استيقظتُ على ركلةٍ قويَّةٍ، وقبل أن أفتح عينيّ النّاعستين، انهمرت دموع الوجع منهما أحسست أنّ خاصرتي قد انشقّت ، وقد هالني أن أبصر أبي، فوق رأسي وعيناه تقدحان شرراً، نهضت مسرعاً ، يسبقني صراخي وعويلي فأنا لم أدّر بعد ، لماذا يوقظني بهذها لطّريقة؟!:
ـ ساعة .. وأنا أناديكَ .. فلا تردّ ياابن الكلب...
تسلّق جدار المدرسة ، قفز إلى باحتها
ودخل صفّ ( سامح )من النّافذةِ المكسورة
، وفي الصّفّ كان بمفرده ، شعر بالفرحة تجتاحه ، جلس على المقعد ،واضعاً يديه
أمامه ، مستنداً على المسند ، دار على المقاعد ، وجلس الجّلسة ذاتها ، وجد قطعة ( طباشير ) ، فأسرع نحو السّبورة ، وبدأ يرسم خطوطاً كثيرةً ، خطوطاً لا...
(14)
كنّا نتوقّع أن يكون فوج القادمين في زيارة رسمية لا يتعدّى الأربعة أشخاص وإذا بهم فوق العشرة. رجال ونساء في أشكال وازياء متنوّعة، فيهم الطويل وفيهم القصير، بعضهم بدا متعبا من آثار السفر والآخر لا تبدو عليه أي علامة. دقائق طويلة انشغلنا فيها بالترحيب والتقبيل والمصافحة والتربيت على الاكتاف...
(13)
لم تتلق ربة البيت المصون طيلة عطلة مرضها إلا ثلاث زيارات رسمية إحداها من صديقتها ليلى. أما الزيارتان الأخريان فكانت إحداهما من جهة غير منتظرة. والطريف في هذه الزيارة أنها جاءت بعد أكثر من عشرين يوما على الحادثة الطارئة. عشرون يوما ونحن نتوقع زيارة كهذه لا أماا في المساندة والمساعدة...
(12)
بدأت ربة البيت بمرور الوقت تستعيد عافيتها شيئا فشيئا. ها هي تتدرب على المشي بعكازة واحدة بدل العكازتين، وها هي تطوف في أنحاء المنزل. قد يستغرق منها المشي في الرواق مثلا دقيقة أو دقيقتين بدل الثواني القليلة سابقا، ولكنها مع تمشي وتجتهد في أن تكون مشيتها عادية. ومن فرط حرصها على المشية...
(11)
لم تكن مدّة قيامي بأعمال ربّة البيت فرصة لاسترجاع بعض المهارات المنزلية التي اكتسبتها أيام العزوبيّة فقط، بل كانت إلى ذلك فرصة لاكتشاف أشياء أخرى منها ما يتّصل بالمنزل ومنها ما يتّصل بمحيطه. فمنزلنا الذي نأوي إليه وفيه نقيم منذ عشرين سنة إلاّ قليلا، يقع يا سادتي في ناحية منسيّة من حيّ لا...
(10)
غادرت الأستاذة ليلى صديقتها ربة بيتنا المصون وتركت وراءها أحاديث كثيرة بعضها خفيف لطيف وبعضها الآخر فيه ما فيه من الهرج والمرج. قالت زوجتي: فضحتنا يا رجل. أهكذا تقدم القهوة؟ كأنك لم تستضف أحدا من قبل. قلت مداعبا: ألم يقل الشاعر (يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا / نحن الضيوف وأنت رب المنزل) المراد...
(9)
لم تتلقّ زوجتي طيلة مدّة مرضها التي جاوزت الأربعين يوما سوى زيارات نادرة من بعض نساء الجيران. وتلقّت في المقابل مئات المكالمات الهاتفيّة العادية والمصوّرة والرسائل القصيرة بنوعيها. بعض زميلاتها العاملات معها مثلا أغرقن في التواصل معها عن بعد ولم يتسنّ لهن أن يزرنها. واحدة فقط من بين كثيرات...
(8)
أعمال ربّة البيت كثيرة جدّا ولا تقف عند حدود المطبخ. في كل شبر من مساحة هذا البيت عمل لابدّ منه، في الأروقة وفي غرف النوم الثلاث، وفي قاعة الجلوس، وفي خزائن الملابس، وفي الشرفتين الأمامية والخلفيّة أيضا. في كلّ هذه الأماكن الفرعيّة عمل لابدّ منه. نعم قد تكون الأعمال فيها متباعدة الأوقات...
(7)
لم يكن مطعم السيد محسن مطعما حقيقيّا. هو في الأصل دكان صغير لبيع السجائر الأجنبيّة المهرّبة أو السجائر التونسية المحتكرة، ولبيع المشروبات الغازية وكل أنواع المقشّرات. ولكنّه تطوّر شيئا فشيئا ليصبح محلاّ لبيع المأكولات الخفيفة والسندويتشات العصريّة، ثم توسّع فصار مطعما لإعداد الأطعمة...
(6)
أمام مطعم السيد محسن عدد هائل من الروّاد. أطفال المدرسة ينتظرون أدوارهم لينال كلّ واحد منهم مطلبه، وطلابّ وعمّال وآخرون، والسيد محسن بطيء الحركات ثقيل الردود. يلتفت إليّ. أسأله عمّا أعدّ فيسمّي لي القائمة. أختار ما تيسّر لي اختياره وأنتظر تسلّمه. نصف ساعة أو يزيد. أدفع الثمن وأقفل راجعا إلى...
(5)
فاتني أن أحدّثكم عمّا لحقني من الرهق وأنا أستعدّ لطبخ الكسكسيّ. هذا المطبخ على صغر حجمه كثير الأدراج والمخازن، بعضها لترصيف الكؤوس وبعضها للصحون وبعضها لأواني الطبخ الأخرى. ولا أدري على أيّ نظام تمّ توزيع كلّ هذه الأواني. حتّى العلب المخصّصة لتخزين البهارات كثيرة جدّا وليس عليها علامات تشير...
(4)
غادرت المنزل وأنا لا أدري إن كنت غاضبا أو مبتئسا أو فرحا. والأرجح أنّ فرحا خفيّا بالخلاص من مشقّة الطبخ قد نبت في أعماقي ولكنّ التفكير في البديل قد أعياني. هل أعود لأجرّب من جديد؟ لا تعد. دع الأمر الآن والتحق برفاق المقهى فهم في انتظارك. في المقهى دارت أحاديث شتّى في مواضيع شتّى. لاحظ...
(2- 3)
آلت إليّ إذن مقاليد البيت كلّها فتوليت شؤون الطبخ وغسل الأواني وترتيب الغرف وطي ما تبعثر من الملابس والأغطية الشتوية الثقيلة. وكان أعسر عمل على نفسي هو الوقوف طويلا في المطبخ لإعداد الفطور والغداء والعشاء. أنا في العادة أنهض بمزاج متعكر جدا حتى أني لا أقوى على رد تحية الصباح فأكتفي...
(1
)شاءت ثقافتنا توزيع الأدوار في الحياة العائلية بين الأب والأم على نحو لا يخلو من عدل. فالأب رب والأم ربة والفارق بين الربين أن الأب قانونا وعرفا هو رب الأسرة والأم هي ربة البيت لا بأحكام القانون بل بأحكام العادات والتقاليد.. هكذا سارت الأمور في حياتي منذ بنيت عش الزوجية. فقد آلت لزوجتي...