سرد

الساعة الثانية عشر مساء ، موعد تلقي الفحص الليلي لمستوى السكر في الدم ، الفراشة مزروعة في ظهر كفي تمتد ابرتها لتمس العظم البارز فتحدث الما عصبيا خفيفا ومرا. كانت أصول تتابع حالتي باستمرار ؛ السيستر او الممرضة المبتسمة دائما ، سوداء وطويلة ممشوقة القوام ، تنحني باحتراف فتزرع الحقن داخل الفراشة او...
هذه الأيام تحصلُ معي أشياء مُريبة وغريبة تضعني في مآزق كثيرة؟! أكتشِفُ مَثلا: أنّ الأمور الفارغةَ هيَ التي تُحقق نجاحا باهرا؟! وأنّ العالم يفقد عقله؟! وأنّ رأسي يتحولُ إلى رأس عصفور صغير؟! وأنَّ أحلامي تصبحُ فطراَ مسموماً ينتشرُ في كلّ مكان والناس تؤنبني؟! وأنّ قلبي تحوّل لى قنبلة موقوتة؟! أما...
جلست على كرسيها الهزاز بعد أن هدها الإعياء ، تنظر الى السماء بحزن كبير وقد ألتف حولها دخان سيجارتها التي اضحت جزءا من ملامحها. جلست وفي ملامحها بقايا تفاصيل انثى من الماضي ، بعد أن فارقها الأمل وصارت ترى نفسها بلا ذكرى ، بلا أسرة ، بلا أحساس ، فقط كانت تستيقظ لتدخن سيجارتها وتنام لتحلم بها...
ببساطة لقد ضبطته يخونني; لم أكن أحب التطرق للأمر; بسبب أنني أجلس هنا في جو تحفه السكينة والوقار من كل جانب; كنت أخشى لو أطلقت لنفسي العنان; ربما أتلفظ بكلمات قد تخدش الحياء; وتكون سببا في ابعادي من هذا المكان; لذا جثوت في مكاني ورحت أرقب الأطياف النورانية وهي سابحة في الملكوت الأعلى; حتى تهجد...
قررت أخيرا بعد تردد طويل ، أن أرحل بعيدا عن هذا الوطن غير الأمين ، دون أوبة ، فلم يبق فيه ما يجعلني أتشبت به كقرادة ، عند مغرب الشمس عبرت الغابة الصغيرة بصعوبة إلى الشاطئ الواسع و المقفر ، كان البحر هادئا ، مشيت على رمال الشاطئ ، كانت قدماي تغوصان في الرمل فترسم خلفي أثر خطوات حذائي الرياضي ،...
دخان كثيف واصوات اطلاق نار هنا وهناك على الجسر وضبابية الرؤية فوضى عارمة، وابطال لايبالون بالموت يستقبلوه بصدور عارية وراية خفاقة واصوات تطالب بحقوق مسلوبة .. فجأة علَت صيحة استغاثة اااااخ .. احمد : علاوي الحكلي جتي الطلقة براسي . علاوي : بصوت عال وصرخة كبيرة ، ولك احمدددد !! يحمله بقوة عجيبة...
يراهُ الكلُّ - إن رأوه- مجذوبًا، رثَّ الثِّياب، يُخبِّئ شعره الطَّويل، المُتَّسخ وجهه، ويصل إلى صدره الضَّامر. وهو لا يراهم، إلَّا عندما يحتاج إلى أحدهم، في دورٍ يستحيل على أيِّ من أُناس حياته القديمة، القيام به، ليتمِّم به واحدة من حكاياته الَّتي يسردها، مُهمهمًا، على روح الكون. يتأمَّلهم،...
ظل يجمع، ويدوّن، الحكايات الصاخبة، وقُبر بين دفاتره العديدة، التي فاضت حوله وتشابكت أحرفها، فحجبت عنه المداد. كانت أول الحكايات، وأصغرها، عن نهار رأى في مرآته الناصعة وجهًا كان مرتسمًا في الفضاء حوله، ما لبث أن احتل وجوه أُناس الطريق الذي لا يذكر سبب تواجده فيه، والذي ازدحم، فجأة، بوجوهه هو...
منذ خمس سنوات ونيف وبسرعة نيزك طار الى العالم الأخر مخلّفا غابة عملاقة من شجر الصداقة الأبديّة تحترق في أوساع قلبي.اتّشحت سماء روحي بالسواد حدادا على غروبه المفاجىء. وحاولت مرارا اقناع نفسي بحتمية الموت وبفعله في جوهر الأشياء. بعد ثلاث سنوات يمّمت وجهي شطر بلد شقيق لقضاء اجازة الصيف. وبينما كنت...
خشي أن يتأخر .. ويفوته اللقاء .. لذا خاف أن يأخذه النوم .. فظل مستيقظا حتى الصباح .. فهو دائماً يحرص علي مواعيده .. يحب السهر .. والاستيقاظ متأخرا ديدنه .... في الصباح الباكر .. صنع كوباً من الشاي المغلي .. غسل وجه .. لمع حذاءه .. كوي قميصه .. ارتدي ثيابه الأنيقة .. عدل من هندامه .. أشعل...
الخامسةُ فَجْرًا ، يصبغُ الفجرُ المدينة بحمرةٍ أرجوانيّةٍ فريدةٍ ، ثلاثُ أيّامٍ بلياليها لمْ يعرفْ هذا الصبيُّ للنّومِ طريقًا . في نهجِ عبد الوهّاب شقّةٌ صغيرةٌ ينبعثُ منها ضوءٌ خجولٌ و خشخشةُ مذياعٍ قديمٍ ، أثاثُ الغرفةِ مرتّبٌ ترتيبَا يعكِسُ كثيرًا ممّا في نفْسِهِ ... كلّ هذه اللّيالي ، يقضيها...
رأت السمكة الجائعة الطعم من بعيد ، وبحذر شديد اقتربت منه شيئا فشيئا ، لكنها لم تجرؤ على ابتلاع الطعم ، صعدت إلى سطح الماء وأخرجت رأسها الكبيرة من الماء ، رأت صيادا شيخا يقعد على حجر كبير ، على ضفة النهر ويمسك قصبة الصيد بكلتا يديه ، قالت السمكة في نفسها : إنه صياد فقير جائع ، يبحث عن طعام له أو...
المكان مُزدحم ، الطفلة الصغيرة تجلس على الطِّوار وتمد يدها للمارين . توقفت سيارة سوداء بجانب الطوار المُقابل ، نزلت منها سيدة في متوسط العمر ، بيضاء مكتنزة تضع نظارات سوداء ، قطعت الطريق وعندما أصبحت بجانب الشَّحادة الصَّغيرة توقفت ، نظرت إليها بعطف ومنحتها ورقة نقدية من فئة خمسين درهما ، اتسعت...
الأزيز المهدد للمارة والعابرين، يبرق فى الأسلاك العارية تحت المطر، ولمعان البرق ينذر بسيل عارم . فى هذه الظروف، يتخفى الجميع من الشيطان الخارج من عمق االظلام، للصيد واقتناص الضحايا، وفرض شروطه المجحفة على هذا المشئوم، سئ الحظ، الذى سيكون اول من يفابله عند الإنقطاع التام للكهرباء. يتخفى الجميع...
ربما كانت أول سينما أذهب إليها فى سن مبكرة، العاشرة تقريبا، تذكرة الدخول بتسعة مليمات، لا أدرى حتى هذه اللحظة لماذا تسعة مليمات؟ فلم يكن هناك ملاليم بالطبع، ولكن عندما تدفع قرشا كاملا، يعطيك موظف الشباك شيئا مساويا للمليم الباقى : قطعة حلوى صغيرة، إبرة وابور جاز، أو قطعة عجين صغيرة لالتقاط البق...
أعلى