سرد

في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة، التي رواها إسرائيل بن جمال بن إبراهيم صدقة الصباحي (يسرائيل بن چمليئيل بن أبراهام تسدكه هصفري، ١٩٣٢-٢٠١٠، من مثقفي الطائفة الحولونية، أصدر توراة مشكّلة ودقيقة لتعليم الأولاد وكذلك كتب صلوات، وكان ناشطًا في الحياة العامّة) بالعبرية على مسامع الأمين (بنياميم)...
كانوا يجلسون مُتكِئين على السّور القديم ، يَقْتَعِدون حِجارةً مُسطّحة كأنّها كراسي واطئة ، ويُغَنّون أغنية جماعية ، حين رأوهم يقتربون منهم وقد أحاطوا بهم ولم يتركوا لهم أية فرصة للاِنسلال٠ توقفوا عن الغناء ، شرب سعيد الإسكافي الكأس التي بيده بسرعة ووَضَعها بجيبه ، أخفى أحمد العَسّاس قِطْعَة...
نسمة من هواء البحر لفحت خدوده الندية في غمرة خياله المسافر. قسمات وجهه تعكس عمق التراكمات من الوجع الصارخ عبر سنوات الاغتراب والعزلة. سئم من المتاهات ودروب الانكسار، فعاد بذاكرته الى تلك السنوات القاتمة التي داهمت خيوط أفكاره المشتتة ، فسال لعاب الغدر عبر أخاديد الحياة البائسة ، فيتدفق في قلبه...
أغدقت على صدرها عطراً فاتناً، ولبست بنطالاً فضفاضاً، وظَفَرَت على رأٍسها زهرة حمراء صغيرة، تجلس على الرخام المكعّب، وهي تدير بين أصابعها صورته حين كان مُراهقاً: حنطيّ البشرة، ذو عينين زرقاوين .. ماضيةً تنظر إليه وهو يرسل شفرة الحلاقة فوق ذقنه الصغير، جَرَح نفسه من جرأة عينيه وهي تختلس النظر...
...هذا ماكان يدور في داخله، الحقيقة او ما يشبهها: يخاف من أن يأكله الذئب. الذئب الذي لا يسكن إلا في ما يتخيله، يحلم به، منذ أن صار يمشي في الشارع، ويحدث فجأة ان يميل إلى أحد الجدران، ويستمر في المشي بجانبها الى ان يصل إلى نقطة النهاية،التي تكون غالبا قضاء حاجة إدارية أو منزلية تخص أسرته...
ظل الهمبول يحاول حماية وجهه من الصخور والحجارة بكافة أحجامها ؛ كان جميع أولاد حي القطانة يرجمونه بعنف وساد الهرج والمرج وانفجرت الدماء من أنفه وفمه وأذنيه وعينيه وفقد وعيه دون أن يتوقف الجميع عن رجمه ؛ بل التأم شمل نسائهم برجالهم واستمر الرجم لساعتين حتى تأكد الجميع من موته. بعدها حملوه ودفنوه...
في ذاك الركن المقابل لشرفتها..كان يقف كل يوم لبعض الوقت..يدخن سيجارته ويمضي..الزمن كان على عين المكان.. يسجل حضوره اليومي في نفس اللحظة التي تخرج فيها الى شرفتها..وكانها كانت على موعد مع وقفته..تلك الوقفة التي تتكرر كل يوم دون ان يتبادلا تحية الصباح او يبادر احدهما بالسؤال ..والشارع لا يزال...
الحاج قدور... شيخ يكاد يفرّ من السبعينات بعد أشهر قليلة، لم يحج بيت الله ولكن لباقة الناس من حوله تستحي من لون شعره ولحيته وتستحي أيضا من خطوط الزمن المحفورة على جبينه، فتناديه بالحاج إعلاء لقدره وتجنبا لكلمات ساخطة لا داعي لها في زمن لا حاجة لأحد فيه بأن يتلقى بعضا من إيمان العجائز ! يعيش الحاج...
الساعة الثانية عشر مساء ، موعد تلقي الفحص الليلي لمستوى السكر في الدم ، الفراشة مزروعة في ظهر كفي تمتد ابرتها لتمس العظم البارز فتحدث الما عصبيا خفيفا ومرا. كانت أصول تتابع حالتي باستمرار ؛ السيستر او الممرضة المبتسمة دائما ، سوداء وطويلة ممشوقة القوام ، تنحني باحتراف فتزرع الحقن داخل الفراشة او...
هذه الأيام تحصلُ معي أشياء مُريبة وغريبة تضعني في مآزق كثيرة؟! أكتشِفُ مَثلا: أنّ الأمور الفارغةَ هيَ التي تُحقق نجاحا باهرا؟! وأنّ العالم يفقد عقله؟! وأنّ رأسي يتحولُ إلى رأس عصفور صغير؟! وأنَّ أحلامي تصبحُ فطراَ مسموماً ينتشرُ في كلّ مكان والناس تؤنبني؟! وأنّ قلبي تحوّل لى قنبلة موقوتة؟! أما...
جلست على كرسيها الهزاز بعد أن هدها الإعياء ، تنظر الى السماء بحزن كبير وقد ألتف حولها دخان سيجارتها التي اضحت جزءا من ملامحها. جلست وفي ملامحها بقايا تفاصيل انثى من الماضي ، بعد أن فارقها الأمل وصارت ترى نفسها بلا ذكرى ، بلا أسرة ، بلا أحساس ، فقط كانت تستيقظ لتدخن سيجارتها وتنام لتحلم بها...
ببساطة لقد ضبطته يخونني; لم أكن أحب التطرق للأمر; بسبب أنني أجلس هنا في جو تحفه السكينة والوقار من كل جانب; كنت أخشى لو أطلقت لنفسي العنان; ربما أتلفظ بكلمات قد تخدش الحياء; وتكون سببا في ابعادي من هذا المكان; لذا جثوت في مكاني ورحت أرقب الأطياف النورانية وهي سابحة في الملكوت الأعلى; حتى تهجد...
قررت أخيرا بعد تردد طويل ، أن أرحل بعيدا عن هذا الوطن غير الأمين ، دون أوبة ، فلم يبق فيه ما يجعلني أتشبت به كقرادة ، عند مغرب الشمس عبرت الغابة الصغيرة بصعوبة إلى الشاطئ الواسع و المقفر ، كان البحر هادئا ، مشيت على رمال الشاطئ ، كانت قدماي تغوصان في الرمل فترسم خلفي أثر خطوات حذائي الرياضي ،...
دخان كثيف واصوات اطلاق نار هنا وهناك على الجسر وضبابية الرؤية فوضى عارمة، وابطال لايبالون بالموت يستقبلوه بصدور عارية وراية خفاقة واصوات تطالب بحقوق مسلوبة .. فجأة علَت صيحة استغاثة اااااخ .. احمد : علاوي الحكلي جتي الطلقة براسي . علاوي : بصوت عال وصرخة كبيرة ، ولك احمدددد !! يحمله بقوة عجيبة...
يراهُ الكلُّ - إن رأوه- مجذوبًا، رثَّ الثِّياب، يُخبِّئ شعره الطَّويل، المُتَّسخ وجهه، ويصل إلى صدره الضَّامر. وهو لا يراهم، إلَّا عندما يحتاج إلى أحدهم، في دورٍ يستحيل على أيِّ من أُناس حياته القديمة، القيام به، ليتمِّم به واحدة من حكاياته الَّتي يسردها، مُهمهمًا، على روح الكون. يتأمَّلهم،...
أعلى