قصة قصيرة

جاءني مراسل الأمر هاشاً باشاً وهو يخبرني بميوعته المعتادة: - الآمر يريدك فوراً. سألته مندهشا: - يريدني أنا!؟ قال مؤكداً: - نعم يريدك أنت… هيا معي. أجبته: - اذهب وسألحق بك. ولحقت به، وأدخلني إلى ملجأ الآمر المحصّن. أديت التحية العسكرية. - نعم سيدي. - تفضل بالجلوس. قالها بمودة وبشاشة...
جلسا يلعبان الورق ويدِّخنان.. كانا ضجرين، لا يأبه أيّ منهما إن كان سيفوز أو سيخسر.. بدا وكأنهما يريدان أن يمضي الوقت بأيّ شكل، ليس إلاّ.. قام الرجل الذي يرتدي كنزة صفراء، مثقوبة عند الكتف، إلى الثلاجة وأخرج زجاجتي بيرة.. لم يسأل صاحبه إن كان ممن يشربون الخمر. وصاحبه الذي يرتدي قمصلة جلدية بلون...
من نعم الله عز وجل على الانسان (العقل) والتفكير ، لكن حياتنا اصبحت صعبة ومعقدة واصبح تفكيرنا يسوده القلق والانشغال في امور المعيشة والاولاد والواجبات البيتية والاجتماعية والعمل والوظيفة والراتب وووو…الخ، فتتشعب الافكار وتصبح في حالة من الفوضى وننسى امورا كثيرا مهمة كانت ام ثانوية مما يجعلنا ننشد...
كانت تنظر الى العالم من زاوية بعيدة، لم يبهرها أيُ شيء في هذه الدنيا، أستقلت سيارة أجرة، جلست تُراقب و تتأمل من خلف زجاج السيارة حركة الناس، وتحصي الشوارع، تُحلق في الوجوه التي تمرُ عليها بسرعة خاطفة، تنظرالى اللافتات و العناوين، و أسماء الأطباء وعيادات التشخيص المُبكر للأورام و العلاج الأشعاعي...
يفور المكان بالحضور والغياب، وجوه ملونة من كل صوب وفج، تتقدم، تبتعد، تمر، وتخطف، خفافا حينا وثقالا حينا، تتحرك حقائب بمختلف الأحجام والأشكال، ميم الاتجاهات سيد المشهد، متعاكسة متوازية متضادة متواصلة، متقاطعة، متسارعة متباطئة، وتهتز البوصلة، تتذبذب، لا تثبت، كراقص ديسكو بحلقة سيرك، لا يحدده...
روى ملا عبود أنه في يوم قائظ أمطرت السماء ضفادع، ناقعة بالماء ومقصوصة الأرجل من خلاف، جلدها لم يكن مخضرا ولا أسنا، بل يميل إلى الأسود الفاقع، كأنها ظلت في شواية الشمس أطول فترة ممكنة. أهل الرصافة، بعدما سمعوا بالضفادع النازلة من الفضاء، لم يصدقوا واعتبروا أهل الكرخ يبالغون في الوصف، لكن بعد...
«ربما لا يقصدني! ربما هو غارقٌ في التفكير بشيء ما!…». طمأنتُ نفسي، وأنا أحاول مرة أخرى أن أتجاهل نظراته التي أصبحت تزعجني بحق. *** كان يوماً خريفياً غائماً وبارداً؛ لكن الجو، لحظة وصول الباص إلى محطة الانتظار، كان مشمساً. كان الباص قد تأخر كثيراً كعادته، حتى كدتُ أتجمد من البرد، خاصة أنني كنت...
لم يعد سواه من القطع البيضاء على رقعة الشطرنج بجوار الملك الأبيض، كان ساكناً طوال اللعبة يتابع بهدوء تحركات قطع الشطرنج البيضاء والسوداء.. تابع في البداية بضجر حركات القطع المختلفة على الرقعة المربعة. ثم أخذ يركز اهتمامه على القطع البيضاء التي تحمل نفس لونه. تابع الوزير الأبيض الذي سقط بفخ نصبته...
عندما انتهينا من دفن جدي: - ازدحمت المقبرة بهذا الجيل أيضا، فلم أجد حفرة أدفن فيها جدك سوى بجانب باب المقبرة، حارسا على الأموات. يا لحزني، تمنّيت حين رأيته يقتل فدى لمن يحرسه كسر رتابة عملنا كحراس للأحياء حتى يموتوا وللموتى حتى يبدد التراب أجسادهم أن يدفن جدك بين القبور معززا مكرما لا فرق بينه...
كالقتيل يسقط في حضن امه ، تطوقه بذراعيها ، تمسح دمه بدموعها ، تستره بثوبه الممزق. تمسد اضلاعه المتكسرة بكفين حانيتين وكأنها تريد ان ترد كل ضلع الى مكانه… هكذا سقط جسر الصرافية في حضن امه دجلة بعد ان قطّع خنجر مسموم شراينه. وتقف بغداد بعينين لم تكفا عن البكاء منذ زمن. تنظر الى واحد من اخوتها...
كانت مجموعات مختلفة الاعداد تزور قريتنا مرتين في العام.. مرة في اوائل الربيع.. ومرة في أواخر الصيف.. بملابسهم الملونة المزركشة الجذابة غطاء الرأس من لون.. والسروال من لون والقميص من لون.. والجلباب من لون كومة من الالوان المتنافرة الصارخة التي كانت تبعث في نقوسنا نحن مراهقي القرية وشبابها غامضة...
عندما تلقيت رسالة التهديد بالقتل؛ كنت في ذلك الوقت بالذات أعمل في تهذيب وتشذيب النباتات في حديقة منزلي، وقد أثار انتباهي أن النباتات الطفيلية والبرية كانت قد انتشرت في مدة قصيرة على نطاق واسع. جاءت رسالة التهديد تلك لتجعلني أمام مقارنة لا سبيل لي للخروج من حقيقتها المرة، حيث اقترن اتساع تلك...
منذ زمن بعيد احتدمت نار الحرب، وانطفأت بعد التهامها آلاف القتلى. مات فيها رجال كثر. والدي لم يمت في تلك الحرب، مع أنه كان متلهّفاً لنيل الشهادة، كما تقول والدتي في كل محفل يأتي فيه ذكر اسمه أو يذكِّر أحدهم به، فتبادر والدتي إلى قصّ مسيرته ونضاله في الحرب. عن نفسي أنا لا أذكر والدي جيداً، فأنا لم...
ألف النوم، طوال النهار يقضيه متقلباً في فراشه الطيني القاحل في غرفته المظلمة العطنة ذات الجدران الباهتة أو بالأحرى سردابه المعتم الطويل الذي اتخذ منه مأوي يأوي إليه ليقيه من لسعات البرد القارص في ليالي الشتاء الباردة الطويلة ومن حرارة الشمس اللاهبة في النهار الذي عافه ولم يعد يعرفه قط منذ أعوام...
هذا رأسي الذي اصطفيته لنفسي ذات مرة. إنه يؤلمني. يوخز ألمه في أوردتي، يحجب عينيَّ عن نور الشمس، يثيرُ في جمجمتي الزوابع. يلكز بسفَّود ألمه ذاكرتي ليفرغها من كلِ الصور التي التقطتها عيناي طوال سنين عمري. لِمَ يفعل ذلك؟ لا أدري. آهٍ من رأسي إنه يحكم قبضته على عنقي لا يترك لي حرية الالتفات...
أعلى