قصة قصيرة

كان كل من في المنزل قد غادره إلى مكان ما للزيارة.. ولم يبق أحد سواي.. والدي ذهب كالعادة بعد الغداء إلى (المبرز)، ومنه سيذهب إلى الدكان حيث لن يعود إلا قرب منتصف الليل، وكنت أعرف أن أمي لن تعود من زيارتها لأقاربها إلى مساء الغد. كنت وحيداً في المنزل.. حملت أمام الجميع كتبي وأغلقت على نفسي باب...
عدتُ للبيت في المساء ومعي طفلنا الوحيد سَعْد، ذو السنوات الأربع. كنتُ قد انتظرتُه طويلا أمام (الروض) كما أفعل كل يوم، بعد مغادرتي للمكتب. لكن زوجتي امتقعت حين رأته وبدأتْ تنتف شعرها وتصرخ بصوت حاد، يسمعه الجيران: – يا مجنون! من أين جئتَ بهذا الولد؟ هو ليس ابننا سَعْد! ثم حدجَتْني بنظرة يختلط...
الخياط الذي أخذ قياساتي بجهد، نسيت أن أترك له قطعة القماش، ابتعدت ولم يعد بإمكاني الرجوع إليه، في صباح غد عرجت عليه قبل أن أذهب إلى عملي، لم يفتح محله بعد، انتظرته ساعة كاملة لكنه لم يفتح "على غير عادته" يقول الخياط النحيف الذي يقابله. عدت إليه متعبا في المساء، حاملا في يدي المتعرقة كيسين؛ أبيض...
((تلك الجثة التي [غرستها] السنة الماضية في حديقتك، هل بدأت تورق؟ هل ستزهر هذه السنة؟)) ت. س. إليوت، الأرض...
قلب القاضي الورقة أمام نظارته ثم، وكأنما باغتثه نوبة قيء، وضع يده على فمه ليردع زخات ضحك لكنه فشل. شهق وسعل وامتدت عدوى الضحك لهيبة المحكمة وهيئة المحامين وباقي الحاضرين. نظر إلى السيدة صاحبة الوثيقة ثم رفع عينيه والجلسة معا. ماذا جرى؟ الحكاية تعود إلى عصر ما قبل التجاعيد. شرحت الشابة للنسوة...
أحتضن الفلسطيني ذو الخمسين عاما عوده كطفل صغير وراح يدندن وعيناه مغمضتان حتى خلته لم يلمح وجودي وأنا المتطفلة التي قررت أن تجلس بمجلسه اليوم دون إذن مسبق . كانت عيناي تفترسان كل شيء ، أناقته المتناهية ومكتبه وكل الخلفية حتى باغتني بالسؤال : - لمن تحبين أن تسمعي ؟ أجبت ودون تفكير: - نجاة ابتسم...
كان بورخيس الأعمى يمشي وحيدا في زقاق موحش من أزقة بوينس أيرس، في الهزيع الأخير من الليل، وكان ارتطام عكازته بالإسفلت يُسمع من بعيد. ثم حدث ما كان متوقعا. إذ اعترض طريقَه شاب يحمل سكينا، وهدده بها قائلا: - ها قد حانت ساعتُك أيها الأعمى ! لقد قادتك قدماك إلي لأطعنك بسكيني هذه ! بقي بورخيس رابط...
إلى زكريّا تامر ثانية ترك امرؤ القيس( ) دروعه عند السّموأل( ) وذهب إلى اسطنبول. قال سأستجير بسلطان البَرَّيْن وخاقان( ) البحريْن، الـملك الذي أتته الخلافة منقادة إليه تجرْجر أذيالها. ولن يخذلني هذا الـملِك وستكون هديّتي له سخيّة، سأجعل من نصف مملكتي مَصيفًا له ولجواريه. في الطّريق، تنكّر في لباس...
بعد أن طاف شوارع المدينة يوما بحاله يستجدي لقمة العيش دون جدوى، عاد عند المساء يتأمل صور الزعيم وقد ضجت بها الجدران، تاه معها بعض الوقت، حتى رآها تتآكل أمام حرارة الشمس ولفح الرياح وتحت رذاذ المطر، حاول تقدير ثمنها الذي راح هباء، أراد أن يرى تلك الأموال تنفق في ما ينفع البلاد والعباد، إلا أن...
لحسن حظ أمي، لم يكن أبي يعارض على ذهابها إلى حمام الحومة كما لم يمنعها قط من زيارة الأضرحة... رافقتها إلى الحمام ذات صباح صقيعي يستحيل معه الاستحمام في البيت.. دخلنا ودفعنا الحساب.. بمجرد ما أماطت أمي اللثام عن وجهها، أماطت الأخريات اللثام عن منغصاتهن... مداخن أمامي يتسابقن لينفثن أدخنتهن...
حملت حقيبتي في يدي دخلت بابا مزركشا بالسيراميك و الفسيفساء ، صعدت درجين ، فتحت بابا دوارا ، استقبلني بلفحة ساخنة ، كلما توغلت في أعماقه كلما ازددت حبا فيه وعشقا ، رائحته تزكم النفوس ، فيه رائحة الداد و الكبريت ، حرارته قطعة من نار جهنم . تفحصت أنظار الناس رأيتها شاخصة مرهقة من شدة الإعياء ، وجوه...
هل تكفي أغنية واحدة كي تخرّّ الحروف ساجدة فوق سجادة وصالك .. من أطلق أول موّال فيها ؟؟ من وضع لحن الشوق على سلم موسيقاها ؟؟ من باح للريح بأسرار القصب ؟ من أيقظ الأميرة بقبلة ؟؟ ربما أغنية واحدة وقفت على جبل المسرات ونفخت بالبوق, فقام الحرف من بين الأموات… هبّت نسمة وأزاحت ستائر العيد عن فجائعي...
فتحت " فاتن " حقيبتها الجلدية التي كانت تحملها معها إلى حفل " القديدة " التي دعيت إليه من طرف صاحبتها " عوالم " .. تناولت المرآة التي كانت بداخلها . وأخذت تنظر إلى وجهها من خلالها . بدت لها خدودها مثل الجلنار وجبينها ناعم خال من التجاعيد والأسارير مثل النهار وتسريحتها الشعرية فاتنة مثل شعر غجرية...
يَدٌ باردة، وحيدة كالبحر كانت يدها، مُذْ راودها الحلم، شَكَّلَ الآخر لديها إلهاً، ولكن ليس كل الآخرين آلهة. تحلم أنه أخيراً سيأتي كي تغور في الرخاوة وأصابع العشق تحرثها، تهرشها، تشيلها إلى عوالم لم تألفها... لكنها تحدس بها، وخلف ستار الحلم، ربما، كان على مريم أن تَتَّقي مع كل فطور صباحي سيل...
باردٌ، كدمشق في يومها الأخير. أرى: يبلع الرمل الماء ولا يشبع. أرى: أركض نحو أختي، التي ماتت قبل أن تلدها أمي، كي أمنحها سرّي. أنا ابن آخر قطرات من شتاء، كالضجيج أتصاعد... حكاية بخار منفيٍّ من إبريق جدي. وجدي، رأس لطربوش أحمر وقمباز لسجادة صلاة تحت مئذنة. .كان شكل جدي مئذنة. " ألفٌ، لامٌ، ميمٌ "...
أعلى