تعرفون أنني لا أشتري تلك الأوراق التي تمتليء بالوشاية والنميمة، إنها تهتم بعالم الأزياء وأدوات الزينة وقد تكتب عن الفن وسقطاته، يحلو لي أن أصفها بالمرأة الناشز عن بيت الطاعة، يراها كثيرون...
ضرب ابن حرُّون خادمه ضرباً مبرحًا وهو يصيح: - يا ابن الكلب تسرق بيض دجاجاتي ثم تسرق دجاجتين أيضاً.. فبكى خادمه وقال وهو يحكُّ ظهره ليزيل ألم الجلدات عنه: - أقسم لك أنها ماتت يا سيدي.. مد ابن حرون لحيته للإمام وقال: - والبيضات الثلاث.. أنا أحفظ كل دجاجة من دجاجاتي الألف ظاهراً وباطناً.. وهذه...
أعلى