سرد

لم يكن من طبيعتها الزهو والمباهاة، ولكنها تشعر الليلةَ بين لِداتها وصواحبها أنها قد بلغت مرتبةً من حقها أن تُزْهي بها وتفتخر؛ إنها خطيبة (سامي)، وهذا خاتم الخطبة في إصبعها يزهو ويتألَّق شعاعه؛ وأي صواحبها لم تعرف (سامي) أو تسمح به، وإنه من الشهرة وذيوع الصيت حديثُ كل فتىً ونجوى كل فتاة! وراحت...
كنتُ أراها في أحلامي. لم تتوقَّف عن المجيء يومًا. أراها وألمسُها وأعرف تفاصيلَها، وأستيقظ إلى يومي وعالمي، المحكوميْن بالتكرار، من دون أن تغادرَني لحظة، وقد أطلقتْ في روحي نهرًا أزرقَ أواجه به عالمًا جافًّا بلا غيمةٍ أو عينِ ماء. في الطريق إلى الأماكن المكرَّرة، كانت ترافقني. تبزغ من بين...
الليل بحيرة فحمية الضفاف طويلاً كطريق مسافر بلا وجهة والصمت هو كل حالات التراجع الوحيد والهزيمة الفريدة التي يدركها الجميع، ربما يكون في قليل من الأحيان منطق لصرخة متورمة. جفف حلقه بما ابتلعه من بقايا لعاب فقد أصبح الإحباط والحزن ريقاً لـه لا يستنكر طعمه انتفض بعد أن انغرست في قدمه شوكة...
تطايرت أمامي متعمدة مسافة متر و متر آخر و أمتار أخرى كجرادة تائهة .كانت مجعدة و خضراء كخضرة الحقول، و كخضرة عينين أحببتهما يوما لما نبت زغب ذقني ، لكن خضرة أمعائي من جوع يومين كانت أشد . أجبرتني على رؤية كل الأشياء ضبابية الألوان و الأشكال . تطايرت الورقة الخضراء و تطايرت . لم تكن هناك ريح...
اسند ظهره إلى حافة الصنبوق ( قارب الصيد الصغير) وبدأ القارب الرحلة مغادر مياه البلاد الذي تحمل له الكثير من الفرح والكثير من الالم ، تصاعد الدخان الصادر من ماكنة القارب وارتفع ضجيج المواطير المحركة والقارب يشق مياه البحر وتتصاعد النسمات الباردة ومدينته الحبيبة تتلاشى شيئاً فشيئاً لكن ذكريات...
المساءُ يتعمّدُ أنْ يتلكأَ معي ويعاندني بلحظاته الأخيرة، الدقائقُ وكأنّها جبالٌ تتوالى لتجثمَ على صدري، عبثاً أحاولُ أنْ أبدّدَ الوقتَ وأُنفقَ ما ادّخرته من صبر السنين، حتى بدت تلوحُ على النافذةِ بشائرُ اليوم الموعود. أبتسمُ لأنني على موعدٍ معه، فبعضُ الأحزان لا تأتي إلا بهيئة ابتسامة، ألقي...
اجتماع عائلي، والصغيرة رهف، كأنها اسمها، هيكلها نحيل جدا، تكاد وهي تسير أن تنحني من شدة الضعف. وجهها جميل، وشعرها له لون القهوة المحمصة، هادئة جدا رهف. ولأني أعلم بمواهبها الموسيقية، وقدرتها على العزف بمجرد أن تضع يديها على مفاتيح الأورغ، كنت أطلب منها أن تعزف لي بعض المقاطع الموسيقية، وتفعل...
يمضي يوم .. يطل آخر وحيدا في المنزل، لم يسأل أحد، لم يتصل أحد. يعتريني الخمول، تتملكني الحيرة، أشعر بالرعب. ترتعش أوصالي، تخر قواي. أكره أن أنهض عن فراشي، أرفض أن أنفض فتوري. وحيدا .. وأشباح الليل تحوم حولي، همسات الفجر تقض مضجعي. وحيد ..! * * * فرحة التخرج، وأخيرا انتهت عبودية المدرسة، القميص...
قطعة نقدية معدنيّة ذات قيمة صغيرة في سُلّم أجزاء الليرة السوريّة (فرنك) سقطت من أحدهم على الرصيف، جاء انتباه سالم لها عرَضًا، وقعت في مرمى سهام عينيْه عندما عثرت رجله اليمنى بنتوء بارز من إحدى بلاطات الرّصيف المُتهالك قِدَمًا، فما امتدّت له يد الصيانة منذ إنشائه. انحنى مُتثاقلًا لالتقاطها، فركها...
«آه». أشعر ان ظهري يؤلمني، الساعة لم تلحق السادسة بعد، ضوء الشمس في الخارج خلف الستارة. «اليوم عيد ميلاد سالم». ما زال غاطا في نومه وشخيره، في السنوات الاخيرة قلت ساعات نومه، ما عدت قادرة على مجاراته في سهره.. يتناول عشاءه في الثامنة. هو هو منذ ما يزيد عن الخمسين عاما: قطعة خبز، وقطعة جبن بيضاء...
كنت أعلم بأن المرأة التي تجلس على المقعد المجاور لي ترمقني بزاوية عينيها، وتهتم بملاحظتي أكثر من اهتمامها بمتابعة أطفالها الذين تفاوتت أعمارهم بين العشرين والعشرة أعوام. أكبرهم ، هذا إذا لم يكن لها آخرون في مكان ما، إبنة أخمن عمرها بأكثر قليلا من عشرين عاما. هذا يعني أن المرأة الآن في الأربعين...
يظن العالم أن الساعة الـ 12 صباحاً هي أكثر الأوقات ظلماً وهدوءاً، هم فقط لم يعلموا أنها أكثر الأوقات ضجيجاً. تدق الساعة كل ليلة من برج مشيّد بعيد وتصل أنغام دقاته إلى أنفاس النائمين. كل ليلة أعدّ معها: واحد... اثنان... ثلاثة... ثم تلتهي أفكاري قليلاً وعقلي يظن أنه يعد الدقات تسلسلياً. أقول 12...
قبل عامين تفشى وباء التيفود في مديرية الغربية تفشياً مخيفاً فتك بنفوس الكثيرين، وصادف ذلك انقضاء بضعة أشهر على تعيين الدكتور زكي أنيس طبيباً بمستشفى طنطا وفتحه عيادته الخاصة، وكان في تلك الأيام يلاقي الشدائد المقضي على كل مبتدئ في فنه أن يلقاها أول عهده بالحياة العملية. فكان ينتظر طويلاً وعبثاً...
خلَتْ (هُدَى) إلى نفسها تتدبّر أمرها وتزن ماضيها وحاضرها؛ كانت تشعر أنها قادمة على أمر ذي بال، وأَنها الساعةَ في مرحلةٍ بين مرحلتين من حياتها، وثَمّةَ طريقان عليها أن تختار أيَّهما تسلك؛ فإما إلى سعادةِ تُنسيها الماضي بما فيه من لذة ونشوة وسحر، وإما. . . ولكنها لا تعرف السعادةَ إلا ما كانت فيه...
هل يعقل ان تتحول السماء التي لايحدها البصر الى بقعة صغيرة جدا ليست اكبر من النافذة الشاهقة التي يرفع اليها رأسه ؟ مرة يراها زرقاء ومرة سوداء او سمراء غائمة واكثر المرات مغبرة. هي كالفتحة في اخر نفق مظلم تربطه بالحياة وبالتاريخ الذي مر به. لم يكن معه من يتحدث اليه او شيء يقرأه حتى ولو كان ورقة...
أعلى