سرد

انتظر إلى أن امتلأت الحافلة عن آخرها، وما عاد متسع للمزيد، حتى صارت كالحامل على وشك الوضع، وانطلق ذاكرا الله أن ترافقه السلامة، فأرواح الناس ميثاق غليظ. سارت على هدي من الله تتمايل ببطء تشكو إلى الباري أمرها وأمره، في نوع من التضامن بينهما قل نظيره؛ خيط نور يربط بين روحيهما. كان يعلم أنها لم...
زوجي سائق باص. منذ ثلاثين عامًا وتزيد. تعرّفتُ إليه وهو في الرابعة والعشرين، وكان تخرّج للتوّ من مدرسة السياقة في المدينة. في بطاقة هويته كتبوا إلى جانب المهنة: “سائق باص”، وكانت هذه كفيلة، إلى جانب صورته البراقة، بأن تدخلني إلى قفص الزوجية الذي بناه لي، في قريتنا الجميلة النائية. كنتُ في أثناء...
صوت رصاص يُسمَعُ من بعيد, بدأ الصوت يقترب شيئا فشيئا.. جموع تنتظر بحذر وتنظر بريبة وكأنها أرانب برية تتحسس المحيط بأنوفها, لا ترى بعيونها, تنتظر غياب الصقر كي تخرج من جحورها لتأكل ما تستطيع, ربما تعود أو قد لا تعود! الصقر لم يعد له وجود, السماء خالية سوى من الغربان المتفرقة التي تمر بين فترة...
تتصلُ به كعادتها فَقَدْ اشتاقت إليه.. لكنه لا يرد، لا بأس ربما لم يسمع فتعيد الاتصال مرة أخرى والابتسامة جاهزة على شفتيها لترحب بصوته، الذي تحبه. ولكن دون رد، فيقوم إصبعها بطلب المكالمة مرة ثالثة ورابعة بشكل لا إرادي والنتيجة لا إجابة!! بدأت تسحب أنفاسها بصعوبة وصارت تسمع خفقان قلبها الذي يشير...
زماننا عاثر الحظ أو نحن به عاثرو الحظ. فأينما تول وجهك تسمع تنهد شكوى أو تر تجهم كدر. ولن تعدم قائلاً يقول إن هذا الزمان أضيق رزقاً وأنضب حياء وأفسد خلقاً وأقل سعادة وأنساً من الزمان الماضي، ويجوز أن نكون لزماننا ظالمين، وأننا نتحامل عليه لا لعيب اختص به دون غيره من الأزمنة، ولكن تبرماً بقساوة...
في حارة (قصر الشوق) من حيّ الجمالية بالقاهرة، وإلى الشمال الغربي من مسجد (أبي عبد الله الحسين) حيث لا تزال القاهرة التي بناها المعز لدين الله قائمة في هذه القباب والمآذن، وتلك الدُّروب والمسارب، وهذه الدُّور الرحيبة المتقادمة التي تفضي إليها من باب إلى باب إلى أبواب. . . . . . هناك، حيث...
إلى إبراهيم البهرزي الوحوشُ التي تأتي من الحديقة المظلمة، تخترقُ زجاجَ النافذةِ مثلَ الضوء.. تحدّقُ بي ثم تمضي الى غرفةِ النومِ.. وأنا اجلسُ متماسكاً، على الأريكة المغطاةِ بالنمل.. لا أدري للآن، ما الذي تفعلهُ الوحوشُ وهي تدمدمُ بزئيرِها المكتوم تتقّلبُ فوقَ سريري، وتنقّبُ في الدولابِ المكتظّ...
· جالسا في باحة المقهى ،ساهما ،أفكر في أشياء حدثت ذات زمن ،أحفر بهدوء في تعاريج الذاكرة،لاأعير اهتماما لما يجري ويدور حولي ،الذاكرة تشدني ،تدفع بي إلى مدارات تقود إلى زمن عميق وأماكن كانت تضج بالحب والحياة ،أرشتف فنجان قهوتي ،أمارس حقي في العيش خارج نطاق المألوف والروتيني الحامل للسعات الملل ...
كان شهر عسلها قشعريرة طويلة. إنها شقراء، ملائكية، خجولة. وقد جمَّد طبع زوجها الصارم أحلامها الطفولية كعروس. كانت تحبه كثيراً، إنما كانت تخالط حبها رعشة خفـيفة أحياناً، حين تنظر خلسة إلى "خوردان" الصامت منذ نحو ساعة، وهما عائدان ليلاً فـي الشارع. وكان هو من جهته، يكنّ لها محبة عميقة، ولكن دون أن...
حين كنتَ تَأخذ سلفي في المَدينة القديمة لمْ تنتبه أنّك كنت أمام حمام اليهود في سوق الغزل ، ولا أظن أنّك عرفت أنه سوق يَحمل ذَلك الاسم المثير والغامض . فهو سوق للغَزَل، للكَلام الغانج ، وقَول الشّعر في الحبيبة والتشبيب بها ، يمكنُه أنْ يكونَ غزَلا عذريا عفيفا وبدويا ،ويمكنه أن يكُون غزَلا صريحا...
في تلك الليلة الباردة من ليالي الشتاء، كان الظلام حالكا، سمعت طرقا خفيفا على الباب. رفعت عن رأسي الغطاء، أنرت ضوء الأباجورة الأزرق، لأسمع ارتطام جسم ثقيل. قلت في سري أطمئن النفس: – لعله آت من عند الجيران.. يا لهم من بدو مزعجين. عدت إلى النوم. مواء قطط ونباح كلاب في الخارج. أزحت عني الغطاء كاملا...
أضعُ الفرشاةَ أسفل المرآةِ، الرغوة البيضاء الناتجة عن تحريك الفرشاة على ذقني أكثر إمتاعاً من تلك الجاهزة في عبوة حديدية، أفصلُ أعلى اللحيةِ عن باقي الشعرِ بشفرة الموسِ نزولاً حتى عظمة الفكِ، أُكرر ما فعلتُ على الجهةِ الأخرى، أُتمُ حلاقةَ لحيتي بسلاسةٍ دونما أي جرحٍ يشوه نعومةَ ذقني القمحي،...
أمسيت أرقب تنفس المراعي وبعض الخبيث يسكن صدري وفمي.. رفض المطر سلوكي الغبي فأطفأ جذوة سيجارتي برذاذه.. تكاسلت عن التدخين وعن الغناء للشياه.. راق لي منظر الغيوم الغامقة السواد وهي تتشاغب مع بعضها البعض على مساحة واسعة من السماء.. أمسكتْ ببصري لما رأيتها تناور لإغراق الوديان وتكوين السيول، والخراف...
أوشك الفجر أن يطلع، وتصايحت الديكة إيذاناً بطلائع النور، فأخلدت الحجرة إلى السكون والصمت، كأنما أسلمها أنين المرض الموجع وتأوه الإشفاق الأليم إلى الهمود. كانت ترقد على الفراش امرأة شابة يبدو من اصفرار وجهها وذبول خديها وشفتيها وتضعضع كيانها أنها تعاني وبال مرض يهتصر شبابها. وعلى فراش قريب رقد...
كان خالد أفندي يتردد على مقهى (الحرية) في مدينة المنصورة أصيل كل يوم. ومع أن المقهى يشرف على النيل، ويقع في أجمل بقعة في هذا البلد؛ فإنه لم يحاول مطلقاً أن يملأ عينيه مما حوله من جمال وسحر. . . فهو لم يشاهد منظر غروب الشمس في النيل، ولا طلوع القمر من وراء السحاب، ولا الزوارق الشراعية وهي تسبح في...
أعلى